العنف المدرسي.. خبراء يشخصون الأسباب ويدعون إلى معالجة عميقة

تعاني المدرسة المغربية من تزايد حالات العنف الممارس ضد الأطر التربوية، والتي لا تقتصر على الإساءة اللفظية، بل تتجاوزها إلى اعتداءات جسدية مروعة، كان آخرها مقتل أستاذة بمدينة أرفود، في حادث هز الرأي العام وأعاد إلى الواجهة النقاش حول حماية الأساتذة وواقع المدرسة العمومية.
في هذا السياق، تتعالى أصوات تربويين ونقابيين للمطالبة بالتدخل الفوري والعميق لمعالجة هذه الظاهرة، بما يتجاوز الحلول التقنية الظرفية إلى مقاربات شاملة تمس الجذور الاجتماعية للمشكلة.
الناجي: انقلاب سُلّم القيم من أهم الأسباب
وفي هذا الصدد، يرى الخبير التربوي عبد الناصر الناجي، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن “العنف ضد هيئة التدريس ينبغي أن يكون خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه من أي كان”، مشيراً إلى أنه ينبغي أن تعمل الدولة بجميع وسائلها، والمجتمع بجميع فعالياته على وضع الأسس والآليات الضرورية لتفعيل ذلك.
ويعتبر الناجي أن اقتلاع هذه “الظاهرة المقلقة من جذورها”، يستوجب معالجة أسبابها العميقة المرتبطة بأبعاد يتداخل فيها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي.
وأوضح أنه يمكن باختصار حصر أهم الأسباب في انقلاب سلم القيم في المجتمع المغربي، “بتراجع قيم الاحترام والجدية والانضباط والمسؤولية، لصالح قيم الاستهتار واللامسؤولية والحرية غير المنضبطة لأي قواعد”.
ويؤكد المتحدث ذاته أن من بين الأسباب “عدم حماية المدرسة من الظواهر المجتمعية السلبية مثل التحرش، والتنمر، وتعاطي التدخين والمخدرات”.
وأشار إلى أن الترويج لـ”قدوات منحرفة أخلاقياً” لدى الناشئة، سواء من خلال الإعلام أو من خلال مؤسسات رسمية من المفروض فيها أن تكون حريصة على القيم المجتمعية النبيلة، “يساهم في تشجيع التلاميذ على تمثل ثقافات دخيلة، تنتج سلوكات عنيفة تكون ضحيتها الأسرة التعليمية”.
ويشدد الناجي على أن القطع مع الظاهرة يقتضي سياسات عمومية مندمجة، تُوجه إلى الأسرة لمساعدتها على الانخراط الواعي في التنشئة الاجتماعية السليمة لأطفالها، وإلى الإعلام لحثه على الترويج لنماذج قيمية منسجمة مع القيم المغربية الأصيلة، وإلى المدرسة لاستعادة دورها التربوي، وتدبيرها على أساس الانضباط لقواعد العيش المشترك والاحترام الواجب للمدرس.
وأفاد الخبير التربوي بأنه ينبغي على الدولة والمجتمع أن يعملا على “تبويء المدرس المكانة الاعتبارية اللائقة، وتجريم كل إهانة تلحق به”، داعياً إلى “تطبيق القانون الذي يحمي الموظف العمومي من أي سلوك ينتقص من كرامته”.
ويرى أن محاربة الهدر المدرسي، بإرجاع التلاميذ المفصولين لأسباب تعليمية أو تربوية دون معالجة جذور المشكلة، “يغذي بدوره ظاهرة العنف تجاه المدرسين، وهو ما يفرض إعادة النظر في هذه السياسة”.
غميمط: التلميذ أيضاً ضحية
ومن جانبه، يرى الفاعل النقابي عبد الله غميمط أن العنف المدرسي ظاهرة لها أسباب وجذور اجتماعية، ولا يمكن حلها في نظره بمذكرات تقنية، بقدر “ما يتطلب الأمر اهتماماً بالحياة المدرسية، التي فُرِّغت من كل الأنشطة التربوية، والتأطيرية، والثقافية، والإشعاعية، التي كانت تُربي التلاميذ على قيم التسامح، والتعاون، والاحترام، وحرية الرأي والتعبير”.
ويُبرز غميمط أن المدرسة كانت هي المؤسسة التي تُعنى ببناء الإنسان، أما اليوم، “فقد جُرِّدت من أدوارها الأساسية، وتم تحويلها إلى مقاولة تُنتج يداً عاملة مؤهلة لخدمة الرأسمال.
ويشير إلى أن هذا التوجه ينسحب على المجتمع وقطاعات أخرى، مما يُنتج مجتمعاً طبقياً من طبقتين أو أكثر، يشهد صراعات تتجاوز المدرسة وتمتد إلى المجتمع ككل.
كما اعتبر أن العنف المدرسي المتزايد ليس ظاهرة معزولة، بل هو نتاج “عنف اقتصادي وسياسي تمارسه الدولة ضد المدرسة العمومية، من خلال سياسات لا شعبية، واستيراد مخططات دولية فاشلة تم تنزيلها بشكل تعسفي”، مضيفاً أن التلميذ والأسرة أيضاً “ضحيتان لهذا التدبير المختل”.
وأكد غميمط، الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي، أن الأطر التربوية والإدارية “لا تحمل التلميذ ولا الأسرة مسؤولية ما يحدث”، مشدداً على أن “المسؤولية الكاملة تتحملها الحكومة والوزارة الوصية”.
ويشدد على أن معالجة الظاهرة “يجب أن تكون أعمق من مجرد إصدار مذكرات أو معاقبة التلاميذ”، مشيراً إلى أنه ينبغي “تبني مقاربة اجتماعية شاملة، مع توفير الحماية القانونية للعاملين في القطاع”.
ويختم بالقول: “الاستجابة اليوم يجب أن تكون سياسية، وتربوية، واجتماعية، تتولاها وزارة التربية الوطنية والحكومة ضمن إطار وطني لمحاربة آفة العنف المدرسي، بعيداً عن الحلول التقنية المحدودة”.
يذكر أن الأطر التربوية بالمغرب خاضت إضراباً وطنياً، يوم الأربعاء 16 ابريل 2025، تنديداً بالاعتداءات المتواصلة بحق نساء ورجال التعليم، والتي أسفرت الأحد الماضي عن وفاة أستاذة في مدينة أرفود.
وبالموازاة مع ذلك، خرجت الأطر في وقفات احتجاجية أمام المديريات الإقليمية والأكاديميات الجهوية، ندد فيها المتظاهرون بالعنف المدرسي، مطالبين الحكومة بحمايتهم من هذه الاعتداءات.
وحمل المتظاهرون، في الوقفات التي دعا إليها التنسيق النقابي الخماسي لقطاع التربية والتكوين، في يوم الحداد على روح أستاذة أرفود، مسؤولية الوضع الذي تعيشه المدرسة العمومية.
كما أدانوا جميع الاعتداءات التي يتعرض لها الأطر الإدارية والتربوية، والانتهاكات التي تطال حرمة المؤسسات التعليمية من طرف الغرباء، معربين عن استنكارهم أوضاع التعليم العمومي بالمغرب، “وما أصبحت تعيشه من عنف وتسيب واستهتار”.