story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
دولي |

بعد سقوط “الفاشر”.. 5 أسئلة لفهم ما يحدث في السودان

ص ص

استيقظ السودانيون في 15 أبريل 2023 على أصوات الرصاص والمدافع، والمقاتلات الحربية تحلّق فوق رؤوهم. لم يكن أحد يعتقد حينها أن الحرب التي اندلعت في أبريل 2023، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ستستمر طويلاً.

لكن الصراع تجاوز اليوم عامين ونصف، خلّف خلالها دمارًا واسعًا، وسقوط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، وموجات نزوح ولجوء هائلة، إضافة إلى انهيار مؤسسات الدولة.

وقد امتدت المأساة الإنسانية من العاصمة الخرطوم إلى إقليم دارفور، مرورًا بولايات كردفان والجزيرة، وأخيرا الفاشر التي سيطر عليها جنود الدعم السريع قبل أيام، حيث ارتكبوا إبادة في حق أهلها عبر القتل والتعذيب والاغتصاب والتجويع.

ولفهم هذا المشهد بكل تعقيداته، نقدم في هذا التقرير عناصر أساسية تساعد على رسم الصورة بوضوح لنا تعيشه السودان على حرب دامية على مدى عامين.

  • من يقاتل من؟ ولماذ؟

يدور النزاع بين طرفين رئيسيين:

  • القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وهي الجيش النظامي للدولة.
  • قوات الدعم السريع (RSF) بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي»، وهي قوات تشكّلت من ميليشيا الجنجويد، واعترفت بها الدولة رسميًا عام 2013 ضمن منظومة الأمن. اكتسبت هذه القوات نفوذًا اقتصاديًا كبيرًا، خصوصًا في تجارة الذهب.

بدأت الحرب بعد خلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش، لكن جوهر الصراع أعمق من ذلك، إذ يتمحور حول السلطة والثروة والنفوذ في دولة هشّة منذ سقوط نظام عمر البشير عام 2019.

وفي يناير الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن قوات الدعم السريع وحلفاءها ارتكبوا إبادة جماعية في دارفور. كما وُجّهت اتهامات للطرفين بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة.

  • ما دور الأطراف الدولية في الصراع؟

لا يخوض البرهان وحميدتي الحرب بمفردهما، إذ يحظى كلٌّ منهما بدعم من أطراف دولية تسعى لتحقيق مصالح اقتصادية أو استراتيجية في السودان.

تتّهم الحكومة السودانية الإمارات العربية المتحدة بإرسال أسلحة وتمويل إلى قوات الدعم السريع، وهو ما تنفيه أبوظبي. ويُعتقد أن تشاد وبعض دول الساحل تُستخدم ممرات لتهريب السلاح والوقود.

وخلال جلسة مجلس الأمن الدولي، يوم الخميس 30 أكتوبر 2025، قال مندوب السودان لدى الأمم المتحدة: “لا توجد حرب أهلية في السودان، بل هي حرب عدوان تشنّها الإمارات عبر وكيلها الإقليمي، قوات الدعم السريع”.

وأضاف متسائلًا: “كيف يُسمح لممثل دولة تلطخت أيديها بدماء الأبرياء في السودان أن يخاطب هذا المجلس الموقر وكأنها دولة حريصة على السلام؟”. واتهم المندوب الإمارات بـ”ملء سماء السودان بالطائرات والذخيرة وإرسالها إلى من يقتلون النساء والأطفال”.

ويرى مراقبون أن دعم الإمارات لقوات الدعم السريع مرتبط باهتمامها بـمناجم الذهب السودانية، التي تقع أغلبها في مناطق يسيطر عليها حميدتي، إضافة إلى اعتمادها على السودان كمصدر غذاء وزراعة قبل اندلاع الحرب.

أما البرهان، فتشير تقارير إلى أنه تلقى دعمًا عسكريًا من مصر تمثل في طائرات حربية وطيّارين. كما أن روسيا التي كانت تميل في البداية إلى حميدتي، غيّرت موقفها تدريجيًا لتتقارب مع الجيش السوداني بقيادة البرهان.

  • ماذا يحدث الآن على الأرض؟

تحوّلت مناطق واسعة من السودان إلى ساحات قتال مفتوحة. وأصبحت الخرطوم مدينة أشباح، فيما تشهد الفاشر فظائع جماعية بعد أن سيطرت عليها قوات الدعم السريع مؤخرًا، عقب حصار دام 18 شهرًا، منعت خلاله دخول الغذاء والمواد الأساسية لمئات الآلاف من المدنيين.

وأظهرت مقاطع مصوّرة مقاتلين من قوات الدعم السريع وهم ينفذون عمليات إعدام وتعذيب في حق المدنيين بالمدينة. وتشير تقارير إلى دوافع عرقية وراء بعض تلك الجرائم.

وذكرت منظمات طبية وحقوقية سودانية، منها شبكة أطباء السودان، أن قوات الدعم السريع ترتكب عمليات قتل جماعي واعتقالات وتهاجم المستشفيات.

من جانبها، قالت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن أفعال قوات الدعم السريع تشمل إعدامات ميدانية لأشخاص حاولوا الفرار.

كما أشار مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل (HRL) إلى أن صور الأقمار الصناعية وبيانات الاستشعار عن بُعد تؤكد وقوع عمليات قتل جماعي بالفاشر، إذ أظهرت تغيرات في لون الأرض وتجمعات من الأجسام يُرجّح أنها ناجمة عن جثث وبقع دماء.

  • كيف هو الوضع الإنساني؟

المدنيون هم الضحية الأكبر. فقد وثّقت وزارة الصحة السودانية حتى أبريل الماضي مقتل 12 ألف مدني وصلوا إلى المستشفيات، وهو ما يمثل نحو 10% فقط من العدد الكلي للضحايا.

بينما تقول لجنة الإنقاذ الدولية إن إجمالي عدد القتلى بلغ 150 ألف شخص، وهو رقم أعلى بكثير من تقديرات الأمم المتحدة التي تراوحت حول 20 ألفًا.

وأشارت كلية لندن للصحة العامة إلى وفاة أكثر من 61 ألف شخص في الخرطوم وحدها منذ بداية الحرب وحتى يونيو 2024، بزيادة قدرها 50% عن معدل الوفيات قبل الحرب، منهم 26 ألفًا بسبب العنف المباشر.

ومنذ أبريل 2023، نزح 12 مليون شخص داخل السودان، وفرّ 4.3 ملايين آخرون إلى دول الجوار. وتقول الأمم المتحدة إن الوضع في دارفور والخرطوم يقترب من الانهيار الكامل.

وفي الفاشر، نزح أكثر من 26 ألف شخص خلال يومين فقط، معظمهم سيرًا على الأقدام باتجاه مدينة طويلة الواقعة على بُعد 70 كيلومترًا غربًا، بينما لا يزال 177 ألف مدني محاصرين داخل المدينة، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.

ويعاني 1.4 مليون طفل من ظروف المجاعة أو ما يقاربها، ويتوقع أن يعاني 150 ألف طفل في شمال دارفور من سوء تغذية حاد. كما أدى انهيار النظام الصحي إلى حرمان ملايين المدنيين من العلاج واللقاحات.

  • ما آخر التطورات في جهود إنهاء الحرب؟

رغم تعدد الوساطات الدولية، لا تلوح في الأفق أي تهدئة دائمة. فقوات الدعم السريع تسعى لفرض أمر واقع بالسيطرة على دارفور وغرب البلاد، بينما يصرّ الجيش على استعادة هيبة الدولة.

وانضمت الولايات المتحدة مؤخرًا، إلى السعودية ومصر والإمارات في مسار وساطة يُعرف باسم الرباعية، لإطلاق خطة أعلنت في 12 شتنبر الماضي، تدعو إلى وقف لإطلاق النار يتضمن هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر للسماح بدخول المساعدات، يليها وقف دائم لإطلاق النار، ثم انتقال إلى حكم مدني خلال تسعة أشهر.

رفض البرهان الاتفاق في البداية، مطالبًا بحل قوات الدعم السريع، لكنه أبدى مرونة لاحقًا بعد لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 15 أكتوبر الفائت.

وأفادت تقارير بأن ممثلين عن الجيش والدعم السريع عقدوا مفاوضات غير مباشرة في واشنطن الأسبوع الماضي، وكان من المقرر عقد جولة جديدة نهاية أكتوبر 2025، قبل سقوط الفاشر، ما جعل الوضع الراهن غامضًا.

وأدان مجلس الأمن الدولي بشدة الهجوم الذي شنّته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، بينما أعلنت محكمة الجنايات الدولية أنها تتحقق من جرائم محتملة في شمال دارفور.

ودعا مندوب السودان مجلس الأمن إلى إخراج قوات الدعم السريع من الفاشر، وتصنيفها منظمة إرهابية، ومعاقبة مموّليها وداعميها. وقال إن ما يجري في السودان هو إبادة جماعية، وإن مدنيي الفاشر إما أُبيدوا داخلها أو قُتلوا أثناء نزوحهم منها.