“الجوهرة الزرقاء” تفقد بريقها.. ركود سياحي غير مسبوق يضرب شفشاون

في عز الصيف، وفي الوقت الذي اعتادت فيه مدينة شفشاون أن تكون قبلة للزوار من داخل المغرب وخارجه، تبدو المدينة هذه الأيام وكأنها فقدت نبضها المعتاد، فالمطاعم شبه فارغة، والشوارع هادئة على غير العادة، وساحة “وطاء الحمام” التي كانت تضج بالحركة صارت موحشة إلا من المارين القلائل.
المدينة التي شكّلت خلفية سينمائية لفيلم “دار لالة”، وكانت وجهة مفضّلة للفنانين والمثقفين والمشاهير، تجد نفسها اليوم في مواجهة واقع جديد، عنوانه ركود سياحي غير مسبوق في توقيت كان يُفترض أن يشهد ذروته.
السياحة الداخلية الصيفية التي تعتمد عليها شفشاون بشكل كبير كمورد رئيسي يؤمّن لقاطنيها قوت شتاءٍ قارس، باتت اليوم تقاوم فراغاً مفاجئاً، ففي سنوات خلت، كانت الأزقة القديمة تعج بعشاق الصور ومحبي اللون الأزرق، و”رأس الماء” يعرف حركة دؤوبة لزوّار يسبحون ويشربون اللبن المحلي وعصير البرتقال البارد.
أما اليوم، فالجدران الزرقاء وقصبة المدينة الأثرية وجبالها التي تحرسها في صمت، كلها شاهدة على هذا التحول اللافت وهذا التراجع في الزوار الذي يؤرق ساكنة المدينة ويدق ناقوس خطر يحدق بمورد رزق سكان الجوهرة الزرقاء.
وفي السياق، قال الصحافي والفاعل في القطاع السياحي ياسر الحضري إن مدينة شفشاون شهدت هذا العام تراجعًا ملحوظًا في النشاط السياحي، رغم أنها كانت، في مثل هذا الوقت من السنوات الماضية، تعرف توافدًا كثيفًا للزوار من داخل المغرب وخارجه.
وأوضح الحضري، في تصريح لصحيفة صوت المغرب، أن الارتفاع الكبير في الأسعار بات من أبرز الأسباب التي أثرت سلبًا على إقبال السياح، حيث عبّر عدد من الزوار عن امتعاضهم من الغلاء الذي أصبح يطبع أثمنة المنتوجات والمأكولات، دون أن يقابله تحسن في الجودة أو في مستوى الخدمات المقدمة.
وأشار المتحدث إلى أن المدينة عرفت في الآونة الأخيرة “استغلالًا مفرطًا “للفضاءات العامة والأزقة التقليدية، إذ تم تحويل عدد منها إلى محلات مؤقتة أو نقاط بيع، “مما أفقد المدينة جزءًا من رونقها وهدوئها الذي كان يستقطب الزوار الباحثين عن الطمأنينة والجمال”.
وأكد الحضري أن العديد من الزوار وصفوا شفشاون بأنها تحوّلت إلى “مشروع تجاري مفتوح”، تُباع فيه الجدران وتُستغل فيه كل الزوايا، “مما جعل تجربة الزائر أقرب إلى معاناة يومية تتخللها طلبات متكررة للدفع، حتى في الأماكن المفتوحة”.
واعتبر أن هذا الواقع أدى إلى إحباط شريحة من السياح الذين أعادوا النظر في قرارهم بزيارة المدينة أو تمديد الإقامة فيها، ما انعكس بشكل مباشر على النشاط الاقتصادي والسياحي المحلي.
عوامل وراء الأزمة
من جانبه اعتبر عضو المعارضة بمجلس جماعة شفشاون أحمد اسلداي أن تراجع نسبة السياح في المدينة خلال موسم الصيف الحالي يعود إلى عدة عوامل أساسية، موضحا أن “الطفرة السياحية التي شهدتها شفشاون في أواخر العقد الماضي لم تكن نتاج رؤية استراتيجية واضحة، بل كانت ضربة حظ لم تُستغل بشكل جيد، حيث اعتقد البعض أن هذا الوضع سيستمر لسنوات طويلة دون أي جهد لتطويره”.
وأرجع عضو المجلس في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” التراجع إلى “غياب خطط واقعية” تُعنى بالسياحة على المدى القريب والمتوسط والبعيد، إضافة إلى نقص في وجود منتجعات سياحية قادرة على تخفيف درجات الحرارة على الزوار وتوفير متنفس لأطفالهم.
كما اعتبر أن تأخير بلدية شفشاون في الإعداد للموسم السياحي والتسويق له، بالإضافة إلى غياب التكوين والتأطير من قبل الجهات المسؤولة عن الشأن السياحي، من أبرز الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع.
وذكر اسلداي أن بعض العاملين في القطاع السياحي، خصوصًا مندوبية السياحة وممثليها بالمدينة، “يقدمون خدمات غير مرضية بأساليب تواصل غير مناسبة، ما يسيء لصورة المدينة”.
وأعاد عضو المعارضة جزءًا من المسؤولية إلى وجود صفحات وهمية وحسابات مدفوعة الأجر تروج لصور سلبية ومغلوطة عن المدينة، مستخدمة ذلك لتصفية حسابات شخصية والبحث عن “دريهمات البوز”، ما ساهم في “تشويه سمعة المدينة”.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، “لم يقدم لشفشاون أي دعم، رغم أن المدينة تُعتبر من أهم رموز المغرب على المستوى الدولي، حيث تُستخدم صورها في أكبر المشاريع والبرامج، لكنها لا تستفيد منها سوى بنسبة لا تتجاوز 2% فقط”.