story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

بييلسا ينعي كرة القدم !

ص ص

مدرب منتخب الأورغواي الخبير الأرجنتيني المجرب مارسيلو بييلسا، جاء إلى ندوة صحفية على هامش مباريات “كوبا أمريكا”, وألقى بشجاعة حجرة ثقيلة في المستنقع الآسن الذي “غطست” فيه كرة القدم العالمية خلال السنوات الأخيرة.

قال بييلسا إن كرة القدم هي في الأصل: ” ملكية شعبية، لكن الفقراء لا يحصلون إلا على القليل من السعادة لأنهم لا يملكون المال لشراء السعادة، وكرة القدم هي واحدة من الأشياء القليلة التي كان يملكها الفقراء، ولم تعد موجودة “.

المدرب المثير للجدل أكد أنه: “عندما تصبح المباريات قابلة للتنبؤ وهذا ما تتجه إليه كرة القدم حاليًا ، فإنها ستفقد جاذبيتها بشكل متزايد”. وأضاف:” أنا متأكد من أن كرة القدم في حالة تدهور، وهذا يعني أن الكثير من الناس يشاهدون كرة القدم، لكنها أصبحت أقل جاذبية. لأن الذي جعل هذه الرياضة الأولى في العالم لم يعد مميزًا”

وختم بخلاصة صادمة وصريحة: “عندما تمضي السنوات في كل مرة يقل عدد لاعبي كرة القدم الذين يستحقون المشاهدة. وفي كل مرة تكون المباراة التي تلعب أقل متعة”.

ما قاله مارسيلو بييلسا كانت قد بدأت ملامحه منذ بداية الألفية الحالية، وأخذ يستفحل شيئا فشيئا حتى أصبح باديا للعيان ويلاحظه جميع متتبعي كرة القدم العاديين، وفي ذلك لن نذهب بعيدا، فكأس أمم أوربا وكوبا أمريكا بكل حمولتهما التاريخية واللتان تدوران حاليا “تعطيك لخبار”.. إذ أصبحنا نشاهد مباريات تدور فقط لمعرفة المنتخب الفائز لا غير، وانقرض فيها مفهوم “النجم” كما كنا نعرف حتى نهاية التسعينات ، أي ذلك اللاعب المهاري الخارق ذو الشخصية القوية الذي يفعل كل ما يراه مناسبا لفريقه، وتحول الجميع إلى اللعب في خطط جماعية صارمة تبحث عن النتيجة بكل الوسائل، وازداد إغلاق المساحات والمنافذ داخل الميدان وكثرت الإلتحامات حول الكرة، وتعددت إصابات اللاعبين نتيجة الإنهاك الذي يتعرضون له بكثرة المباريات وضغط الجمهور ووسائل الإعلام.

واضح أن كرة القدم فقدت طابعها الإحتفالي ولم تعد تمارَس في إطارها الفرجوي القديم، بسبب تحولها إلى دجاجة تبيض ذهبا بعد دخول رؤوس الأموال واستثمارات الأغنياء، واحتكارها كبضاعة، على الجميع أن يدفع مقابل مشاهدتها، من خلال الإستحواذ على حقوق النقل التلفزيوني وبيعه بالتقسيط بمبالغ يدفعها الجمهور البسيط من قوت يومه، وتوسعت مساحة الإشهار والإعلانات التجارية والهوس بلعب المنافسات التي تحظى بمتابعة جماهيرية كبيرة، وهذا ما تسبب في زيادة الضغوطات على المدربين واللاعبين من أجل النتائج والألقاب والحضور الدائم بأية وسيلة.

نعم المال هو المتسبب الرئيسي في انقراض الفرجة والإحتفالية التقنية في مباريات كرة القدم، لكن هذا المعطى لا يمكن أن نُحَمِّله لوحده كل هذا التحول، لأن كثير من القطاعات من غير كرة القدم والرياضة عموما، عرفت تراجعا حادا في المهارات والإبداع الإنساني لصالح منتوج سطحي استهلاكي سريع، وكل نشاط “فني” احتفالي للبشرية تحول إلى صناعة يتم حقنها بالكثير من “المنشطات” لكي تصبح أكثر إثارة وجذبا للجمهور، وبالتالي أكثر مساحة للإعلانات والإشهار وجذبا لزبناء ومستهلكين جدد.

غياب الأداء الفرجوي وتراجع القيمة المهارية للاعبي كرة القدم، هي واحدة من مظاهر التحولات الطبيعية التي تعرفها البشرية في كثير من القطاعات بسبب ما أنتجته الثورة التكنولوجية، وتسابق رؤوس الأموال نحو الإستحواذ على النشاطات الإنسانية الفرجوية وتحويلها إلى صناعة مربحة تذر على أصحابها أرباحا بمبالغ فلكية، ولا يمكن أن نتصور أن هذا التوجه سيتوقف يوما ليعود الجميع إلى “الفراجة” البريئة للأزمنة الغابرة.

هو فقط نوع من الحسرة على زمن الفرجة المجانية، وعهود كانت كرة القدم فعلا رياضة بكل ما يحمله التعريف النبيل من معاني.