المجلس الاقتصادي ينتقد التعديلات الجديدة في التعامل مع الجرائم الماسة بالمال العام

انتقد رأي حديث للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المقاربة الجديدة في التعامل مع الجرائم الماسة بالمال العام والواردة في مشروع قانون المسطرة الجنائية، معتبرًا أن التعديل في هذا الجانب يثير إشكالات بشأن مدى الملائمة مع مقتضيات الدستور، ومدى الانسجام مع الالتزامات الدولية.
وأشار رأي المجلس بشأن “مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية” إلى أن المقاربة الجديدة في التعامل مع الجرائم الماسة بالمال العام أثارت نقاشًا واسعًا، مبرزًا أن الصيغة الجديدة للمادة 3 أوقفت إجراء الأبحاث وتحريك الدعوى العمومية في الجرائم الماسة بالمال العام على إحالة أو طلب يسنده تقرير وارد من هيئات وإدارات عمومية محددة.
واعتبر التقرير أن هذه الصيغة تثير إشكالات جوهرية بشأن مدى ملاءمة التعديل المقترح مع مقتضيات الدستور، ومدى الانسجام مع الالتزامات الدولية للمغرب، بالإضافة إلى مدى التقائية السياسة الجنائية مع السياسات العمومية الخاصة بالحكامة الجيدة ومكافحة الفساد.
وأضاف المصدر ذاته أن تقييد حق التقاضي وصلاحيات النيابة العامة في إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في القضايا الخاصة بالمساس بالمال العام لا ينسجم كذلك مع أحكام القانون الجنائي الذي يعاقب كل شخص بعدم التبليغ عن جريمة علم بوقوعها.
وتابع أن القانون الجنائي يتضمن عقوبات صارمة ضد من ثبتت ضده تهمة الوشاية الكاذبة أو القذف أو الابتزاز، وهي عقوبات يمكن تفعيلها ضد من يحاول توظيف العدالة لغرض ما بسوء نية.
في هذا السياق، تطرق الرأي للفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 3 المعدلة والتي تفيد أنه يمكن للنيابة العامة المختصة إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية تلقائيًا في الجرائم الماسة بالمال العام إذا تعلق الأمر بحالة التلبس، مبرزًا أن هذا مقتضى، حسب عدد من الفاعلين الذين تم الإنصات إليهم من قبل المجلس، يصعب تفعيله.
وفي تفسيره لهذه الصعوبة، ربط التفعيل بخصوصيات وتعقيدات الجرائم الماسة بالمال العام، وبالاستناد إلى أحكام المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية في ضبط حالة التلبس، بما في ذلك ضبط الفاعل أثناء ارتكاب الجريمة، ومطاردة الفاعل بصياح الجمهور، وغيرها..
في المقابل، أكد المجلس أن القيام بالتبليغ عن الجرائم الماسة بالمال العام يبقى دائمًا متاحًا بقوة القانون، بحيث يمكن للأشخاص الذاتيين والمعنويين (أفرادًا وجمعيات…) أن يتقدموا بشكاياتهم ذات الصلة بجرائم المال العام إلى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وذلك طبقًا للاختصاصات الموكولة إليها في هذا الشأن.
وتابع أنه يمكن لهذه الهيئة بعد قبول الشكاية ودراستها أن تحيلها إلى رئاسة النيابة العامة. وهو ما ينسجم كذلك مع الالتزامات الدولية لبلادنا بتمكين مشاركة المجتمع في التبليغ عن جرائم الفساد إلى هيئات وطنية متخصصة في مكافحة الفساد يتم إحداثها لهذا الغرض وتتسم بالاستقلالية.
في هذا السياق، ومن جملة توصياته، أكد المجلس على ضرورة الإبقاء على حق الأفراد وهيئات المجتمع المدني في التبليغ عن الجرائم الماسة بالمال العام، مع إحاطة هذا الحق بما يلزم من تدابير لتحصينه من الاستعمالات غير المسؤولة أو المغرضة.
كما دعا إلى الحفاظ على اختصاص النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية في الجرائم ذات الصلة، وذلك تكريسًا لانخراط المغرب دوليًا في محاربة الفساد، وتعزيزًا لدور المجتمع المدني، وحماية للمال العام من كل تبديد أو اختلاس.