story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

أخنوش والفتيت.. المواجهة

ص ص

تكشف تصريحات محمد أوجار، القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، عن معركة صامتة تدور رحاها بين الحزب الذي يقود الحكومة، ووزارة الداخلية.

أوجار، الذي كان يتحدث في ندوة جامعية بكلية الحقوق السويسي بالرباط حول “تحولات الفعل الحزبي” الأسبوع الماضي، تحدث بنبرة جريئة عن المضايقات التي يواجهها حزبه في موقع التدبير الحكومي، وقال إن الدولة “لا تترك مجالات كثيرة للأحزاب”، موجها نقدا حادا إلى “الدولة العميقة”، وإلى “ولاة وعمال وزارة الداخلية”.

لا يتحدث أوجار كثيرا إلى وسائل الإعلام، وتبدو مداخلاته محسوبة ومركزة، تهدف في الغالب إلى تبليغ رسائل محددة، فهو رجل إعلام خبر دواليب الإدارة والمؤسسات في مواقع مختلفة (وزير، سفير، مدير..)، وله من الدراية والخبرة ما يجعل كلامه مسموعا لدى جهات مختلفة.

قبل عام من الآن، اشتكى أوجار من “هيمنة يسارية” على مؤسسات الحكامة، في سياق تقارير سلبية لهذه الأخيرة حول أداء حكومة أخنوش، حول الشباب وارتفاع معدلات البطالة وتراجع مناصب الشغل. وبالفعل، ما هي إلا شهور معدودة، حتى تم تغيير رؤساء بعض مؤسسات الحكامة، بوضع مسؤولين جدد على رأس كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة، وكذا على رأس مؤسسة وسيط المملكة.

وقبل ذلك بأشهر، كانت قد جرى تغيير واسع في تركيبة مجلس المنافسة، بعدما كان هذا الأخير قد قضى بتغريم شركات المحروقات على خلفية تلاعبات موثقة في الأسعار.

اليوم، يوجه أوجار سهامه نحو “الدولة العميقة”،- وهو مصطلح حساس في السياق المغربي-، على اعتبار أنها كانت ولا تزال تتحكم في كتاب الدولة والمدراء العامون في الوزارات.

وقال إن الوزير يجد نفسه في مواجهة “بيروقراطية ثقيلة تتحكم فيها الدولة العميقة”، مؤكدا أن الأمر يتعلق بإرث يعود إلى مرحلة إدريس البصري. كما وّجه سهامه نحو وزارة الداخلية ممثلة في الولاة والعمال، الذين “يتحكمون فعليا في مجالس الجماعات والجهات”.

وإذ عبّر أوجار عن اتفاقه حول أولوية محاربة الفساد، فقد طرح عدة أسئلة مزعجة: هل يمكن لرئيس جماعة أن يسرق وحده؟ أين هم أعضاء لجن الصفقات العمومية؟ وأين هم أعضاء لجن المراقبة؟ وغيرهما؟ ومن يُحاسب الولاة والعمال؟ ومن يراقب كبار مدراء المؤسسات المدبرة للمال العام؟”.

وبعد أن أشار إلى تكرار التساؤلات والإشكالات نفسها منذ حكومة اليوسفي مرورا بحكومات حزب الاستقلال ثم حزب العدالة والتنمية، ختم بالقول: “نحن مع محاربة الفساد، لكن نريد أن يكون ذلك بأدوات القانون، وفي إطار دولة القانون”.

واضح من خلال كلمات أوجار مدى انزعاج قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار من دور الولاة والعمال، أي من دور وزارة الداخلية، خصوصا في ظل ارتفاع عدد الملاحقات القضائية للبرلمانيين ورؤساء مجالس الجماعات الترابية، ممن ينتمي أغلبهم إلى حزب الأحرار وحلفائه في الحكومة، إذ وصل عدد النواب البرلمانيين في السجن أو المتابعين قضائيا إلى أزيد من 50 برلمانيا، جلهم رؤساء جماعات وأعيان في دوائرهم الانتخابية.

ملاحظة سبق أن سجّلها أكثر من فاعل حزبي، إذ لا يمكن ملاحقة رئيس جماعة بدون ملاحقة العامل أو الوالي، وهو تساؤل مشروع ولا ريب. علما أن أوجار لا يعترض على ملاحقة الفاسدين من حيث المبدأ، لكنه يطالب بأن تكون المتابعات “بأدوات قانونية وفي إطار دولة القانون”، ودون انتقاء أو محاباة بين المنتخب والمعيّن، في إشارة إلى أن عددا من الملفات المعروضة على القضاء، ليست بسبب “الفساد” دائما، بل ربما بسبب حسابات أخرى، لا يمكن فصلها عن رغبة الولاة والعمال في الهيمنة والسيطرة على القرار المحلي.

إشارات تحتمل القول كذلك، بأن ما يجري هو معركة سياسية في جوهرها، طالما تكررت مع كل الأحزاب الأخرى التي قادت الحكومات المتعاقبة (الاتحاد الاشتراكي، الاستقلال، العدالة والتنمية)، والتي تتكرر اليوم بين طرفين أساسيين هما: أخنوش وحزب التجمع الوطني للأحرار من جهة، ووزارة الداخلية بولاتها وعمالها من جهة ثانية. فما المؤشرات؟ ولماذا؟

صعود أخنوش

ينحدر عزيز أخنوش من عائلة تجارية وسياسية. وسواء خلال مساره كرجل أعمال أو كفاعل سياسي، يكتنف مسيرة الرجل بعض الغموض، خصوصا في الطريقة التي راكم بها ثروته، ودور الدولة في ذلك. لكن المؤكد أنه تم إعداده مبكرا ليكون أحد رجال أعمال الملك محمد السادس، وهو معطى موثق.

ويعد أخنوش واحدا من أبرز أفراد النخبة الاقتصادية المهيمنة اليوم، والتي تشمل رجال ونساء أعمال يسيطرون على قطاعات استراتيجية بعينها. لكن الملاحظ أنه من بين كل أفراد تلك النخبة، وحده أخنوش من كسّر قاعدة مخزنية عتيقة، أي الجمع بين رجل أعمال ورجل سياسة، على غرار شخصيات قليلة في عهد الملك الراحل.

لكن ما يميز أخنوش عن كريم العمراني وإدريس جطو وآخرون، أنه وإلى جانب دفاعه المعلن عن انخراط البورجوازية المغربية في العمل السياسي والحزبي، فقد سُمح له بقيادة حزب سياسي ولد في كنف السلطة وتحت رعايتها، أي التجمع الوطني للأحرار.

لقد حاز أخنوش على كل ذلك، بالرغم من إدراكه أن طبيعة النظام السياسي القائم ترفض التداخل بين الحقول، وتحرص على الفصل بينها، وأساسا الفصل بين الاقتصاد والسياسية، تماما مثلما رفضت من قبل الاتصال بين السياسة والنقابة، أو بين السياسية والدعوة، في حالات تيارات سياسية أخرى.

لقد ولج أخنوش دائرة الفعل السياسي المباشر بعد استوزاره في حكومة عباس الفاسي (2007-2011)، وزيرا على رأس قطاع الفلاحة والصيد البحري. وهو القطاع الذي ظل يمسك به لمدة 14 عاما، بحيث ظل وزيرا للفلاحة والقطاعات المرتبطة بها في حكومتي العدالة والتنمية الأولى (2012-2016) والثانية (2017-2021)، إلى أن أصبح رئيسا للحكومة بدءا من 2021.

فكيف حصل ذلك؟ كان أخنوش قد استقال من العمل الحزبي والسياسي إبان احتجاجات 20 فبراير، ودبّج ذلك في بلاغ رسمي معلن. لكنه عاد وعُيّن وزيرا في ظل حكومة عبد الإله بن كيران، كوزير مستقل، وطيلة تلك الولاية، ظل حاضرا خلف الستار، رغم الصراع السياسي المحتدم حينها بين حزب العدالة والتنمية الذي كان يقود الحكومة، وحزب الأصالة والمعاصرة الذي كان يقود المعارضة وأغلب مجالس الجهات والجماعات المحلية. صراع انتهى بفشل الأصالة والمعاصرة في الفوز بالانتخابات الجماعية لسنة 2015، ثم الانتخابات التشريعية لسنة 2016.

إثر ذلك، طرح أخنوش نفسه بديلا عن حزب الأصالة والمعاصرة، فعاد إلى رئاسة التجمع الوطني للأحرار بسرعة البرق، ودخل في مواجهة سياسية مع عبد الإله بنكيران لمنعه من تشكيل الحكومة عن طريق عملية “البلوكاج” الشهيرة، ثم تدخل في تشكيل حكومة سعد الدين العثماني بعد تعيين هذا الأخير رئيسا لها بدلا عن بنكيران.

هكذا أصبح أخنوش منذ ذلك الوقت، رئيس الحكومة الفعلي، الذي أعاد ضبط كل الملفات بين يديه، بعدما تم منحه مفاتيح المال والإعلام والانتخابات، بما في ذلك التحكم المسبق بواسطة القانون والإعلام وغيره في نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2021، ليصبح رئيسا للحكومة، منهيا تجربة حزب العدالة والتنمية، بإزاحته خارج المؤسسات التمثيلية تقريبا.

الأيام دول

ما إن أمسك أخنوش بمقود حكومته، وظن نفسه في مأمن، حتى بدأت تأتيه الضربات من تحت الحزم ومن فوقه. وكذلك ديدن السلطة في كل مكان، فهي لا تطمئن لأحد، خصوصا أن الملفات السوداء لأخنوش كانت جاهزة، والأخطاء عديدة ومتكررة.

لم يكد أخنوش يسترجع أنفاسه فوق كرسي رئاسة الحكومة، حتى وجد نفسه في مواجهة تهمة التلاعب بأسعار المحروقات، وهي تهمة ثقيلة، سياسيا وأخلاقيا، إذ تُتهم شركات المحروقات، ومن بينها شركة أخنوش، بالحصول على أرباح غير أخلاقية تفوق 17 مليار درهم خلال سنتي 2016 و2017. وهو رقم أثبتته لجنة برلمانية في تقرير رسمي.

في يوليوز 2022، صرّح الخبير الاقتصادي محمد بنموسي بأن شركات المحروقات تحصل على “أرباح خيالية” فاقت ما بين 2017 و2022 أزيد من 45 مليار درهم. وفي مارس 2025، عاد الرجل نفسه للقول إن “الأرباح غير الأخلاقية” لشركات المحروقات منذ 2017 تجاوزت 70 مليار درهم.

تهمة سيؤكدها مجلس المنافسة في تقرير له سنة 2023، حيت وجّه الاتهام رسميا لـ9 شركات تستحوذ على سوق المحروقات، منها شركة رئيس الحكومة التي تستحوذ لوحدها على حصة 40 في المائة من السوق. لكن المجلس لجأ إلى “اتفاق صلح” مع تلك الشركات، أعادت بموجبه نحو 2 مليار درهم إلى خزينة الدولة. وكانت تلك فضيحة، شوّهت وجه أخنوش وألحقت ضررا بالغا بقواعد المنافسة والشفافية في الاقتصاد المغربي.

لا حاجة للقول إن تقرير مجلس المنافسة قد وجّه ضربة سياسية أليمة إلى سمعة أخنوش وشركاته، إذ أظهره بشكل رسمي كرجل أعمال مفترس. لكن ما يهمنا هنا هو توظيف تلك الأخطاء في سياق الصراع السياسي، سواء من قبل أحزاب المعارضة أو من قبل ذوي المصالح والنفوذ في الدولة.

في هذا السياق، يمكن إثارة ملفات عديدة، على رأسها عدد الاعتقالات والمتابعات القضائية، التي شملت لحد الآن أزيد من 50 برلمانيا، يتقدمهم برلمانيو حزب الأحرار وأحزاب الأغلبية الحكومية، أغلبهم يقبع في السجون. علاوة على عدد من رؤساء الجماعات الترابية، الذين أقيلوا من مناصبهم أو اعتقلوا أو ما زالوا قيد المتابعة القضائية.

ولعل حجم الاعتقالات هو الذي أوحى لبعض أحزاب المعارضة، ولوزارة الداخلية أساسا، التقدم بمقترحات ضمّنت في القوانين الانتخابية، وترمي إلى منع كل “المشبوهين” من الترشح في الانتخابات التشريعية المقبلة، أي كل من تحركت في حقه متابعة قضائية، ولو لم يصدر في شأنه حكم قضائي نهائي.

مقترح تحفظت عليه كل الفرق البرلمانية تقريبا، لأنه ينتهك “قرينة البراءة” كمبدأ دستوري صلب. وقد لا توافق عليه المحكمة الدستورية بعد أن يُعرض عليها القانون التنظيمي لمجلس النواب. ولأن المقترح ورقة قد تستخدمها وزارة الداخلية أو رجالاتها في هندسة اللعبة الانتخابية المقبلة، خصوصا في مواجهة الأعيان الذين قد يتمردون عليها لأي سبب كان.

استراتيجية التموقع

منذ 2016، سعى أخنوش إلى إعادة بناء وهيكلة أداته الحزبية، أي التجمع الوطني للأحرار، مستفيدا من المنطق المقاولاتي كما أشار إلى ذلك محمد أوجار في الندوة نفسها.

أبعد أخنوش كل منافسيه من الحزب، بمن فيهم ركائزه الانتخابية التقليدية لعقود من الأعيان مثل الوزير عبو في تاونات. لقد استغل حملة “الثقة” أو قافلة “100 يوم 100 مدينة” لإعادة بناء الحزب، بالانفتاح على فئات جديدة، وخصوصا ثلاث فئات تشكل اليوم نقطة قوته الرئيسية:

الأولى، هم رجال المال والأعمال في قطاعات التصدير والاستيراد، ممن يملكون المال والقدرة على التخطيط والتدبير المقاولاتي؛

وتتمثل الفئة الثانية في قوى إعلامية مؤثرة، يتم تجنيدها بالمال الخاص أو الإشهار أو بالدعم العمومي المخصص للصحافة، ويشمل ذلك ما يسمى بـ”المؤثرين”.

أما الفئة الثالثة، وهي غير ظاهرة للعموم، فتتمثل في شركات الاتصال والعلاقات العامة وشبكات الويب، ممن لهم صلات بشركات التكنولوجيا وتطبيقات التواصل الاجتماعي، ومن يقومون باسمرار بحملات رقمية لصالح أخنوش وحكومته.

الملاحظ في هذا الصدد أن الضربات التي وجّهت إلى أخنوش عرّت عن مواقع نفوذه تلك. وكشفت أن الرجل كأي رجل أعمال، حريص على تقوية وتعزيز شبكات نفوذه المالي والسياسي.

ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى أكثر من ملف، على رأسها ملف الدعم المالي والإعفاء الضريبي لفائدة شركات الاستيراد في قطاع المواشي (الأغنام، الأبقار..)، بحيث تبين لاحقا أن المستفيدين من الدعم الحكومي كانوا في حدود 18 رجل أعمال، أغلبهم من أحزاب الأغلبية الحكومية، ممن حصلوا على 1300 مليار سنتيم، بمعدل 73 مليار سنتيم لكل واحد منهم.

لا يهمنا هنا هل انعكس الإجراء الحكومي على أسعار المواشي في السوق الوطنية، وهو هدف لم يتحقق بالطبع، واضطر معه الملك محمد السادس إلى دعوة المغاربة للامتناع عن ذبح الأضحية في عيد الأضحى؛ لكن يهمنا كيف يستغل أخنوش المال العام وموقعه في رئاسة الحكومة في بناء شبكات نفوذ مالي وسياسي، لا شك سيستغلها لاحقا في أي انتخابات قادمة.

الملف الثاني يتعلق باستيراد الأدوية، حيث أثار البرلماني عبد الله بوانو عن حزب العدالة والتنمية قضية تضارب للمصالح والفساد بين وزارة الصحة وشركة لاستيراد الدواء يملكها وزير التربية الوطنية وعائلته.

ويزعم بوانو أن شركة الوزير برادة حصلت على صفقات ضخمة سنتي 2024 و2025، أعادت لها الحياة بعدما كانت سنة 2020 على حافة الإفلاس. وللإشارة فقد اتُهمت حكومة أخنوش بـ”تضارب المصالح” قبل ذلك في صفقة تحلية ماء البحر بالدار البيضاء كذلك، وهي صفقة فازت بها شركات رئيس الحكومة نفسه.

وتشير تهمة تضارب المصالح إلى استغلال الموقع الحكومي للاغتناء غير المشروع، والاعتداء على قواعد الشفافية والمنافسة والنزاهة، والتمكين للفساد. لكنها تكشف من جهة أخرى حرص رجال الأعمال في حكومة أخنوش على تبادل المصالح فيما بينهم، وهو أسلوب في التدبير، لا شك أن أخنوش يستعمله لتعزيز واستقطاب رجال المال والأعمال إلى صفوف حزبه، بعدما كان حزبا قاعدته الاجتماعية من الأعيان المحليين أساسا.

باتت مواقع قوة أخنوش معلومة إذن، فهو يركز أكثر على رجال المال والأعمال الذين استفادوا من وجوده في الحكومات المتعاقبة منذ 2007، عبر الصفقات المباشرة وغير المباشرة، وهؤلاء قد تكون علاقته بهم تعززت طيلة مساره الحكومي في وزارة الفلاحة والصيد البحري، وذلك ما يفسر أن كل الفضائح تقع في صفوف قطاعات التصدير والاستيراد أساسا.

ميزة هؤلاء، ليست قوتهم التدبيرية المقاولاتية كما يقال، بل انخراطهم في منطق الريع بوصفه أسلوبا في الحكم، ومن تم الحصول على الأموال بكل الطرق الممكنة شرعية أو غير شرعية. وقد عبّر هؤلاء عن قوتهم السياسية في التعديل الحكومي الأخير، بحيث أن أغلب الذين دخلوا كوزراء جدد من حزب الأحرار، يمثلون فئة رجال المال والأعمال، وعلى رأسهم طبعا وزير التربية الوطنية ووزير الصحة.

وقد انعكس ذلك على البنية القيادية لحزب الأحرار نفسه، إذ باتت كتلة رجال المال والأعمال المحيطة بأخنوش، هي من تمثل مركز الثقل السياسي في الحزب، ومن السهل عليها توظيف باقي الأدوات، ومنها شبكة من الإعلاميين والناشرين والصحفيين المستفيدين من أخنوش (الإشهار، الدعم العمومي، الشيكات…)، علاوة على شركات للاتصال والعلاقات العامة غير مرئية، وتظهر عبر حملات رقمية في وسائل التواصل الاجتماعي، علاوة على شبكة تقليدية من الأعيان المحليين تشمل عائلات وفية لحزب الأحرار منذ تأسيسه أو الذين التحقوا به بعد صعود أخنوش إلى رئاسته من أمثال “السيمو” في القصر الكبير، وكلاهما ممن لديهم شبكات محلية تجعلهم قادرين على الفوز في أي انتخابات قادمة.

خلفية المواجهة

انطلاقا مما سبق، يبدو أن أخنوش قد أعاد هيكلة حزب التجمع الوطني للأحرار، لكن ليس كليا. فتاريخيا، تأسس الأحرار على أكتاف نخبة مقربة من دوائر الحكم مركزيا (شخصيات مثل عصمان، وعائلات مثل المنصوري..)، وعلى أكتاف الأعيان المحليين ممن كان لهم وجود مؤثر في الغرف المهنية (الفلاحة، الصيد البحري، الصناعة…).

وقد تمثلت وظيفته الرئيسية في “إحداث التوازن السياسي من الخلف مع أحزاب الحركة الوطنية”، وهي وظيفة التزم بها طيلة عهد الملك الراحل الحسن الثاني. أما خلال عهد الملك محمد السادس، فقد توارى للخلف منذ إبعاد زعيمه أحمد عصمان، واحتفظ لنفسه بأدوار ثانوية خصوصا بعد تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، قبل أن يعود بقوة إلى الواجهة بعد فشل هذا الأخير في مهمته.

منذ تولي أخنوش قيادة حزب الأحرار في نهاية 2016، يبدو أن الوظيفة تغيرت، فلم تعد تقتصر على إحداث “التوازن من الخلف”، بل عبر تصدر المشهد الحزبي والسياسي، وهي المهمة التي تطلبت إعادة هيكلة الحزب كما سبق الذكر، من خلال الانفتاح على فئات جديدة، وخصوصا رجال المال والأعمال.

وإذا كانت قوة الأحرار قد تأسست تاريخيا على أكتاف الأعيان المحليين، ممن كوّنوا شبكات مصالح بمختلف الطرق، وتحت أنظار السلطة أو بمساعدتها، فإن هاته الفئة ظلت نقطة قوته كما نقطة ضعفه، بحيث تحفظ للحزب قوته الانتخابية، لكن وفق، وفي حدود، حسابات وزارة الداخلية ورجالاتها من الولاة والعمال، بحيث تظل الكلمة الأخيرة بأيدي هؤلاء وفي إمكانهم.

أما اليوم، وبدخول كتلة من رجال المال والأعمال إلى حزب الأحرار، يبدو أن البنية نفسها تتغير تدريجيا في اتجاه آخر، لأن هؤلاء يمثلون نخبة مثقفة، وعقلية مختلفة في التدبير. والأهم أنهم مرتبطون بشخص أخنوش أكثر من ارتباطهم بحزب الأحرار، ويبدو أنهم بعيدون عن يد وزارة الداخلية ورجالاتها.

وإذا كانت هذه الأخيرة ظلت تاريخيا تتحكم في أحزاب مثل الأحرار من “التحت”، أي من خلال الأعيان المحليين، فإنها اليوم تشعر وكأن تحولا جديدا قد بدأ، لأن النخبة الجديدة دخلت الحزب من “فوق”، وبرعاية شخصية من ثاني أقوى رجل أعمال في المملكة، أي أخنوش، الذي قد يسعى إلى التحكم في الماكينة الانتخابية لحزبه كاملة بدعم من السلطة كما حصل في 2021، لكن على ألا تكون هذه الأخيرة شريكة له في الماكينة نفسها.

ويبدو أن نقطة الخلاف/الصدام تقع هنا بالتحديد، وهو الوضع الذي يدفع السلطة، أي وزارة الداخلية، من جهتها إلى وضع هندسة انتخابية جديدة، تعكسها القوانين الانتخابية المعروضة حاليا على البرلمان، والتي أثارت انتقادات أوجار للسلطة نفسها، أو لـ”الدولة العميقة” على حد قوله.

اللافت للانتباه أن مستجدات القوانين الانتخابية لم تثير في مجملها ردود فعل رافضة من الفرق البرلمانية، سوى من حزب العدالة والتنمية، الذي يطالب بالعودة إلى نظام العتبة الانتخابية في حدود 3%، وإلغاء ما سمي بـ”القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية”. لكن هناك اثنين من المستجدات تثير تخوفات الأحزاب، وخصوصا حزب الأحرار ومن على شاكلته، وعبّرت عن توجسها منها.

الأولى: تتعلق باستخدام الشبكات الرقمية لنشر محتويات رقمية مزيفة تمس بصدقية ونزاهة الانتخابات، والثانية: تتعلق بمنع المشبوهين من الترشح في الانتخابات المقبلة.

كلا المستجدين يشكلان إزعاجا قويا لحزب أخنوش قبل غيره، وذلك سر غضب السيد أوجار أيضا.