story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

تعليم حسب الترتيب

ص ص

بين سلسلة ‘ولاد يزة’ الرمضانية الأخيرة حول المعلم والترتيب الدولي الأخير حول التعليم في المغرب مسافة جدل شاسعة تكشف تدبر أمور المدرسة، كأن صدف الترتيب الأخيرة تريد أن ترجح كفة الجهة المسؤولة بشكل مباشر عن تدني التعليم في البلاد، وأن تبرز مكمن الخلل الحقيقي من دون مواربة أو مراوغة أو تغطية.

وهذه الجهة هي الحكومة طبعا. وبما أن حجم مشكلاته الكثيرة استفحل خلال السنوات الأخيرة أكثر من اللازم، فرضت الضرورة الاستمرار في مداواة الجرح، دون اللجوء إلى عملية جراحية شاملة من شأنها أن تصلح حال المدرسة والتعليم. لذلك ظلت دار لقمان على حالها حتى اليوم.

لم القول إذا إن الحكومة هي المعني الأول بالموضوع، وإن الترتيب المخزي الأخير يسائلها في المقام الأول؟ وهل يكفي أن نشير مثلا إلى أنها لغّمت الطرق في المغرب كله بكاميرات مراقبة متطورة، وأنها لا تريد شراء سبورة أو إعادة بناء سور متهدم في مدرسة، حتى يظهر حجم المفارقة الصارخة في التعاطي مع الشأن العمومي عموما، وليس مع التعليم وحده؟ وكيف يمكن تفسير هذا الاهتمام الفائض بمجالات دون غيرها، مثل كرة القدم، أو حتى مهرجانات الغناء، وصرف أموال طائلة عليها، وإن لم تكن تدر عائدات مهمة على الدولة، في مقابل تهميش بناء الإنسان الذي هو مستقبل المغرب وأفقه الحيوي في منافسة الدول ومضاهاة الأمم؟

بمقدور المرء أن يستمر في طرح أسئلة حارقة- مثل هذه- من دون أن يتلقى أجوبة أو توضيحات شافية. لكن واقع التعليم منذ نصف قرن أو أكثر يكشف جملة من القرارات العبثية الناتجة عن تمثلات خاطئة ومواقف سلبية من المدرسة والجامعة المغربيتين، افترضت في البداية أن التعليم يمثل الحاضنة الأولى لكل الحركات السياسية والاجتماعية التي شهدها الشارع المغربي من الستينيات حتى الثمانينيات.

ورغم أن هذه الحركات ظلت متواصلة إلى اليوم، رغم إضعاف المدرسة وإفراغ مقرراتها من مضامينها الجيدة السابقة التي أنتجت جيلا من الأدباء والمفكرين الكبار، إلا أن الحكومة ما تزال تنظر إلى موضوع التعليم من زاوية هذا الخوف المزمن من تلازمه مع حركة الشارع. والحال أن هذه الحركة هي نتاج وضع اقتصادي مترهل ومزمن، لا تنتجها أفكار مدرسية وجامعية أو ماركسية لينية أو ثورية بالضرورة، إذ قد تنتجها أيضا جماهير كرة القدم التي تستهلك جزءا كبيرا من ميزانية الحكومة.

يضاف إلى هذا أن كل المبادرات الأخيرة التي سميت ‘إصلاحا’، وفي مقدمتها البرنامج الاستعجالي ونظام التعاقد، تبين حجم العبث الذي تدبر به الحكومة هذا الملف الحساس. لا يقتصر هذا العبث على تغيير نظام تعيين الأساتذة- أم الكوارث التي ارتكبها رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران-، بل يشمل أيضا التفويت التدريجي للمدرسة العمومية للاستثمار الخاص، الذي لم يظهر أي نجاح بارز حتى الآن، اللهم نقاطه العالية غير المستحقة. ومن جانب آخر، كان من المفروض كذلك أن ينتج المجلس الأعلى للتربية والتكوين مشروعا حقيقيا حول المجال، بعد مدة لا بأس بها من التأسيس والممارسة، تولت فيها الرئاسة بعض الأسماء المهمة على الصعيد الوطني.

ختاما، لا بد من القول إن التعليم ينبغي أن يمثل مجالا عموميا حيويا وحساسا، شأنه شأن الأمن الداخلي وحماية حدود التراب الوطني. والاهتمام به هو اهتمام بأمن روح الإنسان وبحماية حدود رمزية تكتسي أهمية بالغة اليوم، إذ ينبغي أن يعدّ قضية وطنية، مثل الوحدة الترابية تماما، وألا يصنف ضمن قائمة الأولويات، كما لو كان بضاعة قابلة لأن توضع على قائمة الترتيبات التي تقدم أو تؤخر، وفق الحاجة إليها، أو وفق هامش الربح والخسارة.