story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

الكلاسيكو وقميص بركان!

ص ص

شاءت صدف برمجة مباريات كرة القدم في نهاية الأسبوع، أن تضعنا أمس أمام مبارتين في غاية الأهمية في نفس التوقيت، وهما مبارتي الكلاسيكو الإسباني بين ريال مدريد والبارصا، ثم مباراة اتحاد الجزائر العاصمة ضد نهضة بركان برسم ذهاب نصف نهائي كأس الإتحاد الإفريقي الذي كان من المقرر أن يحتضنه ملعب 5جويلية بالبلد الجار.

قد يبدو ذِكر المبارتين وتوقيتهما الواحد معا، نوعا من المقارنات “السوريالية” التي لا تستقيم، وقد يقول الكثيرون “آش جاب شي لشي” بالنظر للفوارق الشاسعة بين اللاعبين والمدربين والمستويات التي تدور فيها، وقد يجزم آخرون أن مباراة الغريمين الإسبانيين لا يمكن أن تشبهها أي مباراة أخرى في عالم كرة القدم؟

لكن الحقيقة أن المبارتين حتى في ظل هذا الفارق الكبير الذي ذكرنا، فهما تتقاطعان كثيرا في التوابل السياسية التي تفرض نفسها على كليهما، الأولى منذ قرابة الثمانين سنة، والثانية انعكس فيها صراع سياسي “ينطح” نصف قرن من الزمان.. لكن مآلات السياسة في هذين المبارتين مختلفة كليا، وهي ما يهمنا هنا لتفسير بعض هذا الحضيض الذي وصلنا إليه في تحويل الرياضة إلى منبع للمشاكل وإشعال الفتن وتعميق القطيعة بين البلدين.

مباراة الكلاسيكو الإسباني بين ريال مدريد وبرشلونة يعلم الجميع سبب صراعهما الرياضي المحتدم منذ عقود طويلة، والذي يعود إلى فترة ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية وسيطرة الجنرال فرانكو على الحكم بالحديد والنار، واضطهاده للإنفصاليين الكطلان الذين كانوا يرون في البارصا منتخبهم القومي في مواجهة ريال مدريد المدعوم من الدكتاتور لكسر الحصار المفروض على نظامه أوربيًّا، بمعنى أن الإسبان كانوا أمام صراع داخلي مسلح سقطت فيه آلاف الأرواح وملايين المعطوبين ودُمرت مدن بكاملها بعد معارك عنيفة.. فجاءت كرة القدم مع مرور السنوات والعقود لتأخذ دور المدافع والبندقيات والقنابل وتُحوّل كل ذلك العنف إلى صراع سلمي رياضي تُصرف فيه الكثير من مشاعر البغض والحقد والرغبة في القتل والتدمير، وتحوله إلى مناوشات كلامية بين أنصار وإعلام هذا النادي والنادي الآخر، ونزالات حول الأهداف والنتائج والكؤوس والبطولات يغلب عليها الكثير من الدعابة و”الشدان” والمرح.. النتيجة أن كل تلك الأجواء الإحتفالية والمتعة والإنشراح التي شاهدناها أمس في ملعب سانتياغو بيرنابيو الأنيق، في الأصل هي حرب أهلية ودماء وقتلى وأجواء جنائزية كئيبة!!!

إذن لنقطع المتوسط إلى الضفة الجنوبية لنرى ماذا فعلت التوابل السياسية في المباراة الأخرى التي كان من المقرر أن تنطلق في نفس التوقيت بين اتحاد العاصمة الجزائري ونهضة بركان المغربي، أي بين فريقين ينتميان لبلدين بينهما قطيعة سياسية ودبلوماسية ومسلسل عداء تاريخي انطلق بعد استقلال الجزائر من خلال حرب الرمال الشهيرة، مرورا بخلق كيان انفصالي يهدف إلى تمزيق وحدة المغرب، والكثير من سنوات الحرب الدبلوماسية وتزوير التاريخ والحمق في اتهام الآخر..

نظريا يجب أن تكون المنافسات الرياضية مناسبة لتقليص المسافة بين النظامين والشعبين وتلطيف الأجواء والتذكير بحسن الجوار، إلا أنه مع الأسف فإن هذه المنافسات الرياضية وخاصة كرة القدم هي التي أصبحت مع مرور الوقت والسنوات تزيد في توسيع الشرخ بين البلدين وانعدام الثقة بين الشعبين، ورفع منسوب الكراهية واتهام الآخر بأبشع النعوت.

فقدت تفتقت “عبقرية” نظام الجزائر في إطار الهوس الأخير بكل ما هو مغربي، أن يحول بغباء مباراة عادية في كرة القدم إلى معركة مخجلة ضد فريق رياضي بعدما اكتشفت أن هذا الأخير “سيقولبه” بإدخال قميص عليه خريطة صغيرة لبلاده “العدوة” التي يريدونها دائما أقل شأنا منهم في المنطقة المغاربية، وهكذا بعد مسلسل تخللته سلوكات رعناء في المطار أقرب إلى الحمق، وتدخل الكاف لكي تحسم بقرارها في الموضوع، انتهى الأمر إلى تشبت الفريق البركاني بأقمصته التي لعب بها طوال الموسم، وعدم لعب المباراة واعتبار الفريق الجزائري خاسرا، مع زيادة أخرى في منسوب الكراهية والبغضاء والتراشق الإعلامي بين الشعبين، بعدما كان من المفروض أن تكون هذه المباريات الرياضية فرصة لبعض التسامح وصور المشترك التاريخي والديني واللغوي بين البلدين، وصناعة احتفالية مؤقتة بين مبارتي الذهاب والأياب والتي ما أحوج الشعبان إليها في هذا الزمن المعيشي الصعب.

نعم هما مبارتان في كرة القدم يتجلى فيهما نفس التداخل التاريخي بين السياسة والرياضة، لكن الإختلاف بينهما هو في العقلية التي تطوي الماضي بكل أحقاده، وتترفع عن مخلفات حروبه وصراعه الدامي لتنظر إلى تحديات المستقبل، وفي زاوية النظر لدور الرياضة في تحقيق السلام والتعايش، وفي كيفية خلق الإحتفالية في صراع كروي سلمي يجلب إعجاب العالم.