story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

استقلالية الاستقلال

ص ص

ها قد عقد حزب الاستقلال مؤتمره بعد سنوات من الجمود والخروج عن الشرعية القانونية بعدم احترام الآجال القانونية لتجديد هياكل الحزب، لكنه مؤتمر انتهى مثلما بدأ، بعلامات استفهام كبيرة ومحيّرة.
المشاكل التنظيمية التي أعاقت حركة الحزب منذ بداية الولاية الحكومية انتهت، وما كان يضعف موقع الأمين العام بات جزءا من الماضي، والطريق سالكة أمام حزب الميزان للتحضير لانتخابات 2026 بكل أريحية، لكن أطوار ومجريات المؤتمر، ونهايته التي طبعها العجز عن انتخاب لجنة تنفيذية جديدة، جعلت سؤالا مركزيا يطفو على السطح: هل يملك حزب الاستقلال استقلالية قراره؟
ليس في هذا التساؤل أي تسرّع أو إسقاط للطائرة، بما أن كل ما جرى في اليومين الماضيين في بوزنيقة، وبعد وضعه في سياقه العام المتمثل في المسار الذي انطلق برسالة من وزارة الداخلية لحمل الحزب علي تسوية وضعتيه القانونية، ثم اندراج هذا المؤتمر في أجندة تبدو شديدة الترتيب، كما أشار إلى ذلك رئيس الحكومة عزيز أخنوش في خروجه الإعلامي الأخير، لتسوية الوضع القانوني لحليفيه في الأغلبية الحكومية… كل هذا يطرح سؤال إلى أي حد يحتفظ حزب علال الفاسي باستقلالية قراره عن حسابات السلطة؟
التركيز الإعلامي على الصراع الثنائي بين معسكري الأمين العام الجديد القديم نزار بركة، وتيار رجل الصحراء القوي حمدي ولد الرشيد، حجب حقيقة الرهانات التي أحاطت بالمؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال، والتي لا يمكن فصلها بتاتا عن حسابات السلطة الآخذة في ترتيب المشهد استعدادا لاستحقاقين اثنين: الأول تكتيكي هو التعديل الحكومي النصفي، والثاني شبه استراتيجي ويرتبط بالانتخابات التشريعية المقبلة.
عملية الالتفاف الطويلة على التقاطب الداخلي الذي خرج به حزب الاستقلال من مؤتمر الإطاحة بأمينه العام السابق حميد شباط، انتهت في واقع الأمر بإضعاف الطرفين وإرهاقهما في حرب استنزاف طويلة.
وزاد التحاق الحزب بالتحالف الحكومي الثلاثي بعد انتخابات 8 شتنبر 2021 من تقصير نفس كل منهما في مجاراة الصراع مع الحفاظ على المواقع وأوراق الضغط، وهو ما أحال الحزب إلى بنية مصلحية مركبة تتنازعها تيارات متعددة، عكس ما يصوّره البعض من ثنائية تبسيطية، وهو ما يرجح أنه جعل الحزب رخوا أمام رهانات السلطة، وساهم في ترتيب البيت الداخلي للحزب بالشكل الذي ينزع أسنانه دون نزيف حاد يسبب له عجزا دائما أو انهيارا شاملا.
قبيل الانطلاق في مسار التحضير للمؤتمر، بدت القسمة وقد حُسمت بالشكل الذي يرضي طموحات الأطراف الداخلية، حيث حسم أمر نقابة الاتحاد العام لصالح معسكر آل الرشيد، في شخص رئيس مجلس المستشارين النعم ميارة، واستعاد تيار الأمين العام السابق حميد شباط بعضا من قوته التنظيمية داخل الحزب، محققا توازنا بدا واضحا أنه مختل بين الأمين العام وتيار ولد الرشيد، إلى جانب اضطلاع معسكر آل قيوح في جهة سوس بدور صمام الأمان، وتفجير جزئي في منطقة الشمال أبعد رجل الريف داخل الحزب، نور الدين مضيان، عن الحلبة.
هكذا بدت الأطراف المتنافسة داخليا وقد اطمأنت، تقريبا، على مصالحها ومواقعها، لحظة توجيه وزارة الداخلية نحو عقد المؤتمر، ونزعت الألغام التي جمّدت الحزب طويلا، خاصة منها ما يتعلق بتقليص حجم المجلس الوطني وإحداث منصب نائب للأمين العام، وحُسم أمر الأمانة العامة بشكل مسبق لفائدة نزار بركة، بل وحصل على امتياز غير مسبوق بتخويله تقديم لائحة ثلاثين عضوا في اللجنة التنفيذية للتصويت عليها في المجلس الوطني، مع سلطة مطلقة في إضافة أربعة أعضاء آخرين…
في مقابل كل هذه الورود التي فُرشت في طريق الحزب نحو المؤتمر، أثارت التوترات والانسدادات التي شهدها خلال يومي انعقاده، الكثير من التساؤلات في ظل غياب ما يمكن أن يبررها.
مصادر عليمة من داخل كواليس المؤتمر لم تجد ما تفسّر به ارتباط هذه التوترات جميعا بمواقف نزار بركة، سواء منها إصراره على تنصيب عبد الصمد قيوح رئيسا للمؤتمر، أو رفضه القبول بمرشح منافس ولو كان من باب الترشيح الشكلي الذي قدمه رشيد الفيلالي، وبشكل خاص إحجامه عن تقديم لائحة أعضاء اللجنة التنفيذية الجديدة، (لم تجد) سوى التساؤل عن طبيعة حساباته الغامضة وما إن كانت ضغوط خارجية تؤثر عليه بما أن العراقيل الداخلية لم تعد قائمة.
أصوات من داخل الحزب، من أجيال مختلفة، قالت ل”صوت المغرب” إن نزار بركة حصل علي صلاحيات ونفوذ لم يحصل عليهما أي من قادة الحزب منذ تأسيسه، بمن فيهم الزعيم التاريخي علال الفاسي.
وبما أن الأمر يتعلق بأمين عام سابق، أي يعرف الحزب جيدا، ودخل المؤتمر بتجديد مسبق ومعرفة كاملة بالخريطة الداخلية للحزب، هل يعقل أن بركة لم يكن يحمل “في جيبه” لائحة جاهزة، أو أغلبها على الأقل؟
عكس ما ذهبت إليه بعض التغطيات الإعلامية، لم تشهد لقاءات نزار بركة مع “أقطاب” الحزب بعد انتخابه أمينا عاما بالإجماع، أي توتر أو خلافات يصعب تجاوزها.
والوجوه التي يفترض فيها تمثيل معسكر المحسوبين على الأمين العام السابق حميد شباط أو تيار “بلا هوادة” أو مؤيدي عبد الصمد قيوح، معروفة.
و”لائحة” ممثلي تيار ولد الرشيد لا تتجاوز سبعة أشخاص، بينما تمت “التضحية” بمنافس ولد الرشيد الوحيد في الصحراء، رئيس جهة الداخلة ينجا الخطاط، باشتراط العضوية في المجلس الوطني لولايتين سابقتين.
وأكثر من نصف الترشيحات ال107 التي تم تقديمها لا تعدو أن تكون تعبيرا عن طموحات شخصية وغير واقعية…
أي أن الطريق سالكة أمام نزار بركة لتشكيل اللجنة التنفيذية بما يحقق له “الأغلبية” المريحة من جهة، والحفاظ على التوازن الداخلي من جهة أخرى. وبالتالي يصبح التساؤل ملحا: ما الذي أخّر انتخاب قيادة حزب الاستقلال الجديدة؟