story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
اقتصاد |

المكتب الشريف للفوسفاط.. مفاعل تخصيب مصالح المغرب

ص ص

عاد النقاش مجددا حول مجموعة “المكتب الشريف للفوسفاط”(OCP)، بعد أن أعلن مؤخرا عن رجة مالية كبرى في السوق الدولية، تمثلت في جمع سندات بقيمة ملياري دولار (20 مليار درهم)، في أكبر صفقة ديون في تاريخ المكتب.

يأتي ذلك بينما تسربت معلومات من داخل المجموعة تفيد بأنها تعتزم بيع مزيد من السندات بقيمة 5 إلى 7 ملايير دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة. وهي خطوات تندرج، حسب ما أعلن، في سياق البحث عن تمويل المكتب لبرنامجه الاستثماري المعلن عنه في دجنبر 2022، ويغطي الفترة ما بين 2023 و2027 بقيمة تفوق 130 مليار درهم (13 مليار دولار).
ففي نهاية 2022 أعلن المكتب الشريف للفوسفاط عن برنامجه الاستثماري المذكور، ووقّع مع الحكومة مذكرة التفاهم بحضور الملك محمد السادس حول خطوات تنفيذ البرنامج.

وأعلن حينها عن أهداف عامة تتمثل في سعي المكتب إلى زيادة الإنتاج بالاعتماد على الطاقة الخضراء، وتحقيق الحياد الكربوني قبل 2040، وتوفير 25 ألف فرص شغل، والرفع من القدرة الإنتاجية للمجموعة إلى 20 مليون طن بحلول 2027 بدل 15 مليون طن حاليا، علاوة على إنتاج الأمونياك الأخضر المستعمل في إنتاج الفوسفاط بحوالي مليون طن سنويا في أفق ثلاثة ملايين في 2032. ضمن مشاريع ستشارك في تنفيذها 600 مقاولة صناعية مغربية.

ربط الديون (في صيغة سندات) بالبرامج الاستثمارية للمقاولات العمومية المغربية، سبق وأن أثار انتقادات من لدن الملك محمد السادس في المجلس الوزاري لشهر أكتوبر 2018، حين وجه الملك أسئلة لوزير الاقتصاد والمالية حينها، محمد بنشعبون، حول قضيتين بحسب بلاغ للديوان الملكي حينئذ: الأولى تتعلق بالتدابير التي ستتخذها الحكومة من أجل وفاء عدد من المؤسسات والمقاولات العمومية بالتزاماتها وأداء ما تراكم بذمتها من ديون ومتأخرات؛ في حين تتعلق القضية الثانية بكيفية تسديد متأخرات الديون المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة.

لكن مثل هذه التساؤلات تكاد تغيب عن النقاش الإعلامي والسياسي وحتى الاقتصادي في المغرب، ما يجعل أعمال المكتب وكأنها غامضة أو تفتقر للشفافية والوضوح. وضع لافت في السياق المغربي، قد تفسره المكانة الاستراتيجية للمجموعة، التي تعد أقوى مقاولة مغربية، ذات بعد وطني ودولي، كونها أول مصدر للفوسفاط ومشتقاته على الصعيد العالمي، ما يجعل منها فاعلا مركزيا في مجال الأمن الغذائي العالمي، وتعيش بالتالي في صراع يومي وحاد مع المنافسين الكبار في السوق الدولية للفوسفاط.

أدوار تتجاوز وضعها باعتبارها مقاولة اقتصادية واستثمارية إلى أدوار استراتيجية لفائدة الدولة المغربية في الداخل والخارج.
فما سياق الرجات المالية الأخيرة التي قامت بها المجموعة؟ وما الأدوار التي تضطلع بها في السياق الوطني والدولي؟

مسار التحول نحو الطاقة الخضراء

منذ تحولها من مؤسسة مملوكة للدولة إلى شركة مساهمة سنة 2008، تطور أداء المكتب الشريف للفوسفاط بصورة مغايرة تماما. فقد تزامن قرار التحويل مع تحولات عالمية عرفها سوق الفوسفاط، تمثلت أساسا في بروز فاعلين جديد (الصين، الهند، السعودية…)، ما أدى إلى احتداد المنافسة العالمية.

رهانات ضغطت على المكتب من أجل تغيير استراتيجيته، لا ليحافظ المكتب على حصته من سوق الفوسفاط في العالم (30 في المائة) فقط، بل تعزيز قدراته على المنافسة والولوج إلى أسواق جديدة، وملاءمة أدواته وأذرعه التجارية مع التغيرات السريعة التي يشهدها سوق الفوسفاط. وقد دفعه ذلك إلى تبنى سياسة تجارية هجومية، ارتكزت على تنويع الأسواق، عبر فتح تمثيليات تجارية له في أزيد من 80 دولة تمتد عبر القارات الخمس، وكذا عبر تأسيس شركات تابعة له، من أجل تعزيز قدراته على المنافسة.

خلال مسيرة المكتب، بوصفه شركة مساهمة، يمكن الحديث عن استراتيجيتين: الأولى عبر عنها مخطط التنمية الشامل للفترة ما بين 2010 و2020، بغلاف إجمالي قدره 114 مليار درهم. كان الهدف منه تعزيز المكانة العالمية للمجموعة من حيث الطاقة الإنتاجية لجميع المنتجات من خلال سياسة تعتمد على الزيادة في القدرة الإنتاجية عن طريق الاستثمارات الذاتية والاستثمار الخارجي المباشر، بغية الاستفادة من النمو المستقبلي للسوق. إلى جانب دعم دوره الريادي في مجال الإنتاج وتحقيق أداء تقني أمثل للمعدات الصناعية وإرساء ثقافة تسعى إلى تحسين دائم للأداء على صعيد مستويات المقاولة. وإطلاق مشاريع كبرى للتنمية.

استراتيجية سعت إلى رفع القدرة الإنتاجية من الفوسفاط الخام من 28 مليون طن إلى 50 مليون طن. وخفض تكلفة الطن الواحد. وتثمين مستمر للفوسفاط الخام وذلك بالرفع من إنتاج الأسمدة من 4 إلى 10 مليون طن، منها 3 إلى 8 طن بواسطة الاستثمارات الخارجية المباشرة عبر مشاريع من قبيل: مشروع تحويل الجرف الأصفر إلى قطب كيميائي دولي للفوسفاط، من خلال استقبال 10 مستثمرين دوليين، ابتداء من 2012، ورفع قدرة الاستخراج بإضافة 20 مليون طن، وإنجاز أربعة خطوط للغسل بقدرة 44 مليون طن، وإنجاز مشروع النقل عبر أنبوب مائي بين خريبكة والجرف الأصفر على مسافة 235 كلمتر، وتحلية مياه البحر بالجرف الأصفر لتغطية حاجيات المركب التي ستبلغ 25 مليون متر مكعب في سنة 2015 و75 مليون متر مكعب في أفق 2020. وتزويد المغرب الأوسط بالمياه انطلاقا من سد آيت مسعود في اتجاه خريبكة…

ووفق بعض المعطيات المتاحة التي يوفرها المكتب، فإن المجموعة حققت أهدافها من الرفع من قدرات الإنتاج من 4 ملايين طن إلى 12 مليون طن مما جعل المغرب رائدا عالميا في مجال الأسمدة. كما شاركت في تنفيذ برنامجها أكثر من 400 مقاولة صناعية مغربية بإجمالي 8400 منصب شغل مباشر وغير مباشر. وترسيخ مكانتها بقوة في سوق الأسمدة وجعل منها واحدة من المنتجين والمصدرين الرائدين في الأسمدة الفوسفاطية على الصعيد العالمي، حيث انتقل رقم معاملاتها من 2,5 مليار دولار سنة 2005 إلى 9،4 مليار دولار سنة 2021.‬

الاستراتيجية الثانية عبر عنها البرنامج الاستثماري للفترة ما بين 2023-2027، وهو برنامج بغلاف مالي قدره 130 مليار درهم. يتزامن طرحه مع تحولات جيوسياسية عميقة في النظام الدولي، تتيح فرصا جيدة مثل تركيز الصين على الاستجابة لحاجياتها الوطنية من الفوسفاط، ما أتاح للمغرب الولوج إلى السوق الهندية مثلا، علاوة على الحرب الروسية الأوكرانية التي شكلت فرصة أخرى للمغرب لتعويض روسيا في عدة أسواق (أوربا الغربية أساسا).

وتتزامن هذه التحولات الجيوسياسية مع سعي المغرب نحو تسريع الانتقال الطاقي من خلال الاستجابة لتحديات التغير المناخي، وتحصين سيادته المائية والطاقية والغذائية والصحية.

في هذا السياق، تؤكد وثائق المكتب أن البرنامج يندرج في مجال الانتقال الطاقي وتطوير الطاقات المتجددة. ويهدف بدوره إلى الرفع من قدرات إنتاج الأسمدة مع الالتزام بتحقيق الحياد الكربوني قبل سنة 2040، من خلال الاعتماد على الإمكانات الفريدة للطاقات المتجددة.

كما يسعى المكتب إلى الرفع من قدرات الإنتاج من 12 مليون طن من الأسمدة حاليا إلى 20 مليون طن سنة 2027. ومن المتوقع أن تزيد في القدرات المنجمية من خلال افتتاح منجم جديد بمسقالة، وكذا إنشاء مركب كيماوي جديد لمعالجة الصخور الفوسفاطية لمنجم ابن جرير واليوسفية إضافة إلى منجم جديد بمسقالة. ومن المنتظر أن يمكّن هذا البرنامج من تحقيق نسبة إدماج محلي تصل إلى 70 في المائة، ومواكبة 600 مقاولة صناعية مغربية، إضافة إلى خلق 25 ألف منصب شغل مباشر وغير مباشر.

ومن خلال الاستثمار في الطاقة الشمسية والريحية، يسعى المكتب إلى تزويد جميع منشآته الصناعية بالطاقة الخضراء في أفق 2027، والتي ستمكن من تزويد القدرات الجديدة لتحلية مياه البحر من أجل تلبية احتياجات المجموعة وتزويد المناطق المجاورة لمواقعه بالمياه الصالحة للشرب ومياه الري.

كما سيمكن هذا الاستثمار من تحقيق الاستقلالية في مجال التزويد بالأمونياك الأخضر والطاقات المتجددة وولوج المجموعة بقوة إلى سوق الأسمدة الخضراء وحلول التسميد الملائمة للاحتياجات الخاصة لمختلف أنواع التربة والزراعات. وهي أهداف تندرج أيضا ضمن تعزيز وتقوية المنظومة الصناعية الوطنية من خلال برامج دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة الصناعية، وكذا المقاولات العاملة في قطاع الطاقة والفلاحة.

وينتظر أن تفضي هذه الاستثمارات في سلسلة الطاقات المتجددة – الهيدروجين الأخضر – الأمونياك الأخضر، إلى إنجاز تحول جوهري في عمل المكتب، أي الولوج إلى سوق الأسمدة الخضراء الصديقة للبيئة، وابتكار حلول التسميد الملائمة للاحتياجات الخاصة لمختلف أنواع التربة والزراعات، وبالتالي ترسيخ مكانته العالمية كمقاولة مسؤولة ومبتكرة، منخرطة في تعزيز الأمن الغذائي العالمي، ومقاومة تداعيات التغير المناخي في العالم، وبالتالي في إرساء أسس السلم والأمن الدوليين.

وتفيد المعطيات الرسمية الصادرة أن المكتب قد نجح في تحقيق الأهداف التي سطرها، خصوصا بالنسبة للأهداف المعلن عنها في استراتيجية 2010- 2020. لكن انعكاس كل ذلك على مساهمته في الميزانية العامة للدولة يظل دون تغيير جوهري، إذ لا تتجاوز مساهمة المكتب في الميزانية السنوية 6 إلى 8 ملايير درهم سنويا، حسب تقلب أسعار السوق.

ففي 2022 مثلا، ضخ المكتب 6,5 مليار درهم، وفي 2023 ارتفعت مساهمة في المكتب إلى 7,4 مليار درهم. وهي مساهمات أقل بالمقارنة مع إيرادات الخزينة من قطاعات أخرى مثل صناعة السيارات مثلا.

لقراءة الملف كاملا، يمكنكم اقتناء مجلة “لسان المغرب” بالضغط على الرابط