story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رياضة |

وليد الركراكي.. وزير السعادة

ص ص

رجل حمّله المغاربة مسؤولية منتخبهم الوطني أسابيع قليلة قبل دخوله غمار أكبر منافسة كروية على الإطلاق، هي مونديال قطر 2022، ولم يكن أكثرهم تفاؤلا وإيجابية ينتظر منه أكثر من “المشاركة المشرفة”. هو اليوم يحمل مسؤولية مماثلة، أي تحقيق حلم المغاربة بحمل الكآس القارية للمرة الثانية بعد غياب دام قرابة نصف قرن.

مثل ساحر في حلبة “سيرك” تقدّم فرجة ترويض الأسود، تقدّم الركراكي بكل ثقة نحو الميدان، وخاطب الجمهور بكل ثقة وحزم وصرامة: ثقوا بنا ولن نخيب.. “ديرو النية” بالتعبير المغربي.

“النية” التي طلبها وليد الركراكي هنا لم تكن سوى إخلاص الدعاء والدعم بسخاء. كانت طلبا بصيغة أمر جازم لترك التخاذل والتردد واحتقار الذات. قالها قبل ذلك لرئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، حين اقترح عليه الاكتفاء بصفة “المدرب المساعد” إلى حين مرور المونديال، وعدم الالتزام بأية أهداف قبل كأس إفريقيا للعام 2026.

رفض وليد الركراكي وضع المنزلة بين المنزلتين، وطلب تحميله المسؤولية كاملة، ووضع لنفسه هدفا واضحا هو بلوغ نصف نهاية كأس إفريقيا للعام 2024، “إن لم أحققه علي أن أرحل”.

هذه “العبقرية” التي أبان عنها وليد الركراكي في مباريات مونديال قطر يمكن تلمسها بوضوح في مسار حياته بالكامل. فابن الحي الشعبي للضاحية الجنوبية للعاصمة الفرنسية باريس، أدار مسار حياته بكثير من التفرد والحنكة.

فقد كان والده شديد الإصرار على رؤيته يبلغ مراحل متقدمة من التحصيل العلمي والشهادات العليا، فنال شهادة البكالوريا في شعبة العلوم، ثم أتبعها شهادة في الدراسات الجامعية العامة، في شعبة الاقتصاد.

كأي مدرب للتنمية الذاتية، أخرج وليد الركراكي أمة كاملة من حالة نفسية متأثرة بسياق سياسي واقتصادي مهزوز ومضطرب، إلى عنفوان الثقة والفخر والاعتزاز. من شعور بالضعف والخوف من المجهول في ظل وضع عالمي متوتر سياسيا واقتصاديا، إلى إيمان تام بالقدرة على تحقيق المستحيل. “ما زلنا جوعى.. لم نشبع بعد”، يقول بعد كل نصر.

ورغم الصعوبة التي يلاقيها في التحدث باللغة العربية، إلا أن وليد يتواصل إلى جانب لغة الوطن الأصل باللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية، ما يسمح به بالتواصل مع لاعبي المنتخب المغربي القادمين من مختلف البطولات الأوربية.

رغم ولادته ونشأته في فرنسا، حافظت أسرة وليد الركراكي على صلة وثيقة بالوطن الأم. كان الأب والأم يحملان أطفالهما صيف كل سنة نحو المغرب، وتحديدا منطقة الشمال، لتجديد العهد بالأهل والأصول على مدى شهرين متواصلين. “صحيح أنني ولدت في فرنسا، لكن أحدا لا يملك قلبا أكثر مغربية مني”، يقول الركراكي عن نفسه.

نشأ صانع المعجزة المغربية في مونديال قطر في كنف أب عامل بسيط. وخلافا للمسار المألوف لدى لاعبي كرة القدم المحترفين في أوربا، لم يبدأ وليد الركراكي مساره الاحترافي إلا بعد تجاوزه سن الواحدة والعشرين.

كان الفتى المغربي يمارس الكرة بطريقة هاوية، إلى أن رمقته عين خبيرة وأخذته إلى نادي تولوز وهو في سن الرابعة والعشرين، ومن ثم كانت خطوته الأولى مع المنتخب الوطني المغربي على عهد المدرب البرتغالي أمبرتو كويلهو، عام 2000، فلعب أول مقابلة له في صفوف المنتخب في يناير 2002، وهو في سن الخامسة والعشرين.

كما هو حال المسارات التاريخية المميزة، لم تكن طريق وليد الركراكي نحو النجومية مستقيمة، إذ جرفته أمواج الأزمة التي عصفت بناديه الفرنسي بسبب عقوبات مالية وضريبية قاسية أجبرته على التخلي عن لاعبيه، ما فرض على الركراكي فترة عطالة قسرية غاب خلالها اسمه حتى عن قائمة لاعبي المنتخب الوطني، ولم يستأنف مساره الاحترافي إلا حين مد له نادي أجاكسيو يد التعاقد سنة 2001، دون أن يجنبه ذلك الحرمان من المشاركة في الكأس الإفريقية لسنة 2002.

رفقة نادي أجاكسيو، أثبت وليد الركراكي أنه ورقة رابحة، إذ فرض نفسه ظهيرا أيمن صعب التجاوز، فصعد رفقة الفريق إلى القسم الأول، ثم استعاد مكانته في المنتخب الوطني المغربي، فجعله سنّه المتقدم بمثابة الأخ الأكبر داخل المجموعة، وحوّله انحداره من أصول مهاجرة إلى جسر رابط بين فئتي لاعبي المنتخب: المحليون والمحترفون. وبهذه الأدوار خاض تحت إشراف الناخب الوطني بادو الزاكي، بطولة كأس إفريقيا تونس 2004 التي بلغ المغرب نهايتها دون أن يظفر باللقب.

حاز وليد الركراكي، على الجنسية الفرنسية وضمها إلى جنسيته المغربية التي لا تسقط عن حامليها وإن هاجروا وولدوا خارج الديار. ولم يجاور في كامل مساره الاحترافي سوى خمسة أندية كروية، أربعة منها في فرنسا (تولوز وأجاكسيو وديجون وغرونوبل)، وناد إسباني وحيد هو راسينغ سانطاندير في الفترة من 2004 إلى غاية 2007، لينهي مسيرته الاحترافية عام 2010 دون أن يفارق كرة القدم، حيث واصل اللعب كهاو والاستفادة من التكوين ونيل الشهادات.

لا تعود بداية علاقة وليد الركراكي بدكة احتياط المنتخب الوطني إلى صيف 2022 حين سلّمت له المفاتيح قبل ثلاثة أشهر من انطلاق منافسات كأس العالم قطر 2022، بل تعود بداية هذه العلاقة إلى العام 2012، حين شغل مهمة مساعد المدرب إلى جانب المغربي رشيد الطاوسي.

استمرت مهمة الرجلين على رأس المنتخب إلى غاية إقصاء المنتخب المغربي من المشاركة في مونديال 2014، لتبدأ مسيرة جديدة في حياة المدرب الشاب، إذ اتجه نحو الإشراف على عدد من الأندية، آخرها نادي الوداد البيضاوي الذي حصل معه على بطولة عصبة الأبطال الإفريقية، ما فرضه كمرشح فوق العادة لتولي زمام المنتخب الوطني بعد المشاركة المخيبة لأسود الأطلس في بطولة كأس إفريقيا 2020 بقيادة المدرب البوسني وحيد خليلوزيتش.

تسلّم وليد المهمة والمنتخب المغربي يتخبط في أزمة داخلية كبيرة. قطيعة شبه تامة بين المدرب السابق ومسؤولي الجامعة، انضافت إلى قطيعة أخرى مع عدد من اللاعبين النجوم. وما إن تولى زمام الأمر، حتى أعاد حكيم زياش ونصير مزراوي ثم عبد الرزاق حمد الله، وقبل هذا وذاك، بث روحا معنوية ولحمة وتماسكا غير مسبوقين في تاريخ المنتخب المغربي. فهل يعيد وزير السعادة معجزة قطر في الكوت ديفوار؟