الحرب على لبنان.. إسرائيل ترضخ لتوقيع اتفاق “الهزيمة والفشل” في تحقيق أهداف الحرب
بعد أزيد من سنة من العدوان الإسرائيلي على لبنان الذي زادت حدته في الثلاث أشهر الأخيرة، بعد حادث تفجير أجهزة “البيجر” في شتنبر الماضي والتي خلفت استشهاد العشرات من اللبنانيين وإصابة قرابة أربعة آلاف آخرين، رضخت دولة الاحتلال أخيرا إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله يوم الأربعاء الماضي الموافق لـ 27نونبر 2024.
وقد اختلفت القراءات حول الطرف الذي خرج منتصرا من هذه الحرب، التي وضعت لها إسرائيل قبل خوضها أهدافا محددة وحاسمة بقيادة رئيس وزراءها بنيامين نتنياهو، تتجلى في القضاء على حزب الله ونزع سلاحه من أجل تحقيق مشروعها الاستراتيجي المتمثل في “تغيير وجه الشرق الأوسط”، خدمة لهدفها الأكبر الذي تصفه بـ “إسرائيل الكبرى”.
فشل في تحقيق أهداف الحرب
وفي هذا الصدد يقول أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط عبد العلي حامي الدين، إن “دولة الاحتلال فشلت فشلا ذريعا في تحقيق أهدافها العسكرية والاستراتيجية، والمتمثلة في القضاء على المقاومة الإسلامية وتدمير قدراتها العسكرية، لكن الهزيمة الأكبر هي تبديدها للأوراق الاستخباراتية والأمنية التي كانت تملكها وتراهن عليها لتحقيق هدف القضاء النهائي على حزب الله والتحكم في لبنان، وهذا بالضبط ما يمنح لحزب الله ميزة استراتيجية تجعله في وضع المنتصر”.
وأضاف الأستاذ الجامعي أن حزب الله اللبناني “لا زال يملك قوة الردع التي تمكنه من تهجير مستوطني الشمال، ناهيك عن أنه أظهر قدرة حقيقية على الوصول إلى المحور الاقتصادي لكيان الاحتلال المتمثل في حيفا، واستهداف المركز السياسي للكيان المتمثل في تل ابيب بالصواريخ الدقيقة والقوية”، موضحا أن هذا الأمر جعل إسرائيل بحاجة إلى التسريع بوقف إطلاق النار، “ناهيك عما فقدته الدولة المارقة من عنصر المباغثة وفشلت في تحقيق هدف القضاء على حزب الله”.
“انتصار كبير”
وفي أول خطاب له بعد اتفاق وقف إطلاق النار، أكد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، أمس الجمعة، أن حزبه حقق انتصارا كبيرا على دولة الاحتلال فاق الانتصار الذي حققه الحزب في حرب 2006، مشددا في نفس الوقت على على استمرار الدعم لفلسطين وبأشكال مختلفة.
وقال نعيم قاسم، “قررت أن أعلن كنتيجة بشكل رسمي وواضح أننا أمام انتصار كبير يفوق الانتصار الذي حصل في يوليوز 2006″، مضيفا بالقول: “انتصرنا لأننا منعنا العدو من تدمير حزب الله، انتصرنا لأننا منعناه من إنهاء المقاومة أو إضعافها إلى درجة لا تستطيع معه أن تتحرك”.
وتعهد الأمين العام لحزب الله بالاستمرار في دعم المقاومة الفلسطينية، حيث قال “دعمنا لفلسطين لن يتوقف وبأشكال مختلفة”، معيدا التذكير بأن حزب الله عندما انطلق في مساندة المقاومة في قطاع غزة كرر أنه لا يريد الحرب، ولكنه أكد أنه جاهز إذا فرضت عليه.
وفي هذا السياق، يقول حامي الدين، إن صورة انتصار المقاومة في لبنان “يمكن أن نراها بشكل واضح بمجرد إعادة تركيب الوقائع والأحداث بشكل دقيق بعيدا عن الضجيج الإعلامي السائد هذه الأيام”، موضحا أن الأمين العام لحزب الله حينما أعلن قرار إسناد جبهة غزة، “كان واضحا أنه لا يريد جر لبنان إلى حرب شاملة مع دولة الاحتلال، ولكنه كان يرغب في تحقيق هدفين، أولهما إشغال جزء معتبر من جيش الاحتلال في معركة استنزاف طويلة للتخفيف على غزة، وثانيهما منع مستوطني شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة الذين يتجاوز عددهم 200 ألف مستوطن من العودة إلى مستوطناتهم”.
وحتى مع توقيع اتفاق إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، لم يتمكن المستوطنون الإسرائيليون من العودة إلى المستوطنات وذلك بتعليمات من جيش الاحتلال الذي يتحجج “باحتمال استمرار الحرب على لبنان كسبب لعدم الدعوة لعودة الآلاف لبيوتهم في الشمال”.
شعارات النصر
وعلى العكس من ذلك، بدأ أهالي جنوب لبنان يعودون إلى ديارهم حاملين شعارات النصر ويهتفون بانتصار المقاومة، ومعظم قرى الجنوب بدأت باستقبال أصحابها رغم الخروقات المسجلة من قبل قوات الاحتلال مستغلة مدة ستون يوما التي منحت لها من أجل الانسحاب التدريجي من الجنوب.
وفي غضون ذلك، جدد الجيش الإسرائيلي، يوم أمس، تحذيره للبنانيين من العودة إلى منازلهم في بعض القرى على الحدود الجنوبية، رغم اتفاق وقف إطلاق النار.
وقال متحدث الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي بمنشور على منصة إكس: “إلى سكان لبنان، يحظر عليكم حتى إشعار آخر الانتقال جنوبًا إلى خط القرى التالية ومحيطها: شبعا، الهبارية، مرجعيون، أرنون، يحمر، القنطرة، شقرا، برعشيت، ياطر، المنصوري”.
وأضاف: “يحظر عليكم في هذه المرحلة العودة إلى بيوتكم من هذا الخط جنوبا حتى إشعار آخر، وكل من ينتقل جنوب هذا الخط يعرض نفسه للخطر”.
وسبق أن حذّر الجيش اللبنانيين من العودة إلى أكثر من 60 قرية أخرى جنوب البلاد، فيما لم يذكر أسباب ذلك رغم وقف إطلاق النار.
بنود الاتفاق
وتضمن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله الذي أنهى معارك بين الجانبين استمرت منذ 8 أكتوبر 2023، 13 بندا أبرزها انسحاب إسرائيل تدريجيا إلى جنوب الخط الأزرق (الفاصل بين لبنان وإسرائيل) خلال 60 يوما، وانتشار الجيش اللبناني على طول الحدود ونقاط العبور والمنطقة الجنوبية.
وجاءت باقي بنود الاتفاق على الشكل الآتي:
1- حزب الله وجميع الجماعات المسلحة الأخرى في الأراضي اللبنانية لن تقوم بأي عمل هجومي ضد إسرائيل.
2- إسرائيل، بدورها، لن تنفذ أي عملية عسكرية هجومية ضد أهداف في لبنان، بما في ذلك من البر والجو والبحر.
3- تعترف إسرائيل ولبنان بأهمية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701.
4- يحتفظ الطرفان بحق الدفاع الذاتي ضمن أطر المواثيق الدولية.
5- القوات الأمنية والعسكرية الرسمية للبنان ستكون الجهة المسلحة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح أو استخدام القوات في جنوب لبنان.
6- كل بيع أو توريد أو إنتاج للأسلحة أو المواد المتعلقة بالأسلحة إلى لبنان سيكون تحت إشراف وسيطرة الحكومة اللبنانية.
7- سيتم تفكيك جميع المنشآت غير القانونية المعنية بإنتاج الأسلحة والمواد المتعلقة بها.
8- سيتم تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية، وستتم مصادرة أي أسلحة غير قانونية لا تتماشى مع هذه الالتزامات.
9- سيتم تشكيل لجنة مقبولة على إسرائيل ولبنان للإشراف والمساعدة في ضمان تنفيذ هذه الالتزامات.
10- ستقوم إسرائيل ولبنان بالإبلاغ عن أي انتهاك محتمل لهذه الالتزامات إلى اللجنة وقوة «اليونيفيل» (القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان).
11- ستنشر لبنان قواتها الأمنية الرسمية وقوات الجيش على طول جميع الحدود، ونقاط العبور، والخط الذي يحدد المنطقة الجنوبية وفقاً لخطة الانتشار.
12- ستقوم إسرائيل بسحب قواتها تدريجياً من الجنوب باتجاه الخط الأزرق خلال فترة تصل إلى 60 يوماً.
13- ستدفع الولايات المتحدة لمفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل ولبنان من أجل التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود البرية.
وتعليقا على بنود هذا الاتفاق، يقول حامي الدين ” نلاحظ أن هناك اعترافا بحزب الله بما يمثله من قوة عسكرية أساسا، يتعهد بعدم القيام بأعمال هجومية، وهذا طبيعي فالمقاومة تقوم بأعمال الدفاع أساسا وصد العدوان، بينما تتعهد إسرائيل التي اعتادت على القيام بأعمال عدائية هجومية عن التوقف عن ذلك”.
وأضاف الأستاذ الجامعي أن كل ما يتعلق بما سمي “بالأسلحة غير المشروعة” تمت صياغته بطريقة عامة وفضفاضة تفتقر إلى آليات التنفيذ، وعلى غرار القرار 1701، الذي سبقت للمقاومة الاعتراف به في إطار معادلة (الجيش- المقاومة – الشعب)، ستقوم إسرائيل ولبنان بالإبلاغ عن أي انتهاك محتمل لهذه الالتزامات إلى اللجنة وقوة «اليونيفيل» (القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان).
وأشار المحلل السياسي إلى أن من أبرز تجليات فشل دولة الاحتلال في تحقيق هدف القضاء على حزب الله هو عدم قدرة جيشها على إخلاء مواقعه في بعض القرى اللبنانية بالشريط الحدودي بالإضافة إلى الحفاظ على فرقه العسكرية بالشمال الفلسطيني المحتل.
ميزة التهديد الاستراتيجي لحزب الله
وشدد على أن هذا الأمر “يمنح لحزب الله ميزة استراتيجية ثانية وهي أنه بهذا الوضع قادر على إشغال أزيد من ثلث الجيش الإسرائيلي حتى في ظل وقف إطلاق النار، كما يتوفر على ميزة التهديد الاستراتيجي لمستوطنات الشمال والوصول إلى قلب إسرائيل السياسي والاقتصادي المتمثل في حيفا وتل أبيب وهذا هو السبب الحقيقي لإحجام دولة الاحتلال على السماح للمستوطنين للعودة إلى ديارهم واستعجالها وقف إطلاق النار”.
وأقر المتحدث بأن “سلاح العدو الإسرائيلي لا زال قادرا على شن حرب عدوانية قائمة على تدمير المنشآت المدنية وقصف المستشفيات واستهداف المدنيين”، موضحا بالمقابل أنه فقد قدرته على تحطيم المقاومة والتحكم في لبنان وتغيير وجه الشرق الأوسط من جديد.
وخلص أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري عبد العلي حامي الدين إلى أن جبهة المقاومة لازالت متماسكة بفضل صمودها وبفضل الخزان الاستراتيجي الذي تقدمه إيران عبر سوريا، موضحا أن ذلك يعتبر مدخلا ضروريا لفهم ما يجري هذه الأيام من تحرك احتياط المجموعات المسلحة ضد سوريا وهو ما يمثل خدمة تكتيكية للصهاينة هم في أمسّ الحاجة إليها وهم يتجرعون مرارة الهزيمة.