المعرض الدولي للكتاب.. بين ألق الثقافة وتحديات التنظيم

يعد المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط واحدًا من أبرز الفعاليات الثقافية التي تجذب الأنظار في المغرب والعالم العربي، حيث يشكل منصة فريدة لتبادل المعرفة، والترويج للقراءة، والاحتفاء بالثقافة، وفرصة لتعليق الأمل على استعادة المغاربة لشغفهم بالكتاب.
ورغم الإشادة العامة بالتطور الذي شهدته الدورة الثلاثين من المعرض، من حيث التنظيم والبنية التحتية، فقد أثار عدد من المشاركين والمراقبين بعض الانتقادات، سواء من حيث التحديات اللوجيستية، بالإضافة إلى التباين الكبير في توزيع المساحات بين دور النشر والمؤسسات الرسمية، ما طرح تساؤلات حول هوية المعرض ووجهته الثقافية.
وبينما عبّر العديد من الناشرين والكتاب عن ارتياحهم لتحسن التنظيم والبرنامج الثقافي الغني، أبدى آخرون أسفهم لغياب بعض الأسماء بسبب العوائق الاقتصادية والتنظيمية، مشيرين إلى ضرورة إعادة النظر في بعض القرارات التي قد تؤثر سلبًا على الحدث.
وتعليقا على الموضوع، انتقد الكاتب والناشط الحقوقي أحمد عصيد تخصيص مساحات واسعة لبعض المؤسسات الرسمية على حساب دور النشر خلال فعاليات الدورة الحالية من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، معتبرا ذلك مفارقة تفرغ التظاهرة من روحها الأساسية، والمتمثلة في الاحتفاء بالكتاب والمبدعين والناشرين.
“ليس معرضا للمؤسسات”
وقال عصيد في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” إن “المعرض في جوهره ليس معرضًا للمؤسسات، وإن كانت بعض المؤسسات تصدر كتبًا، فإنها ليست دور نشر بالمعنى الحقيقي، وبالتالي من غير المنطقي أن تُمنح هذه المؤسسات أروقة كبرى، في حين تُهمَّش دور نشر عريقة لها باع طويل في خدمة الثقافة والفكر والإبداع”.
وأضاف المتحدث ذاته، أنه “من غير المعقول أن نرى ناشرين حقيقيين، يمتلكون تاريخًا طويلاً وإنتاجًا فكريًا وأدبيًا زاخرًا، يُمنحون أروقة ضيقة لا تليق بقيمتهم ولا بحجم منشوراتهم، في وقت تحظى فيه بعض المؤسسات غير المعروفة حتى بإصدارات تُذكر، بمساحات شاسعة داخل المعرض”.
وفي هذا السياق، شدد عصيد على أن “حضور المؤسسات الرسمية أمر محمود، لكن ينبغي أن يُخصص لها رواق بسيط يضم موظفًا أو موظفة يُعرفون بمؤسساتهم من خلال منشورات تعريفية”، مؤكدًا أن “المساحات الكبرى يجب أن تكون حكرًا على الناشرين والمبدعين الذين يمثلون روح المعرض وهدفه الأسمى”.
وأشار إلى أن المعرض ينبغي أن يكون أداة لاستعادة “العلاقة المفقودة” بين المغاربة والقراءة، لافتًا إلى أن “نسبة المقروئية في البلاد لا تزال متدنية، والناس باتوا ينفرون من الكتاب”، وهو أمر يُعزى حسب المتحدث إلى النظام التعليمي الذي “يفتقر إلى الجاذبية ولا يُحفز على حب المعرفة أو القراءة الحرة، عكس المدرسة القديمة التي كانت تُغرس فيها بذور الشغف بالكتب والمعرفة”.
وخلص عصيد إلى أن دورة هذه السنة من المعرض تعرف بعض المستجدات الإيجابية، خاصة على مستوى الإصدارات الشبابية في ميادين الإبداع والفكر، إلى جانب الانتعاش الملحوظ في الكتب المرتبطة بالتحولات المجتمعية والتقنية، والمجال الرقمي على وجه الخصوص، داعيًا إلى تعزيز هذا التوجه وتوفير مناخ أفضل “للناشرين الحقيقيين”.
“هفوات يجب تداركها“
من جانبه عبّر الكاتب المغربي عبد المجيد سباطة عن ارتياحه لمستوى التنظيم الذي شهدته دورة هذه السنة من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، معتبرًا أن التحسن الملحوظ في البنية العامة وتدبير الفضاء “يرقى إلى ما نشهده في كبرى المعارض العربية والدولية”.
وأكد سباطة أن “حسن التنظيم لا يعني غياب المشاكل”، مشيرًا إلى بعض الإشكالات اللوجيستية التي “أثّرت على سير المعرض، خاصة منها تأخر وصول الشحنات الخاصة بعدد من دور النشر، وخصوصًا المصرية منها”.
واعتبر أنه “من غير المقبول أن ينطلق المعرض يوم الجمعة، بينما تظل بعض الدور تنتظر شحناتها إلى حدود الثلاثاء أو الأربعاء، ما أدى إلى ظهور أجنحة فارغة في الأيام الأولى، ووضع الناشرين تحت ضغط كبير”.
ورغم ذلك، ثمّن سباطة الجهود المبذولة من قبل المنظمين، مشيرًا إلى أن هذه الإشكالات “لا تقلل من القيمة التنظيمية العامة، لكنها تظل نقاط ضعف ينبغي التعامل معها بجدية في المستقبل”.
ومن جانب آخر، أشار الكاتب إلى أن القارئ العادي “لا يعي خلفيات هذه المشاكل، لكنه يلمس أثرها عندما يتعذر عليه العثور على كتاب ما في جناح ناشره، مما يترك انطباعًا سلبيًا حول التنظيم”.
وفيما يخص الإقبال على المعرض، رأى سباطة أن هذه التظاهرة الثقافية تكشف كل سنة “زيف الفرضيات” التي تعتبر أن المغاربة لا يقرؤون، قائلاً: “المعرض يُفند بشكل واضح تلك الإحصائيات المتشائمة التي تتحدث عن دقائق معدودة للقراءة سنويًا، ويؤكد أن هناك جمهورًا متعطشًا للكتب، وإن لم نصل بعد إلى مجتمع قارئ بالمفهوم المتكامل”.
وأبدى الكاتب إعجابه الكبير بالحضور المكثف للأجيال الجديدة، لاسيما الشباب المولودين بعد سنة 2000، الذين قال عنهم: “كنا نظن أنهم أسرى الشاشات والهواتف الذكية، لكننا فوجئنا بفضولهم وأسئلتهم واهتمامهم الحقيقي بالقراءة، بغض النظر عن نوعية الكتب التي يختارونها”.
على أمل أن تصل الشحنة
وأثناء تجوال صحيفة “صوت المغرب”، عاينت الصحيفة رواقا أغلب رفوفه فارغة، قبل أن يقول لنا هاني عبد الله، مؤسس ومدير دار الرواق للنشر بالقاهرة، إن شحنة الكتب الخاصة بالرواق لم تصل بعد، متمنيا أن تصل كامل كتبهم في أقرب وقت حتى يتمكن من التفاعل بشكل أفضل مع الجمهور.
وأوضح عبد الله، أن الوصول إلى المعرض والمشاركة فيه “كانا سلسين”، مشيدًا بحُسن التنظيم والتسهيلات المقدمة للعارضين، مضيفا : “أنا سعيد جدًا بالمشاركة في هذا المعرض، وباللقاء المتجدد مع القارئ المغربي، الذي لمسنا منه اهتمامًا واضحًا بالإصدارات المصرية”.
وفي ما يتعلق بتكلفة الإيجار والمساحة المخصصة للدار، أشار المتحدث إلى أنها “مناسبة جدًا، بل تُعتبر أقل بكثير مما هو معمول به في معارض عربية أخرى، وهو ما يشجع الناشرين على الحضور والمشاركة”.
وعن الإقبال الجماهيري، عبّر عبد الله عن إعجابه بكثافة الزوار، لكنه أوضح أن التقييم العام لمشاركة الرواق للنشر يظل منقوصًا بسبب تأخر وصول الشحنة الكاملة من الكتب، نتيجة “ظروف خارجة عن إرادتهم وإرادة إدارة المعرض”، مبرزا أن “شركة الشحن لم تتمكن من إيصال الكتب في الوقت المناسب، مما اضطرنا إلى الاكتفاء بعينات محدودة فقط من الإصدارات”.
وأكد على أن “معرض الرباط يشهد دومًا زخمًا ثقافيًا مميزًا، بفضل شغف القارئ المغربي بالكتاب، واهتمامه الجاد بالإصدارات الجديدة، متمنيا أن تصل كامل كتبهم في أقرب وقت حتى نتمكن من التفاعل بشكل أفضل مع الجمهور”.
تنظيم محكم
فيما قال عبد الله الغربي، أستاذ مادتي التربية الإسلامية واللغة العربية، إن الدورة الثلاثين من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط تميزت بعدة مؤشرات إيجابية، أبرزها صدور أعمال جديدة ذات قيمة علمية وأدبية، وتحسن واضح في مستوى التنظيم مقارنة بالدورات السابقة.
وأوضح الغربي، أنه “لمس تحسنا خلال الانسيابية في الحركة داخل أروقة المعرض، والارتياح النفسي الذي وفرته ظروف التنظيم الجيدة، بخلاف ما كان عليه الحال في السنوات الماضية”، حيث سادت أحيانًا “حالة من الفوضى” داخل بعض الأجنحة، وغياب “العناية الكافية” ببعض دور النشر.
وأكد المتحدث أن وزارة الثقافة، باعتبارها الجهة الوصية، نجحت في “إحداث تطور ملموس في إدارة المعرض”، مشيدًا بالجهود المبذولة لتحسين تجربة الزائر وتشجيع الإقبال على الكتاب، في ظل التحديات التي يعرفها واقع القراءة بالعالمين العربي والإسلامي.
وأشار الغربي إلى أن الحضور المكثف للأطفال والتلاميذ والشباب داخل المعرض يُعد مؤشرًا واعدًا على تنامي الوعي بأهمية القراءة، “وهو ما يعززه كذلك الانفتاح الإعلامي على الثقافة ودور الكتاب”، مضيفا أن “هذا التفاعل المجتمعي مع الكتاب يُسهم، في استعادة المكانة المعرفية والثقافية التي تميزت بها الأمة الإسلامية في فترات مجدها”.
وبخصوص أثمنة الكتب، أوضح الغربي أن الأسعار كانت في المجمل مناسبة، وإن كانت تتفاوت حسب دور النشر وجودة الطباعة، مستحضرا في هذا السياق بعض العناوين التي أثارت اهتمامه، مثل “مختصر التفسير“ للشيخ حمد الشاكر، و”مقاصد القرآن في تشريع الأحكام”، إضافة إلى “نظرية جدل العقل والنقل“ للدكتور الكتاني.