بدأت منذ 2023.. القضاء الإسباني يرفع السرية عن تحقيقات نفق سبتة

رفع القضاء الإسباني السرية عما عُرِف في وسائل الإعلام بعملية “هاديس”، التي تم العثور ضمنها على نفق سري لتهريب المخدرات يمتد حوالي 50 متراً تحت الأرض، يربط بين منطقة صناعية في سبتة المحتلة والجانب المغربي.
وشارك في العملية الأمنية، التي رفعت المحكمة الوطنية السرية عنها، كل من الحرس المدني في مجال مكافحة تهريب المخدرات، ووحدات الشؤون الداخلية، ووحدة الجرائم المنظمة (UCO)، ومركز التحليل والاستخبارات الإقليمي ضد المخدرات (CRAIN)، قبل انضمام السلطات المغربية بطلب إسباني عقب اكتشاف النفق.
وتعود تفاصيل القضية، إلى 31 يناير 2025، حين ألقت عناصر الشؤون الداخلية الإسبانية القبض على النائب في مجلس المدينة محمد علي داوس، قبل أن يصدر الأمر بحبسه احتياطياً إلى جانب 7 معتقلين آخرين، من بينهم اثنان من عناصر الحرس المدني العاملين في وحدة الجمارك، ووحدة مراقبة الحدود.
وبدأت الشؤون الداخلية تحقيقاتها في عام 2023، وفقاً لصحيفة “إل فارو”، إثر ظهور دلائل على نشاط منظمة إجرامية تعمل في تهريب المخدرات، وترتكب جرائم أخرى كالرشوة وكشف أسرار الدولة. وذلك بعدما زود مركز التحليل والاستخبارات الإقليمي المحققين بمعلومات تم التحقق منها لاحقاً بالتعاون مع وحدة الجرائم المنظمة.
وكشفت التحقيقات عن شبكة منظمة متمركزة في سبتة المحتلة، ولها امتدادات في المغرب والبر الإسباني. في حين أكد الحرس المدني أن هناك عناصر من جهازه متورطة في الملف.
وأوضحت الصحيفة ذاته أن ما لا يقل عن ثلاثة عملاء سريين عملوا بهويات مزورة، تسللوا منذ وقت طويل داخل الشبكة الإجرامية بهدف جمع معلومات وأدلة أدت إلى سلسلة الاعتقالات بين يناير وأبريل من هذا العام.
وإلى جانب العنصرين المحتجزين من الحرس المدني، هناك عنصران آخران يخضعان للتحقيق دون اعتقال، وآخرهم تم استجوابه قبل بضعة أسابيع.
واعتمدت التحقيقات على أجهزة تعقب GPS، مراقبة مستمرة، وتسجيلات صوتية في السيارات ومحيطها، “وهو ما تطلب مستوى عالٍ من التحصين والتكتم”. إذ أن التحقيق الروتيني “كان مستحيلاً بسبب تورط عناصر من داخل الجسم الأمني، بالإضافة إلى مجرمين محترفين يتواصلون عبر تطبيقات مشفرة”.
وبحسب التحقيقات “كانت البضائع تُهرب من المغرب وتُخفى في شاحنات كبيرة عبر موانئ سبتة والجزيرة الخضراء، باستخدام مستودعات لإخفاء الكميات وإعداد الشاحنات بأرضيات مزدوجة”.
وفي هذا السياق، تم في يونيو 2023، القبض على سائق شاحنة من سبتة بحوزته 1,977 كجم من الحشيش، وهو ما أطلق جرس الإنذار الذي قاد لاحقاً إلى عملية “هاديس”.
وفي عام 2024، “ساهم العملاء السريون الثلاثة والمراقبة التقنية في إحراز تقدم كبير”، ما أسفر عن تأكيد وجود “بنية فاسدة” تضم عملاء أمنيين يسهلون تهريب المخدرات، وأدت هذه الأدلة إلى سلسلة من الاعتقالات في سبتة والبر الرئيسي في 30 و31 يناير الماضي، بعد ضبط شاحنة محملة بـ 2 طن من الحشيش في مستودع ببلدة مالقة.
وتورط في الشبكة نحو عشرين شخصاً، بينهم النائب الإسباني محمد علي دواس، وشقيقه وابن أخيه. إذ تابع الحرس المدني تحركاتهم، معتبراً أن الشبكة كانت تسيطر على تهريب الحشيش من سبتة إلى إسبانيا، مع نية التوسع إلى السوق الأوروبية.
كما كانوا قد اشتروا “أمنًا”، يتمثل في ضباط فاسدين في الحرس المدني الإسباني. وتم تسجيل حديث عن ضرورة دفع مبلغ 20,000 يورو لتأمين مرور الشحنة.
أما بخصوص الجانب المغربي، فقد أظهرت إحدى المحادثات المسجلة، حديثاً عن الصعوبات في التنسيق مع الجمارك المغربية، إذ يقول أحد المهربين للمخدرات: “المغرب أصبح يضغط بشكل كبير، ولم نعد نحصل على أكثر من فرصة واحدة في الشهر للعبور، وذلك بسبب وجود الكلاب البوليسية”. وهو ما قالت الصحيفة الإسبانية إنه اتهام عناصر في الجمارك المغربية أيضاً.
وتتضمن التحقيقات كذلك لقاء جرى في 8 دجنبر 2024، بين دواس وأقاربه، للحديث عن دفع 10,000 يورو لشراء ولاء عناصر أمنية، حيث تكفل دواس وشقيقه كل منهما بنصف المبلغ. وتُشير التقارير إلى أن دواس شارك في عملية نقل 1,397 كجم من الحشيش تم ضبطها في مالقة في 29 يناير 2025، وكان له دور أساسي في دفع تكاليف العملية.
وبحسب الحرس المدني فإنه كان “مدركاً تماماً” لما يقوم به، وأن أفعاله تتطابق مع “نمط السلوك الإجرامي”، حيث يُتهم بجرائم تتعلق بالصحة العامة، والرشوة، والانتماء إلى منظمة إجرامية.
وفي المرحلة الأولى من العملية الأمنية، تم توقيف 9 أشخاص، من ضمنهم اثنان من الحرس المدني. كما تم التحقيق مع ضابط عاشر دون توقيفه. وقد نفى جميع عناصر الأمن المتورطين أية علاقة بالتهريب، مشددين على أن مصدر أموالهم هو وظائفهم أو هواياتهم، وفقاً للصحيفة ذاتها.
وبلغت العملية ذروتها الإعلامية بعد اكتشاف نفق تهريب المخدرات يبن المغرب وسبتة المحتلة، وربها بقضايا شهيرة مثل ضبط أكثر من 3 أطنان من الحشيش مخبأة بين حيوانات نافقة في دجنبر 2023 بميناء الجزيرة الخضراء.
وتشير التحقيقات إلى أن المنظمة الإجرامية مقرها سبتة، لكنها تمتد إلى إشبيلية. بحيث أنه تم توقيف 5 أشخاص إضافيين، في 11 فبراير، مع 4 آخرين خاضعوا للتحقيق دون اعتقال. وقبل أسبوعين فقط، تم توقيف رجل آخر، واستدعاء عنصر آخر من الحرس المدني للتحقيق.
وتُظهر التحقيقات وجود شبكتين تعملان بالتوازي، غالبيتهما قيد السجن الاحتياطي، مع استمرار البحث عن مشتبه بهم فارين.
وكانت السلطات الإسبانية قد عثرت على النفق، في 19 فبراير الماضي، بعد شبهات طالت مستودعات في منطقة “تراخال” قرب الحدود المغربية. وتشير التحريات إلى أن النفق بُني بعد 2022، على مقربة من الحدود. وقد تطلب الأمر تأمين الموقع بأكمله، واستخدام رادارات أرضية وكاميرات تحت الأرض لتحديد مسار النفق، الذي تبين أنه يعبر الحدود فعلياً.
وكان مدخل النفق مخفياً خلف باب معدني تُرك فوقه منصات وصناديق من الأنقاض، كما ضم شبكة كهرباء للإنارة وأنابيب لصرف المياه المتسربة. وفي نهاية النفق، عُثر على بقايا أكياس زرقاء وسوداء تستخدم عادة لتغليف الحشيش، كما تم العثور في الطابق العلوي من المخزن على ملابس غطس وملابس داخلية مبللة ومغطاة بالرمل، ما يشير إلى أن النفق كان قيد الاستخدام حتى وقت قريب.
وخلال عملية التفتيش، اندلع حريق في الجانب المغربي بفعل حرق أعشاب، مما أدى إلى تسرب الدخان إلى النفق بالكامل، وهو ما أكد الربط بين الجانبين.
وكانت آخر محاولة لتفتيش النفق من طرف الجانب الإسباني، في 5 مارس الماضي، لكنها توقفت بسبب كتل من الخرسانة والحجارة أغلقت الطريق، وهو ما دفع القضاء الإسباني إلى طلب تعاون رسمي من المغرب، الذي أوفد قوات أمنية من مختلف الوحدات إلى عين المكان، وتم تأكيد وجود النفق من الجانب المغربي.