story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

المسألة الصهيونية وقضية الصحراء

ص ص

غالبا ما يُطرح علي في الفضاء الأكاديمي سؤال حول علاقة المغرب بإسرائيل، خاصة من لدن العارفين بتاريخ الصهيونية والمعجبين بها، ممن يطلبون منك ضمنيا، كباحث في مجتمعات الشرق الأوسط، أن تكون على وعي بتاريخ اضطهاد اليهود في أوربا ولدى الدول القومية العربية.

كما يطلب منك ضمنيا كمغربي وديكولونيالي الوعي بسياسة الواقع التي تستوجب أخذ مسألة الصحراء بل حتى مسألة التنمية والاستفادة من الخبرات التقنية كأساس الموقف السياسي.

أجيب عادة بتوضيحين. الأول حول المسألة اليهودية والصهيونية، والثاني حول قضية الصحراء.

أولا : المسألة اليهودية

ـ هذه المسألة التي أخذت حيزا ضخما من الإنتاج المعرفي ـ عن استحقاق لحجم المأساة رغم أن مآسي جينوسيدات استعمارية كبرى من الكونغو إلى الجزائر ومن رواندا إلى العراق وسوريا لم تأخذ أدنى حيز ـ هي في عمقها مسألة ألمانية صرفة. فتقتيل اليهود هو تقتيل ألماني نازي قبل كل شيء. لا مسألة أمريكية، ولا إفريقية ولا عربية، بل ولا حتى أوربية. فلو أخرجنا القضية من خاصيتها الألمانية تاريخيا، ستنهار كل القصيدة الصهيونية في حلتها الجديدة.

فمسألة اليهودية كما يسميها سارتر مرتبطة ارتباطا وطيدا بظهور النازية الألمانية وبلورتها لسياسة الحل النهائي، وذلك حتى لو استندنا لكل جينيالوجيات وسياسات معادات السامية في كل أوربا وفي أمريكا وفي روسيا وشرق “البوكروم” : البوكرومات خلل في النظام العام وفي تطبيق لعنصرية مقيتة، وما أكثر العنصريات المناهضة والقاتلة لكل الأقليات في تاريخ الحداثة. فخارج النازية كإطار تاريخي للتصفية العرقية والدينية سنجد أشكالا كثيرة من العنصريات تجاه اليهود التي لا خصوصية لها وسط باقي العنصريات. أما إسرائيل وسط المنطقة فالحسم موجود بقوة التاريخ حتى لدى الفلسطيني المنظم حزبيا : حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة حيث التعايش والمساواة بين اليهود والعرب والمسلمين…

فحرية المجتمعات العربية والإسلامية للتطرق للاستعمار الإسرائيلي مضمونة تاريخيا، ومقرونة بمعرفتنا لتاريخنا كشعوب وكمؤسسات حققت أنواعا مختلفة من التعايش مع مختلف الأديان والأقليات. فالصهيونية لا تبهرنا لا بانتصارها على جيوش المنطقة العربية ولا بتحقيقها لسيادة تكنولوجية بمساعدة الروس والغرب : لا تبهرنا أخلاقيا (فحن نعرف أحسن من أي كان ارتباطها بتقتيل الأطفال وعلاقاتها بأبشع أنظمة البوليس في المنطقة) ولا تبهرنا سياسيا (لشعوب المنطقة رغم كل الانحطاط ثقافات وسياسات قادرة على تحليل واقعها وبناء معارضات ثم تصورات للمستقبل). فقصيدة قيام الدولة على قيم مناهضة النازية نفسها لا تصمد ورئيس دولة إسرائيل حليف النازيين الجدد ومسؤولين رمزيين على العنصرية القاتلة: من لوبين فرنسا وبارديلا وميلي الأرجنتين إلى أوربان هنغاريا وترامب أمريكا وبوتين روسيا. فلتذهب كل دولة استعمارية ونازية نحو الجحيم كيفما كانت حججها التاريخية ومفكروها المفبركين للتاريخ.

ثانيا : قضية الصحراء

تخطئ الدولة في المغرب لو اعتقدت بتقديم العلاقات الخارجية على الوحدة الوطنية. بل وتخطئ لو راهنت على تحقيق دعم لسيادة تقنية (أي ثورة صناعية) وزراعية باعتمادها على دولة مثل إسرائيل في حلتها اليمينية المتطرفة والنازية القاتلة للأطفال. فحتى تاريخيا لم تستند قوة جديدة على قوة قديمة في ذات الوقت الذي تكون فيه القوة القديمة غارقة في مستنقع الحرب ودماء الأبرياء.

ببرودة الأكاديمي الملتزم أتفهم جرح الاستعمار الجديد : لا دولة من الشمال الاستعماري والمغلق للحدود ساعدت على هذه الثورات الأساسية للدفاع عن النفس وبناء القدرة على مواجهة المستقبل الصعب. وأتفهم التقارب مع دولة كان يمكن أن تكون في الجنوب كما يحتم عليها موقعها الجغرافي وديمغرافيتها لولا نهجها الاستيطاني العنصري تجاه العرب ولولا سقوطها المتكرر في الإبادة لأقرب إنسانية إليها : الفلسطينيون. وأتفهم الخوف الذي ينتاب الدولة المغربية في الفشل المشترك بينها وبين جارتها الجزائرية للتوافق حول علاقة سلم وتكامل اقتصاديين رغم كل التاريخ المشترك، وهو نفس الخوف المنقول للمجتمع الذي يحس جزء بصدق (حتما جزء ليس بالحجم الذي يصوره لنا خدام الدولة في الإعلام وبعض الإدارات التي تحتاج لإصلاح جذري) بأن هويته (أي وطنيته) مهددة.

لكن مخرجنا من الصراعات المصيرية بالنسبة للوطن (كما قضية الاستعمار الفرنسي والاسباني ثم تجاوز سنوات الرصاص ثم الانتقال السياسي وقضية الصحراء) كان يمر عبر الكتلة الوطنية والتحالف بين مختلف الأطياف الوطنية. فلا معنى أن تورط الدولة البلاد في تحالف مرفوض مع نظام دموي إسرائيلي في الشرق، وهو اليوم متصدع حتى داخل مجتمعه وحاضنته الدينية الصهيونية.

إن قضية الاستقلال من الاستعمار الجديد، والوعي المتزايد بضرورة الخروج من نفق التخلف التقني واستعجالية ثورة تنظيمية، صناعية وزراعية بل حتى دفاعية تقتضي حتما علاقات ومفاوضات جديدة مع دول قادرة على نقل ودعم ذلك الانتقال المرهون بإرادة ذاتية وداخلية. فحتما لن يكون ذلك الانتقال دون حرية داخلية ودون ثقة بين أطياف المجتمع ودولته، ودون توافق. أما العلاقة مع إسرائيل فهي دون شك تهديد فعلي لكل هذا التوافق ومستقبله.