story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

ليلى والذئب

ص ص

تواصل الصحافة الأسترالية اهتمامها بقضية الملياردير أندرو فورست، صاحب امبراطورية العشرين مليار دولار، مع الصورة التي نشرت له في أحد شوارع العاصمة الفرنسية باريس، وهو في وضعية تقبيل امرأة مجهولة، تزعم هذه الصحافة نفسها أنها الوزيرة المغربية ليلى بنعلي.
أما عندنا فتم إنتاج الكثير من اللغط المنسّم ببعض الكلمات الفخمة كمثل “تضارب المصالح”. أي نعم، في المغرب حيث سُحب مشروع قانون يجرّم الإثراء غير المشروع ولم يحصل شيء في مُلك الله، يريد البعض أن يقنعنا أننا نعيش تحت وقع الصدمة بسبب قبلة تنطوي على شبهة تضارب للمصالح.
شخصيا ومن خلال كل ما توفّر حتى الآن حول هذا الموضوع، سواء في الصحافة الدولية أو في روايات فاعلي الخير المحليين هنا وهناك، لا أجد في النهاية سوى الميل إلى التعاطف، إن لم أقل التضامن، مع الوزيرة بنعلي. ليس لأن عندي ما يثبت براءتها من التضارب المزعوم في المصالح، بل لسبب بسيط وواضح: غياب الحد الأدني من التفاعل المعقول ممن يعنيهم الأمر.
يتعلّق الأمر بمسؤولين كبيرين في المملكة، هما المعني الأول بأية شبهات محتملة لاستغلال النفوذ الوزاري أو الحصول على فائدة ما، وإن كانت عاطفية، من جانب الوزيرة بنعلي، وهما:
رئيس الحكومة عزيز أخنوش،
والرئيس المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط مصطفى التراب.
صمت الرجلين أمام هذه العاصفة الهوجاء التي تستأثر بالنقاش العمومي وتطحن امرأة وقعت فريسة لها، وهي بقوة الدستور والقانون والأعراف، بريئة حتى تثبت إدانتها، ولها أن تتمتع بالحماية الكاملة لحقوقها الشخصية، (هذا الصمت)، يعني وجود تلاعب ما خلف الستار، وتحريكا لخيوط الكراكيز التي تظهر في الواجهة، بل ويفتح الباب أمام شبهات أخرى بالتورّط أو التواطؤ أو في الأدنى الركوب على الموضوع واستغلاله.
المعني الأول، أكثر من الوزيرة نفسها، هو رئيس الحكومة عزيز أخنوش. هذه وزيرة تمارس اختصاص تدبير قطاع الطاقة في حكومته، بتفويض منه وتحت مسؤوليته الدستورية والسياسية، وهو الذي يفترض أن يكون المعني الأول بما حصل، وهو الذي يجب له أن يخرج لمخاطبتنا، إما مباشرة أو عبر الناطق باسم حكومته، حتي نعلم هل هناك بالفعل مؤسسات ومنطق مؤسساتي وتفاعل جدي مع الشبهات.
أخنوش هو أول من ينبغي أن يعبّر عن انشغاله ويطلعنا كيف قام بالتحقيق والبحث في الموضوع، وهل راجع ملف الوزيرة وطلب منها توضيحات وراجع صفقات المستثمر الأسترالي… وبالتالي تأكد من وجود الشبهة أو غيابها.
وبما أن كل هذا لم يحصل، فإن الشبهة الحقيقية التي تفترضها البداهة، هي احتمال وجود حرب خفية مرتبطة بالتعديل الحكومي المرتقب، والذي يبدو وشيكا، خاصة أننا نعلم جميعا كيف أن الوزيرة بنعلي أزعجت رئيس الحكومة في بداية الولاية بتصريحاتها التي كانت تتسم بالقوة والجرأة في موضوع المحروقات، وحواراتها التي شرحت فيها للمغاربة كيف يمكنهم أن يعرفوا سعر شراء الغازوال في روتردام، وهو ما كان يفضي إلى التأكد من وجود فارق كبير بين هذا السعر وما يدفعه المغاربة فعليا في محطات توزيع المحروقات، التي يعتبر رئيس الحكومة أحد مالكيها.
هنا توجد شبهة تضارب المصالح الحقيقية، ومن هنا ينبغي الانطلاق في التساؤل وطرح الفرضيات: هل كانت الوزيرة بنعلي “ضحية” ثانوية لعملية تعقب ومراقبة الملياردير الأسترالي؟ أم أن هناك من لديه مصلحة في تعقبها ومراقبتها أيضا؟ ثم من الذي تطوّع لإخبار الصحيفة الأسترالية “ذا أستراليان” أن المرأة التي ظهرت في صورة “ديلي ميل” هي الوزيرة المغربية؟ هل يعقل أن الأستراليين عرفوا وزيرتنا من حذائها؟
أما الرئيس المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط، فبدوره مطالب بأكثر من تلك المعطيات المسرّبة على المقاس إلى بعض وساءل الإعلام، والتي توجّه نحو استبعاد أية إمكانية لتأثير الوزيرة بنعلي في قرارات واختيارات المكتب.
هذا الأخير وقّع قبل أسابيع قليلة اتفاقية شراكة مع الملياردير الأسترالي، وهو مؤسسة مكلفة باستغلال وتسويق أغلى ما يملكه المغاربة: الفوسفاط، وبالتالي هو المعني الأول بشبهة تضارب المصالح التي أشارت إليها الصحافة الأسترالية وتبناها الجميع.
نعم، موضوع الفوسفاط ومكتبه وصفقاته وشراكاته يدبّر على أعلى مستويات الدولة، ويخضع لمنطق الدولة وليس لأهواء واختيارات الأشخاص، لكن المنطق المؤسساتي يفرض على المكتب الشريف للفوسفاط أن يتواصل رسميا، إن لم يكن معنا نحن معشر “الرعايا” فمع الرأي العام الاقتصادي الدولي، لسبب بسيط هو أن ليلى بنعلي هي عضو في مجلس إدارة المكتب إلى جانب عدد من الوزراء الآخرين، وبالتالي فالأمر لا يعني الوزيرة فقط، بل يعني أيضا مكتب إدارة المكتب.
يقال إن لكل امرئ نصيب من اسمه، وللوزيرة اسم شخصي يحمل البعض على تذكر بعض القصص الشهيرة. لكن يبدو أن الذاكرة الجماعية اتجهت فقط نحو قصة ليلى وقيس ابن الملوّح، واستأثر هذا البٌعد الرومانسي في القضية بالألباب، بينما هناك قصة أخرى لا تقل شهرة وهي التي تهم ليلى والذئب.
يتعلّق الأمر، بالنسبة لمن لم يصادف هذه القصة المخصصة لتسلية الأطفال (petit chaperon rouge بالنسبة للمفرنسين)، بحكاية الطفلة ليلى التي طلبت منها أمها أن توصل سلة الكعك الذي قامت بتحضيره، إلى بيت الجدة، موصية إياها بالحذر من الذئب أثناء عبورها للغابة في طريقها نحو بيت الجدة.
وفي طريقها صادفت ليلى الذئب الذي أقنعها بطيبته وحبه لها، وطلب منها أن تسمح له بمرافقتها نحو بيت الجدة، فسبقها إليه وقام بتقليد صوتها بعد طرقه الباب، لتفتح له الجدة الباب وينقض عليها، ثم استلقى بعد ذلك في سرير الجدة منتظرا وصول ليلى كي يلحقها بها… ولولا ظهور الصياد الشجاع الذي سينقذ ليلى من أنياب الذئب، لكان قد التهمها…
ابحثوا عن الذئب في قصة الوزيرة ليلى، وانسوا أمر الصياد، فهو غير موجود.
وسلّم لي على تضارب المصالح!