بعد طلبها الاعتذار.. هل يقدِّم نتنياهو اعتذارا صريحا لقطر بعد استهدافها المباشر؟

بعد التوتر الكبير الذي شهدته العلاقات القطرية الإسرائيلية، عقب الهجوم الذي استهدف الدوحة قبل أيام، طلبت السلطات القطرية من إسرائيل تقديم اعتذار علني عن الهجوم الذي استهدف الدوحة قبل أيام، معتبرة ذلك شرطًا أساسيًا للعودة إلى دور الوساطة في مفاوضات غزة.
ونقل موقع “أكسيوس” الأميركي، السبت، عن مصدرين مطلعين أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أثار المسألة مباشرة خلال لقائه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في الدوحة، مشددًا على ضرورة الاعتذار العلني من جانب إسرائيل.
وأوضح المصدر أن الدوحة أبدت استعدادًا للتحلي بالمرونة في ما يتعلق بلغة الاعتراف بالخطأ، إدراكًا منها للتعقيدات السياسية في إسرائيل.
وفي تعليقه حول الموضوع، اعتبر أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس سعيد الصديقي، أن “الاعتذار في العلاقات الدولية يُعد الحد الأدنى لجبر الضرر بين الدول”، مستشهدا بتجربة تركيا التي حصلت على اعتذار من إسرائيل بعد سنوات من التوتر على خلفية قتل نشطائها في حادثة “أسطول الحرية”.
غير أن حكومة نتنياهو، بحسب الصديقي، “تبدو عازمة على مواصلة الحرب، وأن محاولة استهداف قادة حماس في الخارج، ومنهم المقيمون بالدوحة، تكشف غياب الإرادة في الوصول إلى تسوية أو وقف لإطلاق النار”، معتبرا أن “هذا الموقف يجعل المشهد غامضا ويفتح الباب أمام كل الاحتمالات”.
وبخصوص السيناريوهات المطروحة في الوقت الحالي، أوضح الصديقي أن “السيناريو الأول يتمثل في تعنت إسرائيل ورفضها تقديم الاعتذار، انسجاما مع رغبتها في استمرار الحرب والبحث عن مبررات لتصعيدها”، في حين يكمن السيناريو الثاني في قبولها تقديم اعتذار صريح أو جزئي كمناورة سياسية، خاصة إذا تعرضت لضغوط كبيرة من الولايات المتحدة.
وشدد المتحدث على أن “هذا السيناريو الثاني يبقى الأقرب إلى التحقق، بالنظر إلى أن قطر لم تطرح شرط الاعتذار إلا بعد أن تكون قد حصلت على ضمانات معينة، وهو ما يعني أن الدوحة تتحرك على أرضية سياسية محسوبة، تدرك من خلالها حدود التصعيد وحدود الاستجابة المحتملة من الجانب الإسرائيلي”.
من جهته، أكد الكاتب الصحافي مصطفى ابن الراضي، أن “قطر لم تعلن رسميا شرط الاعتذار، وأن ما جرى هو مجرد تسريب، لكنه يظل شرط الحدّ الأدنى، والمعقول لتطويق الأزمة”، لكنه رغم ذلك، استبعد إمكانية تقديم إسرائيل اعتذارا صريحا، خاصة بعد أن بررت حكومتها الهجوم باعتباره “حقا مشروعا” في ملاحقة من تصفهم بـ”قادة هجوم 7 أكتوبر”.
وأشار ابن الراضي إلى أن “الموقف الإسرائيلي يزداد صلابة بفضل الدعم الأميركي الكبير، الذي تجسد بوضوح خلال زيارة وزير الخارجية ماركو روبيو للقدس المحتلة”، حيث “أوصلت هذه الزيارة رسالة واضحة مفادها أن الهجوم على الدوحة لن يؤثر على علاقة واشنطن بتل أبيب”.
ورأى المتحدث أن “عمق الأزمة يكمن في أن قطر تشعر بأنها تعرضت للغدر من واشنطن أساسا، إذ إن موقعها كحليف رئيسي من خارج الناتو، ووسيط في غزة، لم يمنع الاعتداء على سيادتها”، وأوضح أن “هذا ما دفع الولايات المتحدة للتفكير في تعديل اتفاقيات الدفاع مع قطر وتزويدها بمنظومات متطورة”.
وذكّر ابن الراضي بأن “قطر تعرضت خلال أقل من ثلاثة أشهر لهجومين خارجيين، الأول إيراني استهدف قاعدة العديد، والثاني إسرائيلي استهدف الدوحة مباشرة، حيث اعتبر أن “هذه وضعية استثنائية لدولة صغيرة جغرافيا، بوسائل دفاع محدودة، في بيئة إقليمية شديدة الاضطراب”.
وأكد ابن الراضي أن “استثمار قطر في القوة الناعمة لم يمنع وقوع الاعتداءات عليها، وهو ما يفرض عليها مراجعة استراتيجيتها في إدارة أدوارها الدبلوماسية والوساطات”، حيث توقع أن “تتجه الدوحة في المستقبل إلى تحجيم بعض هذه الأدوار، ولو أن هذا التغيير قد لا يظهر أثره سريعا”.
وحول إمكانية تقديم إسرائيل اعتذار غير مباشر، تابع المتحدث أن “الأمر قد يقتصر على صيغة التأسف لمقتل رجل الأمن القطري، مع التشبث بحق إسرائيل في ملاحقة قادة حماس”، إذ أشار إلى أن “طبيعة حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو تجعل التراجع صعبا”.
وربط هذا الموقف بحسابات نتنياهو الداخلية، موضحا أنه “يواجه قضايا فساد وضغوطا تتعلق بمسؤوليته عن هجوم 7 أكتوبر، وأن أي تراجع قد يعجّل بانهيار حكومته، ما يجعله يواصل التصعيد والتمسك بخطاب التشدد، تحت ضغط حلفائه الذين يملكون مفاتيح استمراره في السلطة”.
كما أشار إلى أن “إسرائيل تراهن على أن قطر ستعود لدورها كوسيط، رغم كل ما جرى، وهو ما يعكس ثقتها في تجاوز تداعيات الهجوم”، مبرزا أن “هذه الثقة تنبع من سوابق عديدة أفلتت فيها إسرائيل من المحاسبة رغم تجاوزها الخطوط الحمراء”.
وفي غضون ذلك، أكد ابن الراضي أن “قطر لن تتخلى عن الوساطة بصفة نهائية، لأنها تراها التزاما سياسيا وأخلاقيا تجاه الفلسطينيين”، لكنه شدد على أن “إدارة هذه الوساطة ستتغير حتما بعد الهجوم، حيث ستسعى الدوحة للموازنة بين الحزم دفاعا عن سيادتها والمرونة التي تفرضها علاقتها بواشنطن”.