story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

الديمقراطية دابا!

ص ص

صدر نهاية الأسبوع الماضي، البارومتر العربي في نسخته التاسعة، وهو عبارة عن استطلاع رأي واسع تنجزه شبكة بحثية مستقلة، على رأسها جامعتا “برينستون” و”ميشيغان” الأمريكيتان.

ويعتبر هذا التقرير السنوي أحد أكثر المصادر المفتوحة للبيانات المتعلقة باتجاهات تفكير مواطني الدول العربي، دقة وشمولا ووثوقية.

ويندرج المغرب في مجال البحث الذي يشمله هذا التقرير سنويا، وقد نظمت الجهة المشرفة على إعداده، بشراكة مع المعهد المغربي لتحليل السياسات، ندوة مساء الجمعة 07 يونيو 2024، للكشف عن النتائج الخاصة ببلادنا، ضمن هذا المؤشر.

سوف لن أحاول الربط بين النتائج التي أكدت ما يعرفه الجميع حول شعبية الحكومة الحالية، مع ما وقع أمس في فرنسا حين بادر الرئيس ماكرون إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة بعدما كشفت انتخابات البرلمان الأوربي عن اكتساح اليمين المتطرف لحصة فرنسا داخل هذه المؤسسة الأوربية على حساب حزب الرئيس نفسه، لأن مسألة الانسجام بين المزاج الشعبي وتركيبة السلطة حلم بعيد المنال في سياقنا المتخلف.

بل سأحاول قراءة خلاصات “البارومتر” الخاصة بالمغرب في ثلاث لحظات أساسية: أولا المزاج العام للمغاربة، ثم ما الذي ينتج عن هذا المزاج، وأخيرا المآل الممكن.

بالنسبة للمزاج العام، يمكن تلخيصه في الشرخ التاريخي الذي يزداد اتساعا. المغاربة أصبحوا منقسمين أكثر من أي وقت مضى، ربما منذ الاستقلال، بين أقلية قليلة تستحوذ على كل شيء، وتعبّر عن مزاج عام يميل إلى الارتياح والطمأنينة، وهو أمر طبيعي، وأغلبية محرومة وساخطة.

اضطر معدو الاستطلاع الذي أجري بين دجنبر 2023 ويناير 2024، وشمل أكثر من 2400 مغربي بطريقة المقابلة المباشرة (وجها لوجه)، إلى التوضيح في كل مرة، وعند كل مؤشر من المؤشرات التي نتجت عن الاستطلاع، أن النسب التي تنتج عن الأجوبة المجمّعة لا تخترق المجتمع المغربي بشكل عشوائي، بل هي ناتجة أساسا عن اختلاف في المزاج بين الذين يملكون والذين لا يملكون.

المغاربة الذين يحصلون على قدر من ثروة والدخل يمكّنهم من ضمان حاجياتهم الأساسية والاطمئنان على مستقبل أبنائهم، يبدون آراء تميل إلى استحسان الوضع، سواء سياسيا أو اقتصاديا أو من حيث الموقف من السياسات العمومية والاختيارات الرسمية، بينما يميل المغاربة الذين يعيشون الخوف من المستقبل، إلى التشاؤم والتعبير عن مواقف سلبية وغير مطمئنة.

نحن أمام انقسام طبقي غير مسبوق، ينتهي في الأخير إلى شعور عام بكون المغرب أصبح دولة الأقلية المستفيدة والناجية، في مقابل جلوس الأغلبية في غرفة انتظار يسود الانطباع بكونها هادئة ولا تنبئ بأية نية للقيام برد فعل أو الإقدام على مبادرات لتغيير الوضع القائم، بينما يكشف الاستطلاع نفسه عن أكثر المعطيات خطورة، وأهم ما ينبغي لكل مسؤول كيفما كان موقعه ومستوي مسؤوليته، أن يتأمله.

يتعلّق الأمر باللحظة الثانية، التي أخصصها لموضوع التغيير في ذهن المغاربة.

تنطوي نتائج البارومتر على مؤشرات لا يمكن تجاهلها، لكونها تشير بوضوح إلى بداية انزياح هذه الأغلبية الصامتة نحو خيار التغيير (الإصلاح بلغة التقرير) الفوري، مقابل خسارة خيار التغيير التدريجي الكثير من مؤيديه والمؤمنين به.

أكثر من نصف المغاربة، وتحديدا نسبة 55 في المئة، قالوا إنهم يرغبون في إصلاحات فورية لتغيير الأوضاع القائمة، في مقابل اعتبار 37 في المئة أن الإصلاح التدريجي هو الحل الأمثل من أجل التغيير إلى الأفضل. فيما يرى 6 في المئة فقط من المغاربة، ألا حاجة أصلا لأي إصلاح.

نسب تكاد تمثل التوزيع الحاصل من حيث المستوى الاجتماعي، حيث قلة قليلة مستفيدة وبالتالي مرتاحة للوضع ولا تريد تغييره، وفئة يمكن أن نصفها ببعض المجازفة بكونها الطبقة المتوسطة، وهي التي تريد الإصلاح التدريجي، فيما الأغلبية التعيسة تريده إصلاحا فوريا، وبالتالي لم تعد تؤمن بالتدرّج.

هذا مؤشر خطير لأن البارومتر نفسه يوضح أن نسبة الراغبين في الإصلاح الفوري سجلت قفزة كبيرة خلال سنة واحدة، حيث انتقلت من 46 في المئة العام الماضي إلى 55 في المئة هذه السنة، في مقابل تراجع نسبة المؤمنين بالإصلاح التدريجي من 43 في المئة العام الماضي إلى 37 حاليا. بينما تراجعت نسبة الذين لا يرون حاجة لأي إصلاح، من 11 في المئة السنة الماضية إلى 6 في المئة حاليا.

هذا المعطى المثير للقلق يرافقه مؤشر آخر يمكن اعتباره الترياق الذي توفره اللحظة الراهنة، وهو المتعلق باستمرار جاذبية فكرة الديمقراطية، وإمكانية تشكيلها هدفا استراتيجيا معبئا وموحّدا للمغاربة.

أي أن اللحظة الراهنة هي فرصة لجعل الديمقراطية الفعلية ذلك الإصلاح الفوري الذي تريده غالبية المغاربة، وهي سانحة ينبغي انتهازها قبل أن يستفحل الوضع أكثر ويصبح للإصلاح الذي ترغب فيه أغلبية المغاربة معنى آخر.

تقرير البارومتر العربي الجديد قال إنه وبعد تقلّب في الآراء حول دعم الديمقراطية في السنوات الماضية، زاد دعم المغاربة للحكم الديمقراطي، خاصة منه دعم النظام البرلماني متعدد الأحزاب، والذي حصل على تأييد 68 في المئة.

أكثر من ذلك، قال ثلاثة أرباع المستجوبين، وتحديدا 73 في المئة، إنه ورﻏﻢ ﻣﺸﺎﻛﻞ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ، ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﺰال أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﻈﻢ اﻷﺧﺮى.

وجاء تأييد الديمقراطية كشكل للحكم مرتفعا بشكل قياسي مقارنة مع السنة الماضية، حيث نال 19 ﻧﻘﻄﺔ ﻣﺌﻮﻳﺔ إضافية، منتقلا ﻣﻦ ﻧﺴﺒﺔ 54 ﺑﺎﻟﻤﺌﺔ اﻟﻤﺴﺠﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺪورة اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ.

بربط منطقي بسيط بين اللحظات الثلاث، نجد أن غضب المغاربة مرتفع للغاية، وهم غاضبون بشكل خاص على الحكومة الحالية، وتحديدا على رئيسها الذي نال تأييدا أقل من حكومته نفسها ومن البرلمان الذي “يمنحه” الأغلبية.

ومع غضبهم هذا، يرغب المغاربة في إصلاح فوري لا تدريجي، أي “دابا” وليس في الغد القريب، مع استعدادهم الكامل للقبول بإصلاح تسكنه روح ديمقراطية…