جيل Z والخيارات المستحيلة للحكومة

ص
ص
دعت أحزاب الأغلبية الحكومية في اجتماعها اليوم إلى الحوار من أجل الخروج من المأزق الاجتماعي الذي وضعتنا فيه، لكن قراءة سريعة للواقع تقول بأن هذه الدعوة وهذا الحوار ولدا بدون أفق ولن ينبلجا عن أي شيء قابل للحياة حتى على المدى المتوسط كما ادعت بعض تصريحاتها .
إن ما تريده الحكومة هو حلول على المدى القصير جدا، أي فقط ما يكفي من الوقت لإتمام ولايتها والاستعداد للانتخابات المقبلة والفوز بها ومن ثم تغيير اللهجة. وسبب انسداد أفق هذا الحوار هو أن الحكومة دخلت مسبقا وأدخلت المغرب في مشاريع ومخططات ذات كلفة مادية باهظة تتجاوز القدرة التمويلية للبلاد وأخذت على نفسها وعلى المغرب التزامات دولية جازمة، ومن أجل الاستجابة للمطالب الاجتماعية للمواطنين نحن أمام خمس سيناريوهات بعضها أسوأ وأسود من بعض وهي كالتالي :
- إما أن الحكومة تتوفر أصلا على ما يكفي من التمويلات التي تحتاجها من أجل الاستجابة لالتزاماتها الدولية والمطالب الاجتماعية في نفس الوقت، وهذا طرح مستبعد، أما إذا كان صحيحا فنحن إذا أمام حكومة كانت تكذب على المواطنين وهذه كارثة تستوجب استقالة فورية للحكومة والخضوع للمساءلة؛
- وإما أن الحكومة لا تتوفر على التمويلات المطلوبة ولكنها استوعبت النزيف الذي تعرض له المال العام وستقوم بمحاسبة المفسدين واسترجاع الأموال العامة المنهوبة لصالح خزينة الدولة بما يساعد، إن لم يكن يكفي، من أجل إنجاز المطلوب اجتماعيا. وهذا السيناريو شبه مستحيل لأنه يتطلب أن تبدأ الحكومة بمحاسبة نفسها وأعضائها ومن يدور في فلكها ويستفيد من القرب منها وهلم جرا. إذا هذا السيناريو مستحيل إلا بوجود إرادة فوق حكومية وهو ما يأمله المواطن المغربي.
- وإما أن الحكومة لا تتوفر على التمويلات الضرورية وغير مستعدة لاسترجاع المال العام المنهوب ولكنها مستعدة لوضع يدها مرة أخرى في جيب المواطنين من أجل الحصول على المال، وهذا سيؤدي حتما إلى تأزيم الأوضاع الاجتماعية أكثر مما هي عليه حاليا ومفاقمة الغضب الشعبي.
- وإما أن الحكومة لن تفعل أيا من الخيارات السابقة وستلجأ للاقتراض الخارجي لتمرير الأزمة، علما أن المديونية أصلا وصلت لمستويات مقلقة، وهذا يعني أن الحكومة سترهن القطاعات الحيوية للبلاد وستغرق الأجيال المقبلة في أزمات اقتصادية مستقبلية ومديونية خانقة.
لست أدري إن كان لدى الحكومة سيناريوهات أخرى غير التي ذكرنا ولكن في ظل ما هو حاصل يبدو لي أن بلاغ الأغلبية الحكومية مجرد طلقة في الهواء بدون أساس متين ولا هدف واضح، وأن السيناريو الوحيد المتبقي أمامها هو تشديد القمع على الاحتجاج ومصادرة حرية التعبير وسحق المطالب الاجتماعية لصالح الالتزامات الدولية… وهذا يعني أن الحكومة ستتسبب في توريط الدولة والمؤسسات الأمنية في المسؤولية عن فشلها التدبيري ثم بعد ذلك تذهب الحكومة وتجد الدولة نفسها أمام تبعات هذا المأزق.