story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

إكرام المغرب العربي دفنه

ص ص

مرّ جيل كامل على خطوة التوقيع على المعاهدة المؤسسة لما كان يفترض أن يكون اتحاد مغاربيا، وكل ما تحقق هو واجهة إضافية من واجهات الصراع والتوتّر.
هناك فرق كبير بين الايمان بالفكرة وبين تطبيقاتها. الوحدة المغاربية حتمية تاريخية وجغرافية مهما كابرت السياسة وناور الاقتصاد، لكن الطريق إليها لن تفتح بتاتا في ظل الوضعين الإقليمي والداخلي لكل من المغرب والجزائر، و”ما فرق الله الريوس غير باش ترتاح”، تقول الحكمة الشعبية.
لا يمكن أن نواصل الفرجة على عقارب الوحدة المغاربية المتوفقة على أمل رؤية الحياة تدب في أوصالها في يوم من الأيام. فوق هذه الرقعة من العالم تعيش شعوب ومجتمعات، وهي سابقة على الدول والأنظمة وأهم وأبقى منها. وفي انتظار أن تنضج الشروط اللازمة لتحقيق الحلم، لا عيب في انصراف كل طرف إلى حال سبيله، والبحث عن منافذ بديلة للتقدم والتطور، ومن يدري؟ قد يكون ذلك سببا في تبدل الأحوال وتوفير شروط الحسم في وضع جامد منذ عقود.
مناسبة هذا الحديث ما جاء على لسان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في حواره التلفزيوني الأخير، من تأكيد النية على المضي في مشروع “تنسيق” إقليمي جديد مع تونس وليبيا، بدلا من انتظار إقلاع القطار المغاربي. والحقيقة أن الجزائر لم تؤمن يوما بهذا القطار ولا عملت على تفعيله. بل كانت تلك لحظة وئام عابر لم تستمر طويلا بين الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس الشاذلي بن جديد، حاولا فيها الانفلات من قبضة الجمود الذي سطّره عالم ما بعد الاستعمار لهذه المنطقة.
عكس المغرب الذي آمن بالفعل بهذه الفكرة، بدليل ما قدمه من تضحيات ترابية قاسية، تنازل معها عن أجزاء شاسعة من أرضه بهدف التوصل إلى حدود نهائية مع الجزائر، كان الحسن الثاني يردد أنه يريد رسمها سياسيا كي يتم تجاوزها اقتصاديا واجتماعيا.
حاول تبون أن يمشي فوق بيض بدا حريصا على تعدم كسره، أي أن الأمر يتجاوز الإرادة الإقليمية، وقال إن المبادرة الجديدة ل”التنسيق” مع تونس وليبيا غير موجهة ضد أي بلد عضو في اتحاد المغرب العربي، “خاصة أنهم قاموا باختيار آخر ولم يستشيرونا” يقول الرئيس الجزائري، مشيرا بشكل دقيق إلى تحركات المغرب تجاه كل من الخليج العربي ومنظمة “سيدياو” لدول غرب إفريقيا.
يبدو واضحا أن قرارا يتجاوز سقف قراراتنا الوطنية في المنطقة قد اتخذ ونحن ماضون في تطبيقه، ولعله خير.
أمام المغرب منفذ إقليمي ودولي واعد في الواجهة الأطلسية، وللجزائر أن تبحث عن مصالحها، ومصالح من يؤثرون في قرارها وقرارنا، في اندماج إقليمي مبتور يخرج الشمال الإفريقي من جموده الفاضح.
للمغرب فرصته الأطلسية الجديدة مع إعادة الهيكلة الشاملة التي تعرفها منطقة الغرب الإفريقي، ومشاريع الطاقات بنوعيها، المتجدد والأحفوري، من هيدروجين وكهرباء ريحية وشمسية، وأنبوب غاز يمكنه، في حال تحققه، أن يعزز اندماج وجاذبية هذا الركن من قارة واعدة.
لننصت إلى تأملات رجل حكيم اسمه عبد الله العروي في آخر يومياته المنشورة. الفيلسوف والمؤرخ يقول ما يعتمل في العقل الباطن دون أن تسمح طبقات العاطفة السميكة بإعلانه: الاعتقاد بأن النهوض يمر حتما عبر التوافق مع الجزائر خاطئ، لأن النظام الجزائري برهن أن مصلحته في استمرار التوتر والصراع بالرغم من كلفتهما الاقتصادية والتنموية.
الحل حسب العروي في تجاوز الجزائر وتركها جانبا (court-circuiter l’Algérie)، لأن إصرارنا على حل المشكلة مع الجزائر أولا، يخدم في النهاية سياسة حكامها، لأنهم يرددون دون توقف ألا شيء يمكن أن يتحقق في المنطقة بدونهم. ونبرة الحسرة أمام انكسار هذه الأسطورة كانت بادية في حديث الرئيس الجزائري الأخير. “قاموا باختيارهم ولم يستشيرونا” يقول تبون مشيرا إلى الاختيارات الدبلوماسية الجديدة للمغرب.
قساوة فكرة تجاوز الحلم المغاربي كما راود الآباء المؤسسين لدولتي ما بعد الاستقلال في المغرب والجزائر، يخففها حكيمنا العروي بدعوته إيانا إلى تأمل الخريطة جيدا، كي نعي كيف أن البحر الأبيض المتوسط الذي يشكل المنفذ الوحيد للجزائر على العالم، لا يمثل في النهاية سوى بحيرة صغيرة ومغلقة، بينما أمام المغرب ساحل أطلسي يجعله في قلب العالم.
يبدو أن حكيمنا قام بمراجعة عميقة لفكرة العزلة التي ألصقها سابقا بالمغرب حين اعتبره بمثابة الجزيرة المحاصرة بفعل جوارها الصعب من جميع الاتجاهات.
فكرة التجاوز هذه، والتي لن تكون إلا مرحلية لأننا لن نغيّر الجغرافيا، لا ينبغي أن تفاجئنا، لأن العقل الباطن لدولتنا أعلنها صريحة منذ أكثر من سبع سنوات، لكننا عجزنا عن سماعه بوضوح.
قالها في خطاب الملك أمام قمة الاتحاد الافريقي نهاية يناير 2017، بمناسبة عودة المغرب لشغل مقعده الافريقي، حين أعلن ضمنيا موت فكرة اتحاد المغرب العربي وانطلاق المغرب نحو أحلام جديدة.
يومها قال الملك إن المغرب ظل يؤمن بأنه ينبغي، قبل كل شيء، أن يستمد قوته من الاندماج في فضائه المغاربي، “غير أنه من الواضح، أن شعلة اتحاد المغرب العربي قد انطفأت، في ظل غياب الإيمان بمصير مشترك. فالحلم المغاربي، الذي ناضل من أجله جيل الرواد في الخمسينيات من القرن الماضي، يتعرض اليوم للخيانة. ومما يبعث على الأسى، أن الاتحاد المغاربي يشكل اليوم، المنطقة الأقل اندماجا في القارة الإفريقية، إن لم يكن في العالم أجمع”.
هل تريدون وضوحا أكثر من هذا؟ خاصة عندما يعود الملك بعد تقديمه مؤشرات اقتصادية عن فضل الحلم المغاربي، ليعلنها بوضوح: “إذا لم نتحرك، أو نأخذ العبرة من التجمعات الإفريقية المجاورة، فإن الاتحاد المغاربي سينحل بسبب عجزه المزمن على الاستجابة للطموحات التي حددتها معاهدة مراكش التأسيسية، منذ 28 سنة خلت”.