العمراوي: لم نقفز من قارب الحكومة.. ومجهودات الحكومة لمحاربة الفساد غير كافية – حوار

في خضم موجة الغضب الشعبي التي تجتاح عدداً من المدن المغربية، دخلت احتجاجات “جيل Z” يومها العاشر منذ انطلاقها في 29 شتنبر، وسط تزايد التفاعل المجتمعي والسياسي مع مطالب الشباب الداعية إلى العدالة الاجتماعية وتحسين الأوضاع الاقتصادية.
وفي ظل تصاعد الجدل حول مواقف بعض مكونات الأغلبية الحكومية، أثارت مشاركة كل من نزار بركة، وزير التجهيز والماء والأمين العام لحزب الاستقلال، ونجوى كوكوس، رئيسة المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، في برنامج “نكونو واضحين” الذي بثته القناة الثانية مساء الأحد 5 أكتوبر 2025، نقاشاً سياسياً واسعاً.
وكان نزار بركة وزير التجهيز والماء قد قدم نفسه خلال البرنامج بصفته أمينا عاما لحزب الاستقلال، فيما أكدت نجوى كوكوس، رئيسة المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة على “ضرورة الفصل بين الأغلبية الحكومية والأغلبية البرلمانية”، وهو ما اعتبر من طرف مراقبين محاولة لـ“تبرؤ من الحكومة ومن رئيسها أمام الرأي العام، ومحاولة للقفز من القارب الغارق”.
وفي هذا السياق، أجرت صحيفة “صوت المغرب” حواراً مع علال العمراوي، رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، الذي رفض توجيه هذا الاتهام لحزبه، مشددا على أن هذا الأخير “لم يتهرب الأزمة” وأن “هناك من عمد قصدا إلى تحوير نقاشات الحزب أو جزء منها وربطها بما يقع اليوم وادعاء الهروب من المسؤولية أو القفز من السفينة”.
وفيما يلي نص الحوار:
ما ردكم على الأصوات التي تشير إلى وجود انفراط لعقد الحكومة ومحاولة الأحزاب المكونة لها للقفز من القارب الغارق؟
أؤكد لكم بأنه بالعكس، لا يوجد أي انفراط، فحزب الاستقلال ليس من الأحزاب التي تتخلى عن التزاماتها، وليس من الأحزاب التي تغادر سفينة المسؤولية، بل كل ما هناك أن كل الأحزاب المكونة للحكومة تعرف نقاشات صحية ومطلوبة، خصوصا وأننا في لحظة دقيقة تتطلب من كل حزب داخل الأغلبية تحمل مسؤوليته، ونقد ذاته، وحتى تصحيح المسار إن لزم الأمر.
وهذا ما اتفقت عليه كل مكونات الحكومة، التي تشتغل بشكل متضامن وبحس وطني عالي، بضرورة المرور إلى السرعة القصوى وإعداد حزمة برامج ذات طابع استعجالي تتجاوب مع مطالب شباب جيل Z وكل الشباب.
وحتى تطمئن أكثر فإني أكرر القول بأن القفز من السفينة ليس من شيمنا، كما أننا لا نتهرب من الأزمات، بل نواجهها بمقترحات عملية وروح وطنية.
كيف لا وحزب الاستقلال كان دائما جزءا من الحل، لا جزءا من الإرباك، ولا زال قاطرة للتوافق والانسجام، لا هداما للتحالفات، وهذا موقف شجاع سجله الأمين العام للحزب نزار بركة ما مرة في خرجاته التواصلية والإعلامية، وكان آخرها مشاركته في برنامج خاص على قناة “دوزيم”، حيث أعلن بكل مسؤولية عن استعداده تقديم الحساب وتحمل المسؤولية كاملة عما قام به واتخذه من إجراءات داخل القطاع الذي يسيره وهو قطاع التجهيز والماء.
من جهة أخرى، هناك من عمد قصدا إلى تحوير كل نقاشاتنا أو جزء منها وربطها بما يقع اليوم وادعاء الهروب من المسؤولية أو القفز من السفينة، وهذه الادعاءات لا توجد إلا في مخيلة من تعمد الترويج لها في وسائل التواصل الاجتماعي.
ما الإجراءات التشريعية أو المبادرات التي يقترحها فريقكم لمعالجة الملفات التي يرفعها المحتجون؟
لطالما تميز الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب بالروح الاستباقية واتخاذ ما يراه مناسبا من مواقف وإجراءات ومساطر ومرافعات قصد تحقيق التنمية المنشودة على مستوى جميع القطاعات الحكومية.
وفي هذا الصدد، أؤكد لكم بأننا نشتغل كفريق برلماني بشكل منسجم مع قيادة الحزب التي تتبنى مقترحاتنا ونتبنى بدورنا توجهاتها، كما ننقل مطالب المواطنين وشكاياتهم وتطلعاتهم بشكل مباشر إلى الوزراء، وكان آخرها مطلبنا إلى جانب فرق الأغلبية البرلمانية بعقد اجتماع مستعجل للجنة القطاعات الاجتماعية لتسليط الضوء على واقع قطاع الصحة والمشاكل العالقة ودراسة الحلول البديلة والكفيلة بالنهوض بالقطاع.
وقد استجاب الوزير أمين التهراوي فعلا لطلبنا الذي تقاطع مع طلبات لبقية الفرق البرلمانية الأخرى حيث دام الاجتماع لأزيد من عشر ساعات من النقاش والنقد وتقديم التوضيحات وكذا البدائل.
مع ضرورة التنويه بأن الملفات التي رفعها المحتجون تدخل في صميم عملنا اليومي داخل البرلمان وخارجه، حيث لطالما اعتبرنا بأن الاهتمام بالتعليم والصحة والتشغيل هو أساس وقاطرة التنمية الشاملة المنشودة.
هل تعتقد أن الحكومة الحالية تبذل جهودا كافية لمكافحة الفساد؟
يجب الإقرار ومن باب النقد الذاتي بأن بلادنا تعرف بعضا من مظاهر الفساد التي تراكمت لزمن طويل، وللفساد مظاهر عدة، وأهمها في نظرنا هو فساد القيم والأخلاق، وهذا أول ما يجب أن نعتكف على القطع معه، من خلال إعادة الاعتبار لدور الأسرة والمدرسة ودار الشباب ووسائل الإعلام وحثها على القيام بمهامها كاملة في التربية والتوعية والرقي بالممارسات الإيجابية والسلوكات المدنية تماشيا مع أخلاقنا وقيمنا الوطنية والإسلامية والإنسانية.
أما على مستوى الفساد في المجالات الإدارية والمالية والسياسية، فهي مظاهر أخرى وجب الاشتغال عليها بشكل جماعي من خلال أوراش مفتوحة، ونظن بأن القضاء المغربي طور آليات اشتغاله بشكل كبير، ولم يعد يرحم أحدا، حيث يقبع اليوم في سجون المملكة المئات إن لم نقل الآلاف من المسؤولين من مختلف المجالات الذين تبث تورطهم في قضايا فساد.
وعلى صعيد أخر، ننوه بأنه في عهد الحكومة الحالية تمت إعادة تفعيل مهام الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، التي بدأت بدورها في استقبال التصريحات والملفات وتقديم تقارير وطنية في مجال تخصصها، كما أنه تم تعميم رقمنة الخدمات الإدارية وإلزام المنتخبين والقضاة والمسؤولين الإداريين بضرورة التصريح بالممتلكات بشكل دوري.
كذلك يبقى للمجلس الأعلى للحسابات ومجالسه الجهوية دور كبير في كشف مظاهر الفساد، بالشكل الذي يمكن السلطات الحكومية والقضائية من مباشرة إجراءاتها العملية لفتح التحقيقات وكشف التلاعبات والقيام بالمتعين، قصد محاربة الفساد كيفما كانت أوجهه أو المتورطين فيه، مع الإشارة إلى أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات تحظى بتتبع برلماني وحكومي دائم.
ولكن ورغم كل هذه المجهودات، نعتبر داخل الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، بأنها غير كافية، ولا تتماشى مع سقف تطلعات المواطن المغربي، الذي يتوق إلى العيش بعدالة اجتماعية وكرامة، ذلك أن الفساد ليس قضية تقنية فقط، بل سياسية وأخلاقية، وتتطلب إرادة جريئة وحماية سياسية للإصلاح وزمنا للتنفيذ الشامل. وهذا ما سنواصل الترافع عليه بقوة في جميع المنصات.
ما موقفكم من التعامل الأمني مع المتظاهرين الشباب؟
نحن نؤمن بأن الاحتجاج السلمي حق دستوري وحق كوني تكفله جميع المواثيق الدولية، وهو حق يجب أن يصان. ونظن أن هؤلاء الشباب مارسوه بتلقائية وعفوية وحرية رغم فجائية خروجهم وانتقالهم من المنصة الرقمية التي كانت تضم نقاشاتهم إلى الفضاءات العمومية التي تؤطرها مساطر قانونية وتنظيمية أخرى ليست بالضرورة تخالف الدستور.
حيث فاجأ خروجهم الرأي العام والسلطات العمومية نفسها، التي عوض أن تعمل على توفير الحماية للشباب المحتجين، أصبحت ابتداء من اليوم الثالث تجاهد من أجل حماية عناصرها وحماية الممتلكات العامة والخاصة، والتي للأسف الشديد تعرض البعض منها لممارسات خارجة عن نطاق القانون، كما أسفرت الاحتجاجات في مناطق كثيرة عن خسائر بشرية ولوجيستيكية ومادية كثيرة على مستوى الممتلكات العامة والخاصة كذلك.
وعلى العموم، نعتقد بأن المقاربة الأمنية التي تم إعمالها تتسم بالتوازن والتناسب والاستباقية، علما بأن هذا الحراك وعلى عكس مجموعة من الحراكات الأخرى التي شهدتها بلادنا يتميز بخصوصية عدم التأطير والتنظيم، حيث يخرج المحتجون إلى الشارع بشكل عفوي وغير مؤطر وفي أحايين كثيرة بدون لافتة مطالب، مما يفتح باب التوجس من وقوع انزلاقات أو انحرافات هنا أو هناك.