story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

“التطبيع” والانتخابات و”العقاب الشعبي”.. في معنى “السياسة اللسانية”!

ص ص

تأبى أزمة بعض من يُحسَبون على اليسار إلا أن تعبّر عن حقيقتها بين الفينة والأخرى، وكأن أصحابها مغيبون نظريا وفكريا، بل عن واقعهم السياسي نفسه. “يسار” عوض مفهوم “الطبقة” بمفهوم “الشعب”، و”الحقيقة التاريخية” بـ “الزيف الإيديولوجي”، و”الحقيقة الموضوعية الملموسة” بـ”الشعور السيكولوجي”؛ “يسار” عوض “عقله” بـ “لسانه” فلم يجد غير نقيض إيديولوجي ليجعل منه “حائطا للمبكى” على تاريخ لم يفهَم، وعلى “خصوصية سياسية” لم تُعتبَر، وتجربة سياسية انتهت ب”الخِدمة” على هامش الممارسة السياسية أو بين ثناياها. وما يثير “الإستغراب” هو أن هذا “اليسار” -ويا للعجب- ينطق بلسان “الثورة” في عز أدائه للوظيف بتفانٍ واعتزاز! سنقدم لهذا اليسار ثلاثة دروس في الفهم “اليساري” (الماركسي) لمسائل:”الشعب”، و”التطبيع”، و”الانتخابات”؛ ومن خلال هذه الدروس سنكون قد وضعنا هذا النوع من “اليسار” أمام مأزقه النظري الذي لا تنهيه “مأساة” أخرى في “نقيضه الإيديولوجي”!

-في مسألة “الشعب”؛ وهو الشعب الذي من فرط ميتافيزيقيته في أذهان بعض الفاعلين السياسيين أصبح مطية كل متحدث، في شبه امتلاك وجداني بدل امتلاك تاريخي يتأسس على الوعي التاريخي بمفهوم “الشعب”. “الشعب” هو كل من يسكن إقليم الدولة ويخضع لنظام سلطتها، إنه كل السلطة والخاضعين لها. هذا تعريفه السياسي المعروف، فماذا عن تعريفه التاريخي والاجتماعي؟ إنه وحدة من الطبقات والفئات والكتل الاجتماعية، وبشكل عام: وحدة من التناقضات الاجتماعية الرئيسية والثانوية، وهي التناقضات المعتملة بين أطراف رئيسيِّين وثانويِّين ضمن الوحدة الاجتماعية ذاتها. “اليسار” الذي يحتكر فعل “الشعب” وينسبه لهذا الطرف أو ينزعه عن ذاك؛ هذا “اليسار” لا يهتم بطرح أسئلة عن المكونات الاجتماعية للشعب، لا يهمه كيف تتمظهر البنى الاجتماعية إيديولوجيا؛ كل ما يفعله هو نسبة مفهوم “الشعب” إلى هذا الفعل السياسي أو ذاك، أو نزعه عن هذا الفعل أو ذاك، بما يخدمه سياسيا وإيديولوجيا. ويا للمفارقة، يكثر بعض “اليسار” من الحديث عن الشعب، بل يحتكر فعله، غير أنه يبقى على هامش الشعب وحركته وواقعه. ولو كان يمثل الشعب فعلا، لما بقي حبيس الهامش!

-في مسألة “التطبيع”؛ إن “التطبيع” مع الكيان الصهيوني حمّال وجهين، منه المباشر ومنه غير المباشر. وإذا كان “التطبيع المباشر” معروفا بظاهره وبنقيضه الاحتجاجي والنقدي، فإن نوعا آخر من “التطبيع” ما زال خفيا ويستعصي على وعي أغلب الفاعلين في موضوع “القضية الفلسطينية”. وهذا هو “التطبيع غير المباشر”، والذي يحصل بجملة قراءات زائفة: تجزيئية غير كلية، أو إيديولوجية غير موضوعية، أو شعورية غير واقعية. الأولى من قبيل معاداة الكيان و”التطبيع” مع أجندة أصله (الغرب الإمبريالي)، والثانية من قبيل رفض الكيان والسقوط في مخططه بدوافع إيديولوجية (مع المقاومة ضد “استبدادها”/ ضد “اليمين المتطرف” مع إثارة عدوانه)، أما الثالثة فمن قبيل توهم الهزيمة في انتصار (تغير السياسة في “إسرائيل” لمصلحة نقيض “اليمين المتطرف”) أو توهم الانتصار في هزيمة (التفاؤل المبالغ فيه بانتصارات تكتيكية في حرب تقوي “اليمين المتطرف” حال استمرارها). أخطر “تطبيع” يعاني منه الوطن العربي هو ذلك الذي يتم تحت قناع “النصرة”، فيما باطنه تقاطع إيديولوجي وسياسي مع “اليمين الإسرائيلي المتطرف” و”المجمع الصناعي العسكري الأمريكي”.

-في مسألة “الانتخابات”؛ الانتخابات عملية سياسية، آلية تعكس كباقي الآليات الواقع التاريخي للمجتمع الذي تتم فيه. وعندما نكون بصدد مجتمع يتساكن فيه القديم والحديث، وتتداخل فيه البادية والمدينة، وتُمارَس فيه السلطة بالحداثة والتقليد، وتُضبَّب فيه الحدود الاجتماعية الفاصلة بين هذه الطبقة وتلك، وتَحُول الممارسة السائدة فيه بين بنى الإنتاج والتعبير السياسي الذي يعكسها، وتتغير فيه الخرائط والقواعد الانتخابية باستمرار، وتراعى فيه التحولات الدولية والإقليمية والعلاقات الدولية؛ في مجتمع كهذا تصبح العملية الانتخابية معقدة يعسر التنبؤ بنتائجها، وتتضح معالمها كلما اتضحت الغاية العامّة منها. إن القفز على كل هذه العوامل المتدخلة لتحليل النتائج الانتخابية بمحض افتراض، أو بمحض تحيز إيديولوجي، لا يكشف الحقيقة بل يسترها بالأقنعة. ويا للمفارقة، عندما يتحول جزء من “اليسار” إلى وسيلة لتزييف حقيقة الواقع السياسي بدل إظهارها وفهمها كما هي في “واقعها الملموس”!

لقد رضي بعض “اليسار” أن يمارس سياسة النظام السياسي، أو جزءا من هذه السياسة -على الأقل-، من موقع المعراضة. من يحكم على المسائل بظواهرها لا يرى هذه المعارضة/ التأييد، ولا يعرف كيف يضعها في وحدة سياسية واحدة هي وحدة “النظام السياسي”. هذا موقع من المواقع التي تفرضها “الخصوصية السياسية”، وهو موقع من ضرورتها، غير أن غياب الوعي السديد به يؤدي إلى: ضعف النجاعة في أداء “الوظيف” من جهة، وتقييد الوعي السياسي الجمعي والنخبوي بتقابلات وتناقضات لا تاريخية ولا ملموسة من جهة أخرى. ليس هذا عيبا في وعي بعض فئات “اليسار” فحسب، بل هو عيب عام في الحركات الاجتماعية المغربية. إنها لا تجيد التموقع والاقتراح والمبادرة والفعل السياسي والنقابي والثقافي حسب ما تسمح به الضرورة، وإنما يتراوح وجودها بين إرادوية لا واقعية وفقدان شبه كلي للإرادة. وهذه أزمة فكرية وسياسية كبيرة يجب أن نستحضرها ونحن نتساءل عن أسباب ضعف الحركات الاجتماعية.