النموذج الإسباني هو الأقرب.. محللون يستشرفون شكل الحكم الذاتي في المغرب
بعد القرار الأممي الأخير الداعم لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، دخل الملف مرحلة جديدة عنوانها الانتقال من الدفاع عن المقترح، إلى التساؤل حول شكل الحكم الذاتي الذي يمكن أن تعتمده المملكة، وأي النماذج المقارنة الأقرب للصيغة التي قدمها المغرب سنة 2007، وذلك بالشكل الذي يمنح إقليم الصحراء صلاحيات واسعة في التدبير المحلي والتنمية، ويحافظ على وحدة الدولة وسيادتها واختصاصاتها الحصرية في مجالات الدفاع والخارجية والرموز السيادية.
النموذج الإسباني هو الأقرب
في هذا السياق، يرى سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن النموذج الأقرب للمبادرة المغربية للحكم الذاتي هو النموذج الإسباني، وذلك لعدة اعتبارات أولها أنه نموذج يقوم على حكم ذاتي تفاوضي بين الجهة والدولة المركزية في إطار دولة موحدة، ويتيح توزيع الصلاحيات دون المساس بوحدة الدولة وسيادتها الوطنية.
كما يشرح الصديقي في حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، أنّ النموذج الإسباني يوازن بين الاعتراف بخصوصية الجهات والحفاظ على وحدة الدولة، إذ يضم مؤسسات محلية منتخبة تتمتع بصلاحيات واسعة، بينما تبقى الاختصاصات السيادية بيد الحكومة المركزية مثل الدفاع والخارجية.
وإلى جانب ذلك، لفت الصديقي أن الدستور الإسباني يسمح بما يسمى الحكم الذاتي غير المتماثل، أي منح جهات معينة صلاحيات أوسع من غيرها، وهذا الإطار، وفق رأيه، يتيح للمغرب التفكير في صيغة مرنة للحكم الذاتي بالصحراء، تختلف عن باقي الجهات المغربية بحسب الحاجة والخصوصيات.
ويرى أن المغرب يمكنه، استلهاماً من التجربة الإسبانية، ألا يحصر الحكم الذاتي في جهة واحدة فقط، إذ يمكن للدستور المغربي، وفق هذا المنطق، أن يسمح بمنح حكم ذاتي متفاوت الصلاحيات لجهات أخرى في المملكة، بحيث يظل المعيار هو التفاوض بين الجهة والدولة المركزية حول الصلاحيات.
وبحسب المتحدث، فإن هذا النموذج يضمن بقاء الدولة المغربية دولة بسيطة بمؤسسات مركزية قوية، مع توسيع صلاحيات الجهات ذات الخصوصية السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية، وهو ما ينسجم مع مبادئ المبادرة المغربية للحكم الذاتي كما قدمت للأمم المتحدة سنة 2007.
ويؤكد الصديقي كذلك أن إسبانيا ليست وحدها النموذج المقارن، فهناك نماذج مثل ألمانيا وبلجيكا، لكن هذه الدول فيدرالية.
نموذج مغربي للحكم الذاتي
من جانبه، أوضح الوزير السابق والباحث المتخصص في قضايا الصحراء مصطفى الخلفي، أن “المغرب مطالب ببلورة نموذج مغربي للحكم الذاتي، يستوعب ما ينبغي استيعابه، لأن التجارب الدولية تُظهر أنه لا يوجد نموذج يشبه الآخر وكل تجربة لها إشكالاتها”.
وقال وزير الاتصال السابق، إن “مبادرة الحكم الذاتي تواجه ثلاث إشكاليات كبرى في تحديد مفهوم الحكم الذاتي، بحيث ترتبط الإشكالية السياسية بطريقة تقاسم أو مشاركة السلطة، والإشكالية الاقتصادية، ثم البعد الثقافي”، كما لفت إلى أن “المغرب يتعامل مع معطى واقعي يتمثل في وجود جبهة انفصالية مسلحة شئنا أم أبينا، وهو أحد التحديات التي يجب أخذها بعين الاعتبار”.
ومن جانب آخر، أشار الخلفي إلى أن الدستور المغربي لسنة 2011، إضافة إلى النموذج التنموي لسنة 2015 وانتخابات الجهات، “جعلت عددا من مقتضيات الحكم الذاتي تتجسد فعليا على الأرض”، موضحا أن “الدستور متقدم على مقترح الحكم الذاتي في قضية الهوية، والقانون التنظيمي للجهات يتضمن أمورا كانت مطروحة أصلا ضمن تصور الحكم الذاتي”.
وفي مقابل ذلك، نبه المتحدث، إلى وجود بعض الإشكاليات التي يفتحها القرار الأممي الجديد، والتي لم تناقش بعد، “ومن ضمنها علاقة الوحدويين بالانفصاليين، موضوع الأحزاب الجهوية، ثم قضية عودة الساكنة وإحصاء سكان المخيمات”، مبرزا أن “عدم التنصيص على الإحصاء يمثل نقطة ضعف في هذا القرار”.
أما بخصوص الإشكال الرابع الذي يطرحه القرار، فقد أوضح مصطفى الخلفي أن “التجارب الدولية أثبثت أن أي مشروع للحكم الذاتي لن ينجح إلا إذا كان واضحا ما الذي سيُقدَّم للمنطقة اقتصادياً”، مبرزا في هذا الإطار أن “الحل لا يمكن تصوّره في غياب مشروع مغاربي، وأنه من الضروري إحياء منطق اتفاق 1972 بين المغرب والجزائر حول التعاون الاقتصادي”.
نسخة تستحضر القانون الدولي
ومن جهة أخرى، قال إسماعيل حمودي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة فاس، إن التفكير في الحكم الذاتي بالمغرب مختلف تماماً عن التجارب الأوروبية، إذ أن الحكم الذاتي في أوروبا جاء كمطلب داخلي، بينما القضية المغربية مدرجة ضمن لجنة الأمم المتحدة الرابعة وتتعامل معها أطراف دولية متعددة.
وأوضح حمودي أن المغرب مطالب بصياغة نسخة مغربية للحكم الذاتي تستحضر القانون الدولي، لأن النزاع مرتبط بتطور النظام الدولي، وليس مجرد مسألة داخلية.
وأبرز أن مجلس الأمن وضع في حالات مثل كوسوفو وقبرص قيوداً مختلفة على تقرير المصير، ففي كوسوفو سمح بالحكم الذاتي كمحطة نحو احتمال الاستقلال، بينما منع الانفصال في قبرص، وهذا يبين، وفق حمودي، أن القانون الدولي قابل للتكييف وفق الظروف والممارسات المعاصرة للمجلس.
ويؤكد حمودي أن قوة القرار الأممي الأخير تكمن في أنه يسمح للمغرب بالمضي في حل الحكم الذاتي مع الحفاظ على السيادة، ويضمن في الوقت ذاته حق تقرير المصير للسكان المحليين ضمن إطار توافقي، مؤكدا أن استثمار الممارسات المعاصرة لمجلس الأمن يمنح المغرب مرونة استراتيجية لحسم الملف على المدى المتوسط.