story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
اقتصاد |

أرقام قياسية تضعه في صدارة المستوردين.. لماذا تراجع إنتاج الحبوب في المغرب؟

ص ص

أكد تقرير حديث صادر عن وزارة الزراعة الأمريكية (USDA) أن المغرب يعد ضمن كبار مستوردي الحبوب في العالم، وذلك نتيجة للجفاف المستمر منذ سنوات، وتزايد الاستهلاك، وتزايد احتياجات قطاع الثروة الحيوانية، من جهة، ونتائج السياسات العمومية المتبعة في المجال الفلاحي، من جهة أخرى، ما أدى إلى وصول واردات القمح والذرة والشعير إلى مستويات مرتفعة.

وتوقّع التقرير أن يستورد المغرب 10,5 ملايين طن من القمح خلال الفترة 2025-2026. كما يشير إلى أن شمال إفريقيا ككل قد يستورد ما بين 27 و32 مليون طن من القمح، في حين قد تصل واردات المنطقة من الذرة إلى 20,2 مليون طن، وفقاً للمصدر نفسه.

أما بالنسبة للشعير، فيظل المغرب مستورداً منتظماً لهذا النوع من الحبوب، الضرورية لتغذية القطيع وخاصة الأغنام. ويقدّر التقرير وارداته بنحو 700 ألف طن خلال 2026-2025.

وعلى خلاف القمح والذرة، يسجل المغرب انخفاضا طفيفا في واردات الأرز، التي يُرتقب أن تتراجع إلى 2,7 مليون طن بعد أن بلغت حوالي 4 ملايين طن في المواسم السابقة.

مخلفات مخطط المغرب الأخضر

في تعليقه حول الموضوع، قال الخبير في الموارد المائية محمد بازة إن العوامل التي تجعل إنتاج الحبوب بالمغرب يتراجع إلى هذه المستويات تتجاوز الجفاف وحده، مبرزا أن أول عامل يتمثل في تقليص المساحة المزروعة بالحبوب خلال السنوات الماضية.

وأوضح في هذا السياق، أن مخطط المغرب الأخضر (الجيل الأخضر حاليا)، قلّص هذه المساحة بـ1,7 مليون هكتار لزرع محاصيل ذات قيمة مضافة أعلى مثل التفاح والخوخ والزيتون، وهي مساحة كانت تُعد من أفضل الأراضي البورية المنتجة للحبوب في المغرب.

وبيّن بازة أن هذه الأراضي التي تم تحويلها إلى التشجير كانت تمثل جزءًا أساسيًا من الطاقة الإنتاجية الوطنية، مشيرا إلى أن بعضها يوجد في مناطق لم تتأثر بالجفاف الأخير، ما كان سيضمن إنتاجًا أكبر لو لم تُقتطع تلك المساحات.

وأعطى مثالاً على ذلك بسهل سايس الذي كان من أهم مناطق إنتاج القمح قبل التحويل، وبيّن أن سايس لم يعرف الجفاف الحاد الذي ضرب مناطق أخرى في السنوات الأخيرة، ما يعني أنه لو ظلت تلك الأراضي مخصصة للحبوب لكان إنتاج المغرب اليوم أعلى بكثير، ولما كان تأثير الجفاف بهذه الحدة على المستوى الوطني.

“إهمال” المجال القروي

أما بخصوص العامل الثاني وراء تراجع إنتاج الحبوب، فقد أكد بازة أنه يتمثل في ضعف العناية بالعالم القروي، وخصوصًا الأراضي البورية التي تمثل أكثر من 80٪ من الأراضي الفلاحية بالمغرب.

وقال في هذا الإطار، إن السياسات الفلاحية ركزت منذ 2008 على الفلاحة المسقية، في حين ظلت الأراضي البورية تحظى باهتمام محدود رغم أهميتها في إنتاج الحبوب، لافتا إلى أن “الفلاحة البورية تشكل أساس الإنتاج الوطني ومفتاح الأمن الغذائي”.

وأضاف أن هذه الأراضي البورية كانت تضم إمكانات كبيرة للإنتاج النباتي والحيواني معًا، وأن تطويرها كان سيقلل من اعتماد المغرب على الواردات، موضحا أن التراجع في الاهتمام بها خلق اختلالا بين المناطق المسقية والبورية، ما أثر على العالم القروي اقتصاديا، وارتبط بانخفاض فرص التشغيل والدخل ومستوى الإنتاج المحلي للمواد الأساسية.

وأشار المتحدث إلى أن المشكل الثاني يكمن في أن الحبوب التي كانت تُنتَج بالأمطار فقط في الأراضي البورية تم استبدالها بمحاصيل مروية، إذ أعطى نموذج ما حدث في سهل سايس الذي تحول إلى غرس الزيتون وأنواع أخرى من الأشجار، وفي المناطق الجبلية بشرق الأطلس المتوسط مثل الحاجب وصفرو وأيموزار كندر وإفران، وكذلك في وزان وبولمان وجرسيف، وهو ما غيّر طبيعة الإنتاج الزراعي في هذه المناطق.

وأكد أن هذا الانتقال إلى الأشجار المسقية تم دون التهيئة اللازمة، مما أدى إلى زيادة كبيرة في الطلب على المياه بشكل عام، كما زاد الضغط على الموارد الجوفية في المغرب، مبرزا أن هذه التغيرات أسهمت في تعميق مشكلة ندرة المياه، ورفعت تحديات الأمن الغذائي والإنتاج الحيواني والنباتي في المناطق المتضررة.

طلب متزايد يواجه الجفاف

وإلى جانب ذلك، لم ينكر بازة التأثير الكبير للجفاف على الإنتاج الزراعي، موضحًا أن سنوات الجفاف المتتالية، باستثناء الشمال الغربي، قلّصت بشكل كبير من الإنتاج البوري وألحقت ضررًا واضحًا بالمحاصيل العلفية، باستثناء موسم 2020-21، مما رفع اعتماد المربين على الشعير المستورد.

وتابع أن تأثير الجفاف شمل أيضًا إنتاج الذرة المحلية المستخدمة في الأعلاف المركبة، مشيرًا إلى أن الطلب المرتفع في قطاعي الدواجن والماشية دفع المغرب إلى الاعتماد أكثر على الذرة المستوردة.

غلى جانب ذلك، أكد الخبير أن الشعب المغربي يستهلك كميات كبيرة من القمح، مما يزيد من حجم الواردات ويعكس الضغط الكبير على السوق الوطنية.

عوامل أخرى

أما بخصوص العوامل الأخرى التي أشار إليها الخبير محمد بازة، فتتجلى في كون المغرب، مثل بلدان الشرق الأوسط، لا يمكنه تحقيق اكتفاء ذاتي كامل من الغذاء، وذلك بسبب ندرة المياه وقلة الأراضي الصالحة للزراعة مقارنة بعدد السكان.

وقال إن المغرب كان مكتفيا ذاتيا قبل سبعينيات القرن الماضي، لكن مع ارتفاع عدد السكان، تراجعت المساحات الصالحة للزراعة وبدأت المياه تنقص.

وأوضح أن التمدد العمراني ساهم بدوره في هذا التراجع، مشيرًا إلى أن الضغط على الموارد المائية زاد بشكل واضح خلال العقود الأخيرة.

وفي غضون ذلك، شدد بازة على أن الاستيراد لم يعد مجرد خيار ظرفي في ظل هذه العوامل، بل أصبح ضرورة، كما أكد على ضرورة إدارة الأراضي وإعادة الاعتبار للأراضي البورية، التي تُعد عنصرًا أساسيًا لتقليل التبعية، مشددًا في الوقت نفسه على أهمية التخزين الاستراتيجي نظرًا لأهمية هذه المواد وتقلبات الأسواق العالمية.