إلياس بن الصغير.. أمير مغربي في إمارة موناكو

ص
ص
كانت لفترة جائحة كورونا نتائج مدمرة على كثير من الناس حول العالم، وتركت جراحا اجتماعية ونفسية داخل العديد من الأفراد والمجتمعات، وكادت أن تغير مصير عدد هائل من الموهوبين في شتى المجالات الذين كانوا يسيرون بثبات في طموحاتهم الشخصية حتى فاجأتهم تداعيات الوباء اللعين على وضعيتهم الأسرية والشخصية.
الفتى المغربي ـ الفرنسي الواعد إلياس بن الصغير اللاعب الحالي لنادي موناكو، كان واحدا من أولئك الموهوبين الذين كاد أن ينقلب مصيرهم فجأة وتضيع أحلامهم، عندما أجهز الوباء اللعين على حياة والده وتركه يتيما في ذروة انفجار موهبته وحاجته إلى سند يفهم عالم كرة القدم ويوجهه إلى الإختيارات الصحيحة.
إلياس بن الصغير دخل في أزمة نفسية صعبة بعد رحيل والده، وانقطع عن ممارسة كرة القدم وكل ما يتعلق بها لأكثر من شهرين، حتى أخرجته عائلة أحد أصدقائه من عزلته وأزمته النفسية، وعرضوا عليه السفر معهم إلى تونس لقضاء عطلتهم السنوية، عاد منها بمعنويات جديدة، ومصمما على مواصلة مشواره الكروي ليحقق حلم والده في أن يراه نجما كبيرا في عالم كرة القدم.
نشأة طفل موهوب
في العاشر من فبراير من سنة 2005 ولد إلياس بن الصغير في غاسين الفرنسية، وهي بلدة صغيرة تقع على بعد ثمانية كيلومترات من سان تروبي، ونشأ في كوكولين بإقليم فار، في عائلة مغربية مهاجرة أصلها من مدينة تنغير.
ظهرت موهبته الكروية بشكل مبكر داخل عائلته الرياضية التي كان له فيها شقيق أكبر يسمى سليم بن الصغير كان يلعب في الفريق الرديف لنادي أولمبيك مرسيليا، إلياس ألحقته أسرته في سن السابعة بالنادي الإجتماعي لبلدة كوكولين، وهناك تم رصده من قبل مسؤولي أكاديمية نيس، التي كانت تقع على بعد أقل من ساعة بقليل من منزله. الطفل إلياس بن الصغير تكلف والده بنقله بانتظام لتدريباته ومبارياته.
في حوار مع مجلة “أونز مونديال”، يروي إلياس أول علاقة له مع كرة القدم:
“لقد نشأت مع أمي وأبي. لدي أخ أكبر يلعب كرة القدم أيضًا. بدأت ممارسة كرة القدم في الملعب وأسفل العمارة حيث كنا نقطن. لقد استمتعت كثيرًا لدرجة أنني انضممت إلى نادٍ قريب من منزلي، في كوكولين.هذا النادي قريب جدًا من قلبي، لأنني فعلت كل شيء هناك. لقد قمت بتمريراتي ومراوغاتي الأولى بهذا القميص. بعد ذلك، أخذني مدربي إلى “فريوس” لمدة عامين قبل الانضمام إلى مركز التكوين في إيكس أون بروفانس في سن الرابعة عشرة، مما ساعدني على تطوير مستواي وتعلم أشياء جديدة في خطط اللعب، وأهلني للإنضمام إلى أكاديمية موناكو”.
موناكو مدرسة النجوم
في عام 2020، انضم إلى مركز التدريب التابع لنادي موناكو، منجذبًا إلى سمعة التميز التي تتمتع بها أكاديمية نادي الإمارة. بعد اندماجه في فريق تحت 17 عامًا، سرعان ما أثبت نفسه كقائد فني وهجومي، وساهم بشكل كبير في نجاح فريقه. أداؤه لا يمر دون أن يلاحظه أحد وسرعان ما يلفت انتباه كل المؤطرين وخبراء الفئات الصغرى الذين شاهدوه.
في نفس الحوار مع مجلة “أونز مونديال”، يشرح بن الصغير سبب اختياره للانضمام إلى نادي موناكو: “كان أخي في مركز تدريب نادي نيس، لكنني فضلت أكاديمية موناكو. كان لدي خيارات أخرى، فاخترت القرب من عائلتي. عرضت عليّ موناكو مشروعًا رائعًا. لم لدي سوى كرة القدم ولا شيء آخر في حياتي. كنت مصرا على مواصلة مشواري الدراسي أيضا، وكان ذلك يتطلب مني مجهودا مضاعفا، وكنت واعيا بأن ذلك قد ينفعني من أجل وظيفة مستقبلية في حالة عدم نجاحي في كرة القدم. إذ كنت مهتما بالعمل في مجال العقارات. ودرست مادة لإدارة الأعمال العقارية والمفاوضات والجانب القانوني وكل شيء آخر. الحياة في موناكو رائعة ومحفزة على العمل”.
رحلة التألق
في بداية موسم 2022/2023، وقع مع موناكو أول عقد احترافي حتى عام 2025. وظهر لأول مرة في مباراة رسمية مع الفريق الأول خلال الدوري الأوروبي ضد ريد ستار بلغراد في نونبر 2022. كما تم إشراكه لأول مرة في الدوري الفرنسي في دجنبر 2022 في مباراة ضد أوكسير، سجل فيها هدفين.
كان ذلك الموسم يعرف تنظيم كأس العالم بقطر خلال شهري نونبر ودجنبر، مما أدى إلى رحيل نصف لاعبي الفريق الأول للمشاركة مع منتخباتهم في الحدث العالمي، الشيء الذي فسح المجال للاعبين الشباب للإحتكاك أكثر بالطاقم التقني ولعب المباريات الودية بشكل أساسي، وهناك برزت موهبة ومهاراتن إلياس بن الصغير، انتهت بأخذ مكانة رسمية في الفريق حتى بعد عودة اللاعبين الدوليين من منتخباتهم.
يحكي إلياس بن الصغير لصحيفة “ليكيب” عن تلك الفترة: “انضممت إلى المجموعة أثناء التحضير للصيف. لقد شاركت في بعض المباريات في فترة ما قبل الموسم، بما في ذلك المواجهة المزدوجة ضد بورتو. أعتقد أنني قمت بأشياء جيدة، مما سمح لي بالاقتراب قليلاً من المجموعة”. وأضاف “
أدركت بسرعة أن هناك احتمالًا قويًا بأن أشارك لأول مرة في الدوري الفرنسي لأن المعد البدني طلب مني تكثيف عمليات الإحماء مع يوسف (فوفانا) و(ألكسندر) جولوفين في نهاية الشوط الأول. في غرفة تبديل الملابس، أعلن المدرب عن تغييرات تكتيكية كنت من بينها”.
ويتذكر إلياس تلك اللحظة المميزة في مساره: “كل شيء يندفع في رأسك بسرعة كبيرة. عندما يتم إخبارك بأنك ستدخل إلى المباراة، فإنك ببساطة تحاول أن تكون جاهزًا، ومع ذلك، يجب أن أعترف بأنني فكرت في مستقبلي عندما رفع الحكم الرابع رقمي من أجل الدخول، وقلت لنفسي هذا كل شيء، مسيرتك الكروية بدأت”.
كان ظهوره الأول مع الفريق الأول لموناكو في نوفمبر 2022 نتيجة العمل الجاد والموهبة التي لا لا تخفى على أحد، حيث لعب 23 مباراة وسجل 4 أهداف وصنع 2 في رصيده. كان موسم إلياس بن الصغير 2023/24 واعدًا، لكن لسوء الحظ شابته الإصابات.
مواجهة الصعاب
خلال فترة ما قبل الموسم الماضي، تعرض إلياس لإصابة في أوتار الركبة. وهو ما حرمه من أول 11 مباراة في الموسم. عاد إلى المنافسة في 22 أكتوبر 2023 ضد إف سي ميتز، لكن فرحته لم تدم طويلاً حيث أصيب في وركه أثناء لقاء مع فريق فرنسا تحت 19 عامًا، بعد سبعة أيام فقط.
ورغم هذه الإصابات، أظهر بن الصغير موهبته وتصميمه عند عودته إلى الملعب في يناير 2024. ومدد عقده مع موناكو حتى عام 2027 وأصبح عنصرا أساسيا في الفريق. في 10 مارس، منح فريقه الفوز على آر سي ستراسبورغ بفضل هدف حاسم. واصل تقديم مساهمته من خلال تقديم تمريرة حاسمة إلى تاكومي مينامينو خلال الفوز في ميتز (5-2) في 29 أبريل.
“لن أخفي سرا، الموسم الماضي كان صعبًا للغاية بالنسبة لي. لست بالضرورة معتادًا على التعرض للإصابة أو الابتعاد عن الملعب. لذلك كانت لدي مرحلة سيئة. لكن بفضل موظفي النادي، وبفضل المدرب، وبفضل زملائي، تمكنت من استعادة لياقتي.وكان هذا هو الهدف من فترة النقاهة هذه، وهو تقوية نفسي بدنيًا أيضًا لأنه عندما بدأت في الدوري الفرنسي، ربما كنت نحيفا بعض الشيء. لقد تمكنت من زيادة وزني وتقوية بنيتي الجسدية، وعملت على نقاط ضعفي، لأكون كاملاً قدر الإمكان اليوم”.
بين فرنسا والمغرب
دافع إلياس بن الصغير عن ألوان فرنسا في فئات الشباب. ومع منتخب فرنسا، شارك لاعب الوسط المهاجم الشاب في بطولة موريس ريفيلو عام 2023، حيث لعب 4 مباريات وسجل هدفين.
كما شارك بن صغير في تصفيات كأس الأمم الأوروبية تحت 19 سنة في نفس العام بثلاث مباريات وتمريرتين حاسمتين. بعد إصابته خلال فترة كأس الأمم الأفريقية 2023، أعاد النظر في قراره بشأن مسيرة دولية نهائية واختار المغرب، بلد والديه.
خلال فترة التوقف الدولي في مارس 2024، كان ضمن القائمة النهائية لوليد الركراكي للمباريات الودية ضد أنجولا وموريتانيا.
وبعد يومين، في مؤتمر صحفي نقلته صحيفة ليكيب، أوضح اختياره:
“أنا محظوظ لأنني قادر على اللعب لدولتين عظيمتين في كرة القدم. لقد كان خيارًا معقدًا، ولكن تم التفكير فيه بعناية. لقد اتخذت هذا القرار منذ حوالي شهر. لكن مع إصابتي، كان الأمر معقدًا بعض الشيء. الآن بعد أن أشعر أنني بحالة جيدة جدًا، قررت أن أقوم بهذا الاختيار”.
وحسم أمر الإختيار قائلا: “لم يعد هناك حاجة لإعادة التفكير في الأمر، وأنا فخور جدًا باختياري. لقد قمت بهذا الاختيار بناءً على جذوري. والداي مغربيان وجذوري كلها كذلك لقد حاولت الجامعة الفرنسية لكرة القدم الاحتفاظ بي، لكنني فضلت المغرب، لأنه عندما يتصل بك، من الصعب أن ترفض، ولقد أظهر لي وليد الركراكي مشروعًا جيدًا للغاية وأظهر لي الحب الذي يكنه لي ورغبة الجميع في المغرب لأن ألعب للفريق الوطني، هذا هو أصلى. لقد كنت في مراكش هذا الصيف، وكنت أيضًا في كأس الأمم الأفريقية تحت 23 عامًا ورأيت الحماس الذي يكنه الناس للاعبين حتى في الفئات الأخرى. كان شيئا لا يصدق”.
في يونيو 2024، سجل هدفه الدولي الأول ضد زامبيا بعد تمريرة حاسمة من إبراهيم دياز ضمن تصفيات كأس العالم 2026 (الفوز 2-1). بعد أربعة أيام، قدم تمريرة حاسمة في الهدف الأول الذي سجله عز الدين أوناحي ضد الكونغو (الفوز 0-6).
وفي 4 يوليو 2024، تم اختياره من قبل طارق السكتيوي ضمن قائمة تضم 22 لاعبا مع المنتخب المغربي لأقل من 23 سنة للمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية 2024 وكان أول الألقاب هناك بعد الفوز بالميدالية البرونزية لأول مرة في تاريخ المغرب.