حشرات وديدان وجدران متداعية.. أقسام تتحول إلى خطر يطرد التلاميذ نحو العراء بسطات
بعدما امتلأت حجراتهم المهترئة بالأوساخ، وتكدست الفطريات والحشرات في زواياها، وأضحت الأمراض والحساسية تهددهم يوميا، لم يجد أساتذة فرعية أولاد عشي بسطات حلاً سوى إخراج التلاميذ إلى الهواء الطلق لمتابعة الدروس، رغم برودة الجو وقساوته.
هكذا خرجت إلى العالم تلك الصور والفيديوهات الصادمة التي انتشرت خلال الأيام الأخيرة، والتي وثّقت مشهدا غير مألوف: “أطفال يدرسون بلا سقف، في طقس نونبر البارد”.
كواليس الفيديو
هذه الوقائع تعود إلى فرعية أولاد عشي بإقليم سطات، حيث أقدمت أستاذة على إخراج تلاميذها إلى الخارج، بعد أن تحوّلت حجرات الدراسة إلى فضاءات خطرة وغير صالحة لاستقبال أي نشاط تربوي.
مرافق صحية منهارة، أوساخ متراكمة، ديدان وحشرات منتشرة، روائح خانقة، وجدران متداعية.. أوضاع استمرت لشهور، رغم مراسلات كثيرة من أولياء الأمور والنقابات التعليمية، ورغم لجوء المديرية لحلول ترقيعية أثبتت الأيام أنها غير مجدية.
وبحسب رواية آباء وأولياء التلاميذ، فإن بنايات الفرعية المشيدة بأسلوب “البناء المركب”، والتي يعود أقدمها لأكثر من أربعين سنة، بدأت في السنوات الأخيرة تظهر عليها علامات التآكل والاهتراء، ما تسبب في حوادث متكررة هددت صحة وسلامة المتعلمين والعاملين بالمؤسسة.
وقد ذكر الآباء في مراسلة موجهة للمدير الإقليمي منذ أبريل 2025، اطلعت “صوت المغرب” على نسخة منها، أن “تلك الحوادث شملت تسرب الرياح والأمطار من السقوف، وتصدع الجدران، وسقوط عريضة خشبية كبيرة، وتطاير أجزاء من سقف قسم بسبب الرياح القوية، إلى جانب تسلل الزواحف والعقارب، واجتياح أنواع مختلفة من الحشرات، نتيجة وجود طيور الحمام داخل الأسقف”.
هذه الوضعية أدت إلى “نوبات حساسية لدى العديد من التلاميذ، وزادت من مخاوفهم من انهيار الأقسام فوق رؤوسهم، فضلا عن تأثيرها البالغ على تحصيلهم الدراسي”، كما عبّر الآباء عن “رفضهم للجوء إدارة المؤسسة إلى حلول ترقيعية، بعضها زاد الوضع سوءاً، مثل رش المبيدات أو تثبيت السقف بأحجار ثقيلة”، مطالبين بتوفير فضاء تعليمي آمن قبل بداية الموسم الدراسي الحالي.
وهو المطلب الذي لم يتحقق على ما يبدو، ليبدأ موسم جديد، ويأتي شهر نونبر، بينما المعاناة لم تتوقف بل تفاقمت، وصولاً إلى تدريس الأطفال في العراء.
ومع انتشار الصور والفيديوهات الأخيرة، تحركت السلطات التعليمية، حيث أفادت مصادر محلية لـ”صوت المغرب” بأن لجنة مشتركة من وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة والمديرية الإقليمية بسطات، حلت يوم الجمعة الماضي بالمدرسة، ووقفت على الإشكالات المطروحة، كما استفسرت الأستاذة المعنية بالواقعة.
القضية وصلت كذلك إلى قبة البرلمان، بعدما وجه عضو الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، المصطفى القاسمي، سؤالا كتابيا إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة محمد سعد برادة، حول التدابير المتخذة “للتحقق من الواقعة، وضمان عدم تكرار مثل هذه الممارسات التي تسيء للعملية التعليمية”.
“مجرد نموذج مصغر“
من جانبها، حملت النقابة الوطنية للتعليم بإقليم سطات المديرية الإقليمية كامل المسؤولية عن الوضع المزري الذي عاشته فرعية أولاد عشي، معتبرة أن “ما وقع نتيجة مباشرة لتقصير واضح في الصيانة وتتبع البنيات التحتية الهشة التي سبق التنبيه إلى خطورتها”، وأكدت أن “الفضيحة الموثقة بالفيديو لا تمثل حالة معزولة، بل تعكس نموذجا مصغرا لما تعانيه عدة مؤسسات تعليمية أخرى بالإقليم من أوضاع مشابهة”.
واستنكرت النقابة في بيان لها، لجوء المديرية الإقليمية إلى “سياسة الهروب إلى الأمام“، من خلال “محاولة إلصاق مسؤولية تصوير ونشر الفيديو بالأطر التربوية، في حين أن مهام هؤلاء محصورة في أداء رسالتهم التعليمية داخل الفصول الدراسية، وليس القيام بمهام الإدارة أو الحراسة أو التتبع التقني لحالة البنايات”، واعتبرت أن “محاولة تحميلهم المسؤولية ليست سوى محاولة فاشلة للتغطية على التقصير الإداري والتقني في تدبير صيانة وتأهيل الفرعية”.
كما رفضت جعل الأطر التربوية “مشجباً” للتغطية على إخفاقات المديرية، مدينة كل الأساليب التي تستهدف الضغط أو التخويف أو التشويش على نساء ورجال التعليم دون تقدير لظروف اشتغالهم الصعبة.
وأعلنت في هذا الإطار، “تضامنها المطلق وغير المشروط مع الأساتذة العاملين بالفرعية، وخاصة الأستاذة التي تعرضت لانهيار صحي نتيجة الضغط والمضايقات، محملة المديرية الإقليمية مسؤولية ما لحقها من أضرار نفسية وصحية”.
“حماية الطفولة في خبر كان“
بدورها، دخلت منظمة “ما تقيش ولدي” على الخط، موجهة نداءً مستعجلا إلى وزير التربية الوطنية والمدير الجهوي للتعليم بجهة الدار البيضاء سطات، وإلى السلطات والهيئات المعنية بحماية الطفولة.
وعبرت المنظمة عن “قلق بالغ” إزاء ما وصفته بـ”انتهاك واضح لحق الطفل في التعليم اللائق”، مطالبة بفتح تحقيق عاجل وشفاف، وباتخاذ إجراءات فورية لضمان تمدرس التلاميذ في فضاء يضمن الحد الأدنى من الشروط الأساسية، إلى حين إيجاد حل دائم.
كما دعت إلى وضع خطة استباقية لتفادي تكرار مثل هذه الحالات، مع إشراك المجتمع المدني في مراقبة تنفيذ الإجراءات، ونشر تقرير رسمي حول مدى انتشار هذه الظاهرة وطنيا.
وختمت المنظمة نداءها بالتأكيد على أن هذه الوضعية تتطلب تعبئة وطنية لحماية الأطفال وضمان تعليم كريم وآمن لهم، معتبرة أن “المدرسة يجب أن تبقى فضاءً للأمل والانعتاق، لا مصدرا للمعاناة والخطر”.