الصمدي: نظام “البكالوريوس” خطوة في الاتجاه الصحيح

مع حديث وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عز الدين الميداوي أمام مجلس الحكومة يوم 12 يونيو 2025 عن ضرورة العودة إلى نظام “البكالوريوس” (Bachelor)، عاد النقاش الأكاديمي والبيداغوجي حول هذا الورش الذي كان قد بدأ العمل عليه منذ سنوات، وقد قدّم الوزير عرضًا مفصلًا حول المشروع الجديد لتفعيل هذا النظام على مستوى المدارس العليا للتكنولوجيا، مبرزًا أن أهدافه تتجلى في ملاءمة التكوينات مع المعايير الدولية.
نظام البكالوريوس هو نظام تعليمي جامعي يُطبّق في العديد من الدول، ويُمثل أول مرحلة من مراحل التعليم العالي. تمتد الدراسة في نظام البكالوريوس لـ 4 سنوات بدلًا من 3 سنوات المعتمدة في نظام (إجازة، ماستر، دكتوراه –LMD). يشير هذا النظام إلى تحويل هيكلة التعليم الجامعي لتكون أقرب إلى النظام الأنجلوساكسوني (مثل الولايات المتحدة وكندا).
نقلة نوعية
وفي هذا السياق، اعتبر الأكاديمي والوزير السابق خالد الصمدي، أن نظام “البكالوريوس” يمثل نقلة نوعية في مسار إصلاح التعليم العالي بالمغرب، لما يتميز به من مرونة، وانفتاح، وملاءمة مع المعايير الدولية، مؤكداً أنه يفتح آفاقًا جديدة أمام الطلبة سواء على المستوى الوطني أو العالمي، وذلك لكونه الأكثر تداولاً عالميًا، ويمنح حظوظًا أكبر للاعتراف الأكاديمي بالشواهد المغربية في مختلف الدول، خاصة الأنجلوساكسونية منها.
وأوضح الصمدي أن من بين أهم مزايا هذا النظام تركيزه على المهارات الذاتية والحياتية، خاصة ما يتعلق باللغات والرقمنة والمعلوميات، وهي مجالات أصبحت أساسية في سوق الشغل الحديث، كما أشار إلى أن “البكالوريوس” يجمع بين الشهادة الأساسية (الإجازة) وشهادات إشهادية إضافية (Certificates) يحصل عليها الطالب في مجالات متعددة كالتواصل أو اللغات، مما يمنحه ميزة تنافسية قوية عند ولوجه سوق العمل.
وتابع المتحدث أن هذا النظام يمنح للطالب إمكانية بناء اختياره بشكل تدريجي وواعٍ، من خلال المرور بجدع مشترك في بداية التكوين، يطلعه على التخصصات المتوفرة قبل أن يختار مساره النهائي، معتبرا أن هذه المنهجية تمنح الطالب وقتًا كافيًا للتعرف على متطلبات كل شعبة، وتساعده على اتخاذ قرار مبني على المعرفة والفهم، بدل التوجيه المباشر المعتمد في النظام الحالي.
وأضاف أن نظام “البكالوريوس” يمنح الطالب مرونة في المدة الزمنية التي يقضيها لنيل الشهادة، بحيث يمكنه إنهاؤها في ثلاث سنوات ونصف حسب مجهوداته، مع إمكانية متابعة الدراسة خلال الفصل الصيفي لاستكمال بعض الوحدات، مؤكدا أن هذا الجانب يعطي دينامية جديدة للطالب ويشجعه على الاستفادة القصوى من فترة دراسته الجامعية.
غياب التأطير القانوني
وأشار الصمدي إلى أن نظام “البكالوريوس” في المغرب ليس وافداً دون أسس، بل ثمرة جهد جماعي انطلق منذ سنة 2018، وشارك في بلورته رؤساء جامعات، وعمداء، ومديرو مؤسسات جامعية، إلى جانب النقابات وممثلي الأساتذة، في إطار لقاءات وملتقيات علمية وطنية امتدت لسنتين، لافتا إلى أن هذه المشاورات الواسعة أفرزت تصورًا بيداغوجيًا متكاملًا تمت تجربته ميدانيًا في عدد من المؤسسات الجامعية.
واعتبر المتحدث أن الخلل الذي شاب هذه التجربة تمثل في غياب التأطير القانوني، إذ لم يُعتمد أي نص تنظيمي يلزم الحكومة السابقة بمتابعة تطبيق النظام، وهو ما جعل الوزير السابق عبد اللطيف ميراوي يتراجع عنه رغم كونه أحد الشركاء السابقين في إطلاقه، مبرزا أن هذا التراجع أدى إلى إلغاء تسجيل أكثر من 24 ألف طالب في المسالك المعتمدة دون بديل واضح.
وأكد الصمدي أن الوزير الحالي عز الدين الميداوي تدارك هذا الخلل من خلال عرض مشروع “البكالوريوس” في المجلس الحكومي بتاريخ 12 يونيو 2025، والمصادقة عليه ضمن مرسوم تنظيمي، مما أرسى أرضية قانونية واضحة لهذا النظام، معتبرا أن هذه العودة القانونية تعتبر تصحيحًا لمسار الإصلاح وتثمينًا للجهود المبذولة سابقًا.
وبيّن الصمدي أن هذا النظام سيبدأ أولًا في المدارس العليا للتكنولوجيا، باعتبارها مؤسسات ذات استقطاب محدود، قبل أن يتم توسيعه لاحقًا على باقي المؤسسات الجامعية، مشيرا إلى أن انطلاق التفعيل التدريجي يساعد على التقييم الواقعي وضبط الإكراهات المرتبطة بتنزيل المشروع.
وخلص الصمدي إلى التأكيد على أن هذا الإصلاح البيداغوجي يُعد من الأوراش الكبرى التي تندرج في إطار تنفيذ مقتضيات القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، معبّرا عن تفاؤله الكبير بنجاح النظام الجديد، خاصة في ظل التفاعل الإيجابي للفاعلين الجامعيين ووعي الوزارة بأهمية مواصلة الإصلاح.
الهندسة البيداغوجية
العمل بنظام “البكالوريوس” يعني انتقال المغرب في نظامه التعليمي الجامعي من النظام الحالي (إجازة، ماستر، دكتوراه –LMD) إلى نظام تعتمده العديد من الأنظمة الناطقة بالإنجليزية في تعليمها، حيث تكون مدة الدراسة أربع سنوات بعد شهادة الباكالوريا، وستكون الهندسة البيداغوجية المعتمدة في سبيل إرساء هذا النظام كالتالي:
– سنة أولى في الجامعة تكون سنة تأسيسية، بفصل أول يتضمن 52 وحدة معرفية، ووحدتين للانفتاح العام، و12 وحدة في اللغات الأجنبية، ويسمى الفصل الأول “Study SK”، والفصل الثاني من السنة الأولى سيطلق عليه نفس تسمية الفصل الأول، وسيتضمن نفس المنهاج والكم والتنويع في الوحدات الملقنة للطلاب.
– وفي سنة جامعية ثانية، والتي يطلق عليها الجذع المشترك، سيطلق على فصليها الثالث والرابع اسم “Life SK”، وسيتضمن كل فصل 78 وحدة معرفية، و4 وحدات للانفتاح المتخصص، و6 وحدات في اللغات الأجنبية.
– أما العام الثالث وهو عام التخصص، فيضم فصلان خامسا وسادسا سيطلق عليهما اسم “Civic SK”، وسيضم كل واحد منهما 104 وحدة معرفية، وأربع وحدات للانفتاح والتخصص.
– وفي العام الرابع، سيكون الفصل السابع والثامن اللذان سيطلق عليهما إسم “Professional SK”، مرتكزين في كل فصل على 104 وحدة معرفية كما في العام الثالث، لكنهما بخلاف العام الثالث سيضم كل منهما وحدتين خاصتين بالمشروع المؤطر.