story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

أي مستقبل لنشر الكتاب في المغرب؟

ص ص

حصيلة النشر في المغرب التي أعلنتها مؤسسة آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية في الدار البيضاء الأسبوع الماضي مثيرة للاستغراب. وهذا الاستغراب، عندي وعند غيري من بعض المهتمين بالكتاب ممن تابعت آراءهم خلال الأيام القليلة الماضية، نابع من أن نشر الكتاب لم يستعد بعد عافيته؛ ومن ثمة، وتيرته التي كانت تنم، قبيل انتشار وباء ‘كوفيد 19’، عن تزايد وانتعاش مطرد في مجال التأليف وصناعة الكتاب عموما. ظاهريا، يبدو أن هذا التراجع يعود إلى عوامل ذاتية، لكن التأمل في الواقع يفترض وجود عوامل موضوعية تؤثر فيه سلبا بنسبة كبيرة.
دعونا نتساءل، في البداية: هل بدأ المؤلفون المغاربة يتخلون تدريجيا عن تأليف الكتب؟ ربما يكون الأمر كذلك، لكن من غير أن يعني ذلك استنكافا عن الكتابة والتأليف. ثمة ما يفيد أن فئة مهمة من الكتاب أضحت اليوم تتوجه إلى نشر الدراسات والمقالات، خاصة في المجلات الخليجية، لأنه مدر للدخل، مقارنة مع النشر في الكتب. وتبين قراءة مقارنة في تقارير مؤسسة آل سعود خلال السنوات العشر الأخيرة أن عدد المجلات المغرب لم يتراجع، كما هو شأن الكتب (497 مجلة في تقرير سنة 2016، مقابل 496 في تقرير السنة الحالية). يدل هذا على زخم النشر في المجلات والدوريات، وعلى أهميته في التواصل مع القراء.
من جهة ثانية، وخلافا لكل ما يقال عن تأثير ‘كورونا’ السلبي في صناعة الكتاب، يمكن الاستشهاد بما قاله عدد كبير من الكاتبات والكتاب المغاربة عن تضاعف نشاطهم التأليفي خلال فترة العزل الصحي خصوصا، للتأكيد على أن تراجع وتيرة النشر في المغرب تعود إلى أسباب موضوعية أخرى، لا علاقة للمؤلفات والمؤلفين بها. وكنت قد تساءلت في فترة ما، أيام ‘كورورنا’، عن مدى قدرة الناشرين على استيعاب الكم الهائل الذي سينتجه التفرغ إلى الكتابة بعد الخروج من فترة العزل الصحي.
وبما أن الأمر سار على هذا النحو، سواء في توجه الكاتبات والكُتاب إلى المجلات- أو بالأحرى عودتهم إليها- وانفتاحهم النسبي، لكن المتزايد إلى حد ما، على النشر الإلكتروني، أو في دحض مقولة تأثير ‘كورونا’ السلبي في الكتابة والتأليف، فإن المنطق يدعو المهتمين بشأن الكتاب إلى أن يتساءلوا عن دور مؤسسات النشر أولا. ما الذي قدمته هذه المؤسسات لطبع الكتاب ونشره وتوزيعه، علما أنها ظلت تتلقى دعم الحكومة بالوتيرة نفسها، أو ربما بشكل أفضل عما كان قبل الوباء؟ وهل يفكر الناشرون المغاربة في استراتيجية ما لاستعادة ثقة الكاتبات والكتاب- أو على الأقل أولئك العائدين إلى حضن المجلات المغربية والعربية؟ لو سألت أي كاتب عن علاقته بناشره، ستجده مستاء ساخطا، كونه لا يتلقى أي حقوق أو مكافآت عن ملكيته الفكرية، ولا يتلقى نسخا كافية من مؤلفاته أو لا يحصل عليها البتة، إن لم تكتشف أنه يجبر أحيانا على دفع المال “من أجل المشاركة في تحمل أعباء الطبع،” كما يتحجج أغلب الناشرين. والمجال هنا يضيق بذكر قضايا الكتاب المرفوعة في محاكم العالم العربي ضد الناشرين، أو بشكاواهم الموضوعة على مكاتب اتحادات الكتاب واتحادات الناشرين، من غير أن تلقى أذانا صاغية.
ومن جانب آخر، وجب أن نتساءل: ما دور وزارة الثقافة، بمديرياتها المركزية والجهوية والإقليمية، في احتضان الكِتاب ورعايته وتطوير صناعته ونشره؟ ما عدا مشروع الدعم الذي تطرح عليه عدة علامات استفهام، لا تقدم الوزارة- للأسف الشديد- أي استراتيجيات أو مشاريع أو خطط لتحقيق نهضة، كيفما كان نوعها، في مجال النشر والكتاب. ربما ظن البعض، عندما ‘رحَّل’ الوزير الحالي محمد مهدي بنسعيد المعرضَ من الدار البيضاء إلى الرباط، أن الأمر يتعلق بمحاولة تبويء هذا الحدث السنوي- ومعه الكتاب- مقاما أعلى، بما أنه صار في عهدة عاصمة الأنوار، لكنه بات مجرد فرصة اقتصادية تستنفد الملايير المعلومة في إطار صفقة تطرح، هي الأخرى، عدة علامات استفهام.
وبما أن الكتاب يعيش هذه الحال، فإن مستقبله سيبقى غامضا إلى أن تحين فرصة المؤمنين بها في تدبير شأنه.