story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

إسرائيل ربحت وإيران لم تخسر.. بعد

ص ص

لو توقّفت المعركة الإيرانية الإسرائيلية، ولو تدريجيا، بعد الضربة الأمريكية للمواقع النووية الإيرانية ليلة السبت 23 يونيو 2025، لجاز لنا القول إن طهران خرجت منتصرة.

لكن تصريحات الرئيس الأمريكي ومعه بعض رموز إدارته ليلة الأحد، توحي بأن شرط الاستسلام قائم، والخيار في الطريقة فقط: دبلوماسي أو عسكري؟

دعونا لا نستبق الأحداث، خاصة أن التطوّرات تحصل بسرعة تتناسب مع إيقاع عصر الشبكات الاجتماعية، أي بين دقيقة وأخرى. ولنعد رسم المشهد بأقصى ما نستطيع من موضوعية وتجرّد مما نكره أو نشتهي.

انطلقت المعركة بقرار إسرائيلي، أي عبر عدوان غادر تحت مظلة تفاوض كان يفترض أنه برعاية أمريكية-أوربية. وكانت أهداف إسرائيل من هذه الحرب ثلاثة:

• تفكيك البرنامج النووي الإيراني؛
• وإضعاف الدفاعات والبنية العسكرية الإيرانية؛
• ودفع النظام الإيراني إلى تنازلات تحت تهديد سلاح تغييره بتواطؤات داخلية.

ولنقل إنها نجحت إلى حدّ كبير في الأهداف الثلاثة.

أما إيران، فكانت وهي تدخل هذه الحرب مكرهة، تسعى إلى صدّ الهجوم أولا، وقد وصفناه هنا في هذا الركن ومنذ اليوم الأول ب”الهلاك الذي زار إيران”، ثم تعزيز موقفها التفاوضي مع الغرب في الملف النووي، ثم تعزيز قوة وتماسك النظام عبر انتهاز فرصة الاستهداف الخارجي لرصّ الصفوف.

ولنقل أيضا إن طهران نجحت بشكل كبير في تحقيق هذه الغايات.

لكن في الحروب والصراعات الدولية، لا مجال للحديث عن “التعادل”. و”غرفة الفار” في هذه الحالة لا تكون باسترجاع لقطات الماضي، بل باستشراف انعكاسات ما جرى على المستقبل.

هنا نصبح في حلّ من استحضار عدد الصواريخ التي سقطت، أو الأهداف التي دمرت، بل يجب أن يُنظر إلى الأمر من زاوية تحقيق الأهداف بعيدة المدى، واستدامة النفوذ، وكلفة الحرب السياسية والعسكرية والدبلوماسية على كل طرف، وقدرة الجبهة الداخلية على التحمّل…

ونكتشف أن إسرائيل، بعد ضربتها المباغتة الأولى، والضربة الأمريكية اللاحقة، قد حقّقت نصرا عسكريا واضحا على إيران. بينما هذه الأخيرة استطاعت الصمود، إلى حدود اليوم العاشر من المواجهة “السماوية”، أي عبر الأسلحة الجوية والصاروخية.

من هنا يجوز القول إن طهران حققت نصرا استراتيجيا، وفق منطق الحرب “غير المتكافئة”، أو ما يُعرف بـ “الانتصار غير المتناظر” (Asymmetric Victory)..

ففي الحروب غير المتكافئة، كما هو الحال في حرب المقاومة ضد الاحتلال، أو حرب الضعيف أمام القوي، لا يُقاس النصر بعدد القتلى أو الصواريخ، بل بـمن صمد أكثر مما كان متوقعا؟ ومن فرض روايته على الرأي العام؟ ومن حوّل نقاط ضعفه إلى أدوات قوة؟ ومن خرج من الحرب أقرب إلى تحقيق أهدافه طويلة الأمد؟

كل هذه الأسئلة تُرجّح الكفّة لصالح إيران، خاصة أنها خرقت سقف المستحيل، وباتت أول دولة على الإطلاق ومنذ ظهور المشروع الصهيوني في فلسطين، تقصف عمق إسرائيل بالصواريخ وعلى مدى أيام.

لقد قامت تنظيمات مقاومة أخرى بهذا الأمر، مثل حزب الله اللبناني وحماس الفلسطينية، لكنها أول تجربة من نوعها من جانب دولة، وهو ما يكسر صورة “القلعة الإسرائيلية المحصّنة”، ويقوّض نظرية الردع الإسرائيلي المطلق ضد محيطها العربي-الإسلامي، ويثبت أن إسرائيل لم تعد عصية على الضرب.

كما أن النظام الإيراني استعاد توازنه بعد ترنّحه عقب الضربة الأولى، وأدار المعركة بحنكة كبيرة، واكتسب تعاطفا افتقده طيلة عقود في الشارعين العربي والإسلامي.

بل إن طهران حقّقت، ولو نسبيا، انتصارا في جبهة “السردية”، حيث أظهرت خصومها بوضوح في موقف المارقين والخارجين على القانون.

من هنا يمكن القول إن إيران باتت منتصرة بعد الضربة الأمريكية المحدودة والتي لم تتجاوز عتبة رفع العتب وحفظ ماء الوجه، لأنها خاضت المعركة دون قوة جوية تذكر، في مقابل أكبر القوى العسكرية في العالم وأكثرها سيطرة جويا، وتمكّنت من ضرب العمق الإسرائيلي بانتظام، وبفعالية متزايدة من حيث نسبة الصواريخ التي تصل إلى أهدافها، رغم أنها منهكة بسنوات الحصار والعقوبات.

هل هذا يعني أن إيران صارت قوة عظمى إقليميا؟
لا.

هل يعني أنها أنهت التهديد الإسرائيلي؟
بالتأكيد لا.

لكنه يعني، بكل وضوح، أن الشرق الأوسط بعد هذه الحرب، إذا توقّفت المعركة هنا، ليس كما كان قبلها. وأن إسرائيل لم تعد وحدها صاحبة اليد الطولى، وأن الرعب لم يعد أحادي الاتجاه.

ويبدو أن إيران، بما تملك وما تفتقد، بما عانته وما صمدت له، قد كسبت جولة استراتيجية. لا لأنها سحقت العدو، بل لأنها بقيت واقفة… في وجهه. وهذا وحده نصر.

نصر البقاء، ونصر الاستمرار، ونصر القدرة على إرباك الخصم وإعادة ضبط قواعد الاشتباك.

لهذا عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الحديث عن إسقاط النظام مساء الأحد 22 يونيو 2025.

فالرجل وبعدما تأكد من خسارة رهانه على نيل جائزة نوبل للسلام، بات موقنا أنه حجز لنفسه تذكرة ذهاب دون إياب، في مقعد مجاور لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، نحو أقل صفحات التاريخ تشريفا وإشراقا.

وهما بالتالي شريكان في توقيع إحدى أحلك صفحات العربدة والخروج عن القوانين والقواعد الراسخة في تدبير المجتمع الدولي، وهو ما يستحيل أن يطول، لأن العالم في حاجة إلى عودة منطق القواعد وحفظ التوازنات، وسيلقي بهما سريعا في زاوية النبذ والنسيان.

لقد ربحت إسرائيل الجولة، لكن إيران لم تخسر (بعد) المعركة، وهو ما لا يمكن أن يقبل به الطرف القوي بقاذفات الشبح وجرأته على العربدة، إلا إذا أبانت القوى الأساسية في المعادلة الآخذة للتشكل، عن دور أكبر، وهو ما يبحث عنه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي اليوم، بزيارته لموسكو…

لنتابع!