العودة إلى الدين.. أستاذ باحث: الحداثة مكسب إنساني
بينما واصَل جلّ المتدخلين المشاركين في الملتقى العلمي الثالث عشر نقد التجربة الحداثية في أوروبا والغرب، مُعتبرين أن منحَ العقل سلطةً مطلقةً يقود نحو «اللامعنى»، أشار عبد السلام طويل، أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – السويسي، إلى أن الحداثة مكسبٌ إنسانيّ.
واعتبر عبد السلام طويل، ضمن مداخلة له معنونة بـ«مفهوم المجال العام في مقاربة الشأن الديني والظاهرة الدينية»، يوم الثلاثاء 4 نونبر 2025، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، ضمن فعاليات الملتقى، أن الحداثة نتيجة طبيعية للثورة التي عرفتها المجتمعات الأوروبية، موضحاً أنها بعد ذلك أخذت أبعاداً كونية، وأصبحت مكسبا إنسانيا استوعبته مختلف المجتمعات والثقافات بدرجاتٍ متفاوتة.
وربط الأستاذ الباحث بجامعة محمد الخامس بالرباط بين الحداثة ومفهوم المجال العام، مبرزاً أن هذا الأخير نشأ في أوروبا في سياق التنازع بين مجالين؛ مجال الدين أو الكنيسة، ومجال السياسة.
حرية العقيدة وهزيمة الكنيسة..
وأورد طويل أن المجال العام مرتبط بالمدنية، لأنه مبنيٌّ على أساسٍ دستوريٍّ (العقد الاجتماعي)، وقائم على شرعية الإيمان بحرية العقيدة والاختلاف والتعدد، مبرزاً أنه مجال للتّداول في الشؤون العامة للجماعة.
وأوضح في هذا الصدد أن الشؤون العامة تُدبَّر، في العصر الحديث، عن طريق «المؤسسة» التي هي شخصية اعتبارية مستقلة عن «الأشخاص الذاتيين»؛ أي مستقلةٌ عن المواطنين أو الأفراد الذين يأتون إلى المؤسسة ثم يغادرونها.
ولفت الانتباهَ إلى أن الأنظمة المجتمعية الحديثة تفترض «أولويةَ السياسي على الديني»، مستحضراً هزيمة الكنيسة التي كانت تُعطي المعنى لحياة الأوروبيين في الماضي أمام الفكر السياسي.
مشاكل الجماعة وسُبل الحقيقة..
وذكر المتحدث، ضمن المداخلة ذاتها، أن «المجال العام» هو حيزٌ يُمكّن الأفراد من الاجتماع ومناقشة المشاكل والقضايا التي تواجههم كجماعة بحرية تامة.
وأضاف أنه من خلال النقاش يتم التأثير والتفاعل مع القائمين على تدبير الشأن العام، وبعد ذلك تستجيب الدولة لمطالب المجتمع، موضحاً أن المجال العام له بُعد وظيفيٌّ في الأنظمة الحديثة، وهو فضاءٌ مشترك تتبادل فيه الأفكار والآراء والمعلومات (ثقافية، دينية، سياسية…) بمختلف الوسائط، بما فيها وسائط الاتصال الحديثة.
وضمن هذا الإطار، أشار إلى أن عددا من الفلاسفة والمفكرين في التجربة الأوروبية يُدافعون عن فسح المجال للقناعات الدينية للتعبير عن نفسها في المجال العام، لكن بشرط ألّا يدعي أصحابها تملّكَ الحقيقة المطلقة، وألّا يحتكروا حقّ تحديد المعنى للتجربة الإنسانية، بالإضافة إلى قبول الاختلاف والاعتراف بتعدّد سبل الوصول إلى الحقيقة.
ومن جانبٍ آخر، أبرز أن هناك من الفلاسفة من دعا إلى إقصاء أصحاب القناعات الدينية من المجال العام، مثل جون راولز.
يُذكر أن الملتقى العلمي الثالث عشر يُنظّمه المجلس العلمي المحلي ببني ملال، ومختبرُ المقاصد والحوار للدراسات والأبحاث، ومركزُ دراسات المعرفة والحضارة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة السلطان مولاي سليمان، يومي 3 و4 نونبر الجاري، في موضوع: «سؤال المعنى والعودة إلى الدين: إشكالات التديّن في الواقع المعاصر».
*المحفوظ طالبي