story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

قضية مغربية الصحراء.. بين دعم الأعداء وجبن الأصدقاء

ص ص

حينما أعلن الملك محمد السادس في خطاب ثورة الملك والشعب لسنة 2022 أن قضية الصحراء هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، ظن الجميع أن فرنسا التي تعتبر الحليف التقليدي للمملكة ستسارع إلى إعلان موقف داعم للمغرب في وحدته الترابية، بهدف تقوية علاقاتها مع المغرب والحفاظ على مكانة الشريك التقليدي، لكن ما حصل كان العكس تماما، ظلت باريس وفية لموقفها المتأرجح بين الضبابية وعدم الوضوح، في حين كان موقف إسرائيل التي لا تربطها بالمغرب أية شراكة أكثر تقدما في دعمها لوحدة المغرب الترابية مقابل تطبيع العلاقات بينهما، جاء ذلك بعد تحركات ديبلوماسية دامت لأزيد من سنتين.

ولحسم قضية وحدتها الترابية، قامت المملكة المغربية في السنوات الأخيرة بتحركات ديبلوماسية مهمة، جعلت منها رقما صعبا في الساحة المغاربية والأورو متوسطية، وأثرت بشكل كبير على علاقاتها مع محيطها الإقليمي والدولي. وشملت هذه التحركات عددا من الدول المؤثرة في الساحة الدولية، بدءا بالولايات المتحدة الأمريكية وانتهاء بإسرائيل مرورا بإسبانيا وألمانيا والجزائر وتونس.

هذه التحركات الديبلوماسية توجت خلال الأيام القليلة الماضية، باعتراف دولة إسرائيل في يوليوز المنصرم، بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية، بعد رسالة بعثها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الملك محمد السادس يعلن فيها “اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية”، مؤكدا أن بلاده “تدرس إيجابيا فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة”، حسب ما أعلن الديوان الملكي.

وجاء الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء بعد سلسلة من التحركات التي قامت بها الديبلوماسية المغربية منذ سنة 2020، حينما تم التوقيع على الاتفاق الثلاثي بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، والذي يقضي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل الاعتراف للمغرب بسيادته على الأقاليم الجنوبية.

وكانت أمريكا قد أعلنت بدورها في دجنبر سنة 2020، في قرار للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على الأقاليم الصحراوية وتعهد بافتتاح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة، لكن أمريكا لا زالت تتلكأ في افتتاح قنصلية لها بالأقاليم الصحراوية المغربية، بالرغم من تدشينها لممثلية دبلوماسية بمدينة الداخلة في يناير2021، وهو ما يجعل الموقف الأمريكي بخصوص ملف الصحراء المغربية يشوبه نوع من الغموض.

وعلى المستوى الأوروبي استطاعت الديبلوماسية المغربية أن تنتزع مواقف قوية داعمة للوحدة الترابية للمملكة، أولها موقف الدولة الإسبانية الذي ظل ضبابيا وفي بعض الأحيان استفزازيا، لعقود طويلة، قبل أن تعلن الجارة الشمالية في مارس 2023، عن دعمها لملف القضية الوطنية، معتبرة أن مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007، هو “الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع” بين المغرب وجبهة “البوليساريو”.

دعم إسبانيا للقضية الوطنية أنهى مسلسل خلاف دبلوماسي كبير بين البلدين، كان قد انطلق في أبريل سنة 2021، حينما استقبلت إسبانيا زعيم جبهة “البوليساريو” إبراهيم غالي بهوية مزورة من أجل تلفي العلاج بمستشفياتها، واستمرت هذه الأزمة لما يقارب السنة وأسفرت عن ردود فعل قوية من طرف المغرب كان أبرزها استدعاءه لسفيرته في مدريد من أجل التشاور.

ألمانيا هي الأخرى، وبعد توتر دبلوماسي كبير بسبب قضية الوحدة الترابية وملفات أخرى، صارت على نهج إسبانيا وعبرت عن موقف داعم لمبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية للمغرب، وتم استئناف علاقات التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، خاصة بعد  رسالة الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى جلالة الملك محمد السادس  وكذا الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى المغرب في غشت سنة 2022، والتي أكدت حينها على موقف ألمانيا المتطابق مع موقف الاتحاد الأوروبي الذي يدعم مسلسل المفاوضات الذي تقوده هيئة الأمم المتحدة، لإيجاد حل دائم ومرضي لكل الأطراف على أساس مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب.

أما فرنسا التي تعد الشريك التقليدي للمغرب منذ عقود، لا زالت تقف على نفس المسافة من كل الأطراف المعنية بملف الوحدة الترابية، ولم تقم بأية خطوة في تجاه دعم المغرب في هذا الملف الذي عمر لما يقارب خمسة عقود، بالرغم من الإشارات التي ما فتئت الدبلوماسية المغربية توجهها إلى كل الدول الشريكة بخصوص القضية الوطنية، كان أبرزها الخطاب الملكي لـ 20 غشت 2022 الذي قال فيه الملك “إن قضية الصحراء هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”.

هذا “التماطل” الفرنسي في دعم الوحدة الترابية للمغرب يعكس أزمة ديبلوماسية صامتة بين الرباط وباريس تظهر تارة وتخفت تارة أخرى، استعملت فيها ورقة الحقوق والحريات وتبادل الاتهامات بين الطرفين، وكانت أبرز مظاهر هذه الأزمة إنهاء المغرب لمهام سفيره في باريس محمد بنشعبون، بعد عدة أشهر من الفراغ الدبلوماسي على خلفية تعيين هذا الأخير مديرا عاما لـ”صندوق محمد السادس للاستثمار”.

ورغم الزيارة التي قامت بها كاثرين كولونا وزيرة الخارجية الفرنسية إلى المغرب أواخر سنة 2022، بهدف تجاوز القضايا الخلافية بين البلدين، إلا أن العلاقات بين الرباط وباريس لازالت في أدنى مستوياتها منذ ما يزيد عن سنتين.

لكن على المستوى الإقليمي، لازالت علاقات المغرب مع بعض دول الجوار كالجزائر تعرف نوعا من القطيعة، بسبب ملف الصحراء وأزمة الحدود المستمرة منذ عقود، وإعلان الجارة الشرقية في غشت سنة 2021، عن قطع علاقاتها الديبلوماسية مع المغرب من طرف واحد وإغلاق مجالها الجوي في وجه الطائرات المغربية، بسبب ما اعتبرته “الأعمال العدائية” للمملكة. لكن المغرب لم ينساق وراء الخطوة الجزائرية وقرار قادتها، وظل ينهج سياسة اليد الممدودة تجاه الجزائر وعبر في العديد من الخطب الملكية عن رغبته في فتح صفحة جديدة معها، غير أن الطرف الجزائري لازال لم يرسل أية إشارة في تجاه حلحلة الموضوع والخروج من الأزمة.

وفي نفس الاتجاه تسير العلاقات المغربية التونسية التي تعيش هي الأخرى على إيقاع قطيعة ديبلوماسية مستمرة منذ غشت 2022، بعدما استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد زعيم جبهة “البوليساريو” إبراهيم غالي من أجل المشاركة في منتدى التعاون الياباني الإفريقي “تيكاد” الذي احتضنته تونس حينها، الأمر الذي دفع المغرب إلى سحب سفيره في تونس ومقاطعة المنتدى، معتبرا أن “الاستقبال الذي خصصه رئيس تونس لقائد الانفصاليين هو فعل خطير غير مسبوق، يؤذي كثيرا مشاعر الشعب المغربي وقواه الحية”.

ومن جهتها استغربت تونس مما ورد في بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي معتبرة إياه “تحامل غير مقبول على الجمهورية التونسية” وقامت هي الأخرى باستدعاء سفيرها في الرباط من أجل التشاور.

وتبقى هذه التحركات الدبلوماسية غير المسبوقة في تاريخ المغرب، الذي انتقل من اعتماد سياسة المهادنة والحوار إلى سياسة التعامل الند للند، امتحانا حقيقيا للمملكة ومدى قدرتها على إدارة الصراعات الخفية، خاصة مع القوى المؤثرة في الساحة السياسية الدولية، من أجل الدفاع عن مواقف المغرب والذود عن مصالحه العليا.