story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

اغتيال أمريكا

ص ص

شاهد العالم بأسره على المباشر محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الرئاسي للحزب الجمهوري دونالد ترامب. الجاني توماس ماثيو كروكس تسلق إحدى البنايات الخارجة عن النطاق المطوق، وأطلق النار خمس مرات قبل أن يرديه أفراد الخدمة السرية (الوكالة المكلفة بحماية الرؤساء والشخصيات المهمة) قتيلا.
المعلومات الأولية عن الجاني متباينة، حيث يبدو أنه مسجل في القوائم الانتخابية كجمهوري، لكن يبدو أنه تبرع لمنظمة سياسية ليبرالية كذلك.
تبع المحاولة نقاش كبير حول تداعيات الحادث والسبب الممكن وراءه. كما ارتفع منسوب الأخبار الزائفة ونظريات المؤامرة حول الموضوع. ومن خلال المعطيات، هناك ثلاث سيناريوهات طفت إلى الأفق:
الأول هو أن ترامب هو الذي وراء هذه العملية وأنها مجرد مسرحية للرفع من منسوب التعاطف معه قبل الانتخابات المرتقبة في نونبر القادم.
الثاني، هو أن الحادث لا يعدو أن يكون خطأ لأفراد الحرس الشخصي لترامب، وإن كان هذا الخطأ يعد خطأ فادحا وجسيما إن كان كذلك.
والسيناريو الثالث هو أن طرفا آخر (سواء كان من داخل أمريكا أو من خارجها) هو الذي يقف وراء الحادث.
من خلال النظر إلى شخصية ترامب، يكاد يكون مستحيلا أن يقبل ترامب بمسرحية يكون فيها على بعد سنتيمترين اثنين من إصابته في الرأس، خصوصا أن المجرم استعمل رشاش AR15 والذي لا يعد سلاحا دقيقا جدا، ومنه كان من الممكن إصابة ترامب إصابة مباشرة في الرأس، ما يعني لقاء حتفه في الحين لا محالة.
السيناريو الثاني يقول بأن ما وقع كان خطأ مؤسساتيا في مدى تنسيق أفراد الخدمة السرية وباقي المؤسسات الأمنية المتدخلة في ضمان أمن التجمعات السياسية. إذا كان هذا هو ما وقع فعلا، فهذا ينبئ بمستوى مفزع من عدم الاستعداد للمؤسسات الأمنية الأمريكية. كيف يمكن لشخص مسلح أن يتسلق إحدى البنايات المقابلة لمكان التجمع الانتخابي والزحف نحو مكان الرصد وتثبيت معداته دون أن يثير ذلك شكوك الخدمة السرية وباقي أفراد الأمن؟ خصوصا بعد ظهور فيديوهات متعددة تظهر مجموعة من الحضور يصرخون في وجه الشرطة بأن الجاني يتموقع فوق البناية.
ومعه يطرح السؤال، إذا كان شخص بسيط وغير ذي تجربة كبيرة في العمليات العسكرية النوعية قادرا على اختراق العملية الأمنية لأحد أهم الشخصيات السياسية في العالم، كيف سيكون حال الأمن في حالة تدخل طرف خارجي أو خصم استراتيجي لأمريكا؟ ما هي الرسالة التي يمكن أن تتلقاها الصين، روسيا، كوريا الشمالية، أو إيران من خلال هذا الفشل الأمني الذريع في حماية مرشح رئاسي لأحد أهم الحزبين في الولايات المتحدة؟
السيناريو الثالث هو أن يكون طرف ما مسؤولا عن محاولة الاغتيال ضد ترامب. رغم أنني لا أميل نحو نظريات المؤامرة، إلا أن المعطيات المتوفرة لا تلغي إمكانية ضلوع طرف وراء محاولة الاغتيال. كون الجاني تسلق البناية المقابلة دون أن يمنع من ذلك وكون أفراد الخدمة السرية قد انتظروا إلى أن بدأ مرتكب الجريمة في إطلاق الرصاص قبل الرد عليه وإردائه قتيلا يفتح المجال أمام التساؤل عما إن كان ترامب مستهدفا من طرف جهة ما داخل أو خارج أمريكا.
هذا السيناريو يأتي بالطبع في سياق استطلاعات الرأي المتكررة التي تظهر ترامب في تقدم واضح ومتزايد أمام الرئيس الحالي بايدن، وفي إطار المناظرة التلفزيونية المحرجة لبايدن.
بعد هذا الحادث، من المحتمل جدا عودة ترامب لرئاسة البلاد؛ خصوصا أن التجربة التاريخية عبر العالم تظهر أن المرشح الانتخابي الذي يتعرض لمحاولة اغتيال يكسب تعاطف الناخبين وترتفع أسهمه الانتخابية.
لكن، ومهما كانت الأسباب وراء حادث محاولة اغتيال ترامب، الأكيد هو أن منسوب الخطاب السياسي العنيف في أمريكا هذه الأيام وصل ذروته، وعلى السياسيين هناك خفض منسوبه قبل دخول أمريكا في دوامة لا يحمد عقباها، ويمكن لآثارها أن تتجاوز الولايات المتحدة لتلمس العالم بأسره.