بعد تصاعد الدعوات الغربية.. البوليساريو تحت مجهر الإرهاب

في سياق تنامي الدعوات الدولية من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، المطالبة بتصنيف جبهة البوليساريو الانفصالية تنظيما إرهابيا، يُثار التساؤل حول الأسس القانونية والمعايير المعتمدة في القانون الدولي لتصنيف الجماعات المسلحة ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية.
وفي هذا السياق، أوضح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، خالد الشيات، أن “تصنيف المنظمات أو الحركات كإرهابية لا يرتكز على أسس واضحة في القانون الدولي، بل هو أمر غير محسوم، بالنظر إلى غياب تعريف دقيق ومقبول دوليًا لمفهوم الإرهاب”، مرجعا ذلك إلى “تقاطع الظاهرة الإرهابية مع حركات أخرى ذات طبيعة تحررية، والتي يقر القانون الدولي، وخصوصًا ميثاق الأمم المتحدة، بحقها في استخدام العنف في إطار مشروع”.
وأضاف الأستاذ الجامعي في حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، أن العنف المقبول في القانون الدولي يتمثل في حالات ثلاث: “إذا تم وفق قرارات مجلس الأمن، أو من قبل الدول في إطار الدفاع الشرعي عن النفس، أو من قبل حركات تحررية ضد الاستعمار أو الاحتلال”.
لكن الإشكال المطروح، بحسبه، يكمن في “الخط الفاصل بين هذه الحركات وبين الجماعات التي تُتهم بالإرهاب، ما يجعل المسألة مفتوحة على تأويلات متعددة يصعب حسمها بشكل نهائي على المستوى الدولي”.
وأوضح الشيات أن “هذا التعقيد يجعل من تصنيف أي جماعة كتنظيم إرهابي مسألة مرتبطة بالدرجة الأولى بالقرار السيادي للدول”، لافتا إلى أن “دولة معينة قد تصنف جماعة ما على أنها إرهابية، في وقت قد تعتبرها دولة أخرى حركة تحررية مشروعة”، وهو ما يجعل، بحسب الشيات، “التصنيف خاضعا في كثير من الأحيان للرؤية السياسية والمصالح الوطنية الخاصة بكل دولة”.
وأضاف الخبير أن “العبرة في هذا السياق تكمن في طبيعة الأعمال التي تقوم بها الجماعة، وهل تدخل هذه الأعمال ضمن العنف المشروع في إطار حركة تحرر، أم أنها أعمال عنف ممنهجة تستهدف المدنيين وتتسم بطابع إجرامي يخرجها من إطار الشرعية الدولية”، مشددا على أن “هذا هو السؤال المحوري الذي يجب الانطلاق منه في أي محاولة لتصنيف”.
وفيما يخص جبهة “البوليساريو” الانفصالية، أوضح الشيات أن هناك العديد من الدول التي لا تزال تعتبرها “حركة تحررية”، وذلك استنادًا إلى خلفيات سياسية تعود إلى فترة الحرب الباردة، حيث صُنّفت ضمن الجماعات الموالية للمعسكر الشرقي إلى جانب الجزائر، “وهو ما أدى إلى بروز نوع من التعاطف السياسي معها من قبل عدد من الدول آنذاك”.
وفي الوقت ذاته، شدد أستاذ العلاقات الدولية على أن “الجبهة، بدعم من الجزائر، لم تكن في الماضي ولا في الحاضر مدعوة إلى القيام بأفعال تتناقض مع القانون الدولي، وخاصة القانون الدولي الإنساني”، مشيرًا إلى أن “هذه الأفعال شملت، خلال المواجهات المسلحة مع القوات المغربية، ممارسات تندرج ضمن الجرائم ضد الإنسانية، من قتل وتشريد واغتصاب”.
وفي سياق الوضع الحالي، أوضح المتحدث أن “عودة البوليساريو إلى العمل المسلح بدعم جزائري، وشنها لهجمات على مناطق مغربية، يمثل خرقًا صارخًا للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن التي تؤكد على الحل السلمي للنزاع”، موضحا أن “مثل هذه الأفعال يمكن أن ترقى إلى مستوى الأعمال الإرهابية، خاصة حينما تستهدف المدنيين”.
كما أشار إلى أن “قصف مدينة سمارة بالصواريخ، والذي أدى إلى وفاة أحد المدنيين، يدخل ضمن هذا السياق”، موضحا أن “استهداف المناطق المدنية بالأسلحة يعتبر من أشكال العنف المحظورة دوليًا، ويشكل مؤشرًا إضافيًا على إمكانية تصنيف مثل هذه الأفعال كأعمال إرهابية تخالف القانون الدولي”.
ولفت خالد الشيات إلى “وجود احتمال كبير لتشابك البوليساريو مع جماعات إرهابية تنشط في منطقة الساحل، خاصة في ظل علاقات الجزائر ببعض هذه الحركات، مثل تلك الموجودة في شمال مالي”.
وبيّن أن “هذا الترابط قد يعزز الطرح القائل بأن البوليساريو لا تتحرك فقط كحركة “تحررية”، “بل قد تكون جزءًا من شبكة أوسع من الحركات المسلحة غير الدولاتية ذات الطابع الإرهابي، ما يفتح الباب أمام إمكانية تصنيفها كتنظيم إرهابي في عدد من الدول”.
وبعد أيام قليلة من صدور دعوات أمريكية لتصنيف جبهة البوليساريو الانفصالية كتنظيم إرهابي، انضمت أصوات أوروبية إلى هذا التوجه، حيث عبّر كل من ليام فوكس، النائب البريطاني وعضو مجلس العموم ووزير الدفاع الأسبق، وبيير-هنري دومون، النائب الفرنسي السابق، عن الموقف ذاته، وذلك في ظل تزايد التقارير والتحليلات التي تكشف عن الارتباط الوثيق بين الجبهة الانفصالية والنظام الإيراني.
وأعلن النائب الأمريكي جو ويلسون، الذي يعتبر من أبرز الأصوات المؤيدة لمغربية الصحراء في الكونغرس الأمريكي، في 11 أبريل أنه بدأ خطوات تقديم مشروع قانون يصنف الجبهة كتنظيم إرهابي، حيث يرى أن استمرار تساهل الغرب مع الجبهة يشكل تهديداً مباشراً للمصالح الأمنية الأمريكية.
وفي 18 أبريل، عاد جو ويلسون للتأكيد على موقفه من جديد عبر حسابه على “إكس”، حيث شدد على ضرورة تصنيف البوليساريو كـ”جماعة إرهابية أجنبية” من قبل الإدارة الأمريكية، مؤكداً أن “ترامب سيتكفل بالأمر”، وذلك تعليقاً على تقرير حديث صادر عن معهد “Hudson Institute” حول نشاط الجبهة وعلاقاتها.
وكانت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية قد كشفت أن “إيران قامت طوال السنوات الماضية بتدريب مجموعة واسعة من الجماعات المسلحة لتوسيع نفوذها الإقليمي”، مشيرة إلى أن “من ضمنها مقاتلين من جبهة البوليساريو التي تتخذ من الجزائر مقراً لها”.
وأشارت الصحيفة في تقرير حديث لها، إلى أن “جبهة البوليساريو هي جماعة مسلحة، وأن عددا من عناصرها محتجزون حاليا من لدن قوات الأمن السورية الجديدة”.