story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

أخنوش في برلمان القيّاد

ص ص

يشرفنا هذا اليوم، الأربعاء 24 أبريل 2014، السيد رئيس الحكومة بالحضور أمام مجلس الشعب (البرلمان) لتقديم ما يُفترض أنه حصيلة حكومته خلال النصف الأول من ولايتها. قلت يفترض لأن ما سيقوله عزيز أخنوش اليوم أمام الكاميرات معروف مسبقا ولن يحمل أية مفاجأة أو كشف جديد أو اجتهاد في التقييم.
وإذا كان هذا حال جميع رؤساء الحكومات، لأنه لا يعقل أن يأتي مسؤول تنفيذي من هذا الحجم إلى البرلمان لينتقد نفسه أو يسلط الضوء على النصف الفارغ من الكأس، فإن لمثل هذه الجلسات طابع آخر هو الذي يزوّدها بالجدوى والأهمية، وهو الدور الرقابي الذي يفترض أن البرلمان يمارسه على الحكومة.
والحال أن هذه الوظيفة الرقابية هي الغائب الأكبر عن الممارسة البرلمانية الحالية، في ظل تركيبة ثلاثية مهيمنة لا سابق لها في تاريخ المغرب منذ الاستقلال، وسلوك برلماني لفرق الأغلبية يتسم بالتبعية والانسياق التام، بل والمسارعة إلى تكميم أفواه العناصر الشاردة، كما حصل مع النائب هشام المهاجري، والتحكم المسبق في الخطوات الرقابية، بما في ذلك الأسئلة الشفوية والكتابية، كما تابعنا مؤخرا مع سؤال كتابي حول إعادة تعمير مناطق الزلزال الذي سحبه صاحبه بعدما قدمه رسميا.
نقاش الحصيلة من زاوية الأرقام والنتائج والإنجازات، يظل في حقيقة الأمر ترفا ولغوا في الحديث ليس إلا، لأن شرح الواضحات من المفضحات أولا، ثم لأننا نعرف جميعا مقدار مساهمة الفاعل السياسي والمنتخب في صناعة القرار العمومي، والذي يكاد يكون منعدما مهما اجتهدت مكونات “الواجهة” في لعب الأدوار بطريقة تخلو حتى من الحبكة والمسرحة.
وإذا كانت هناك من حصيلة يمكن مناقشتها مع الحكومة الحالية وأغلبيتها، فهي حصيلة مساهمتها في الواجهة السياسية، حيث تشير جميع المعطيات إلى موتنا السريري الذي ينذر بالسكتة القلبية، لا قدّر الله. ومن جميل الصدف أن تأتي الجلسة المرتقبة زوال اليوم، غداة انتخابات تشريعية جزئية، جرت في كل من دائرتي فاس الجنوبية وبنسليمان، عنوانهما الأكبر والأوضح هو العزوف الكبير وانسحاب الطبقة المتوسطة من ساكنة المدن بشكل كلي من “اللعبة الانتخابية” ما يعني أن جسدنا السياسي يرقد بهدوء في غرفة الإنعاش.
لقد أسفرت هذه الانتخابات الجزئية عن فوز كل من حزبي التجمع الوطني للأحرار (في فاس) وحزب الاستقلال (في بنسليمان)، وهو ما استعجل البعض تقديمه كإنجاز للتحالف الحكومي الحالي، بينما تكشف معطياته التفصيلية استفحال مظاهر الاعتلال التي أبان عنها الجسم السياسي المغربي في استحقاقات 8 شتنبر 2021، وانسحاب المواطنين مقابل استفراد الأعيان والكائنات الانتخابية ومنطق التوجيه المسبق لنتائج الانتخابات.
في فاس، كل ما تقوله الأرقام التي أسفرت عنها هذه الانتخابات، هو عجز عملية انتخابية من هذا الحجم عن تعبئة ولو 9 في المئة من الناخبين المسجلين. بل إن نسبة المشاركة بقيت تحت عتبة 6 في المئة في المناطق الحضرية، ما يعني أن المواطن المغربي المقيم في الحواضر استقال بشكل كلي من العملية السياسية.
بينما تشير النتائج شبه النهائية إلى تراجع كبير في أداء أحزاب الأغلبية الحكومية الحالية، في مقابل انتعاش ملحوظ في نتائج حزب العدالة والتنمية، الذي يمكن اعتباره أكبر الفائزين، سياسيا، من هذه الانتخابات.
فبلغة الأرقام، كان ثلاثي الأغلبية الحكومية، الذي خاض هذه الانتخابات متكتلا خلف مرشح واحد، قد حصد ما مجموعه 31 ألف و844 صوت في اقتراع 8 شتنبر 2021، بينما لم يحصل في انتخابات أمس سوى أقل من 10 آلاف صوت، أي أنه تراجع بنسبة تناهز 70 في المئة، علما أن الأمر يتعلق بانتخابات جزئية تنتعش فيها عادة الأحزاب الإدارية والمسنودة من السلطة والمعتمدة على الأعيان، وكلها خصائص مميزة للأغلبية الحالية.
بينما حصل حزب العدالة والتنمية في انتخابات 8 شتنبر 2021 على 5 آلاف و332 صوت في دائرة فاس الجنوبية، مقابل 3 آلاف و854 صوت في انتخابات أمس الجزئية، أي أنه تراجع بنسبة 28 في المئة فقط، علما أن نسبة المشاركة تراجعت من أكثر من 28 في المائة في 2021 إلى أقل من 9 في المئة أمس، ما يعني رياضيا أن حزب المصباح تقدّم بشكل كبير ولم يتراجع، بما أن نسبة المشاركة تراجعت بما يقارب سبعين في المئة.
أما حزب الاتحاد الاشتراكي فيمكن القول إن نتائجه بقيت مستقرة، بل تميل إلى التحسن، بما أن عدد أصواته انخفض بنسبة أقل من نسبة تراجع نسبة المشاركة.
لا تهمني هنا المقارنات بين نتائج الأحزاب بقدر ما يهمني وضعها في سياق مناقشة حصيلة الحكومة من زاوية الوضع السياسي العام. الأرقام المتوفرة عن اقتراع أمس تؤكد استمرار ما حصل في 2021، أي غياب التصويت السياسي في مقابل الإنزالات المريبة في دوائر قروية صغيرة من حيث حجم ساكنتها، لكنها تصبح حاسمة في مصير المقاعد البرلمانية، ما يطرح سؤالا كبيرا عن تمثيلية الخريطة الانتخابية الحالية للمجتمع المغربي.
حتى في دائرة بنسليمان، التي يغلب عليها أصلا الطابع القروي، نقرأ في أولى التقارير المفسرة لفوز المرشح الاستقلالي، كيف أن الحاج امبارك عفيري فاز بالمقعد بفضل دعم حزب التجمع الوطني للأحرار “صاحب الخمس جماعات في منصب الرئاسة، ودعم منتخبي حزب الاستقلال الذين لهم تواجد هام بمختلف جماعات إقليم بنسليمان وبشكل مماثل جماعة المنصورية التي يرأسها والتي لها 28 مستشارا ومستشارة من أصل 28″، يقول أحد المواقع الإخبارية.
إننا يا سادة، كما قلت وكتبت مباشرة بعد انتخابات 2021، أمام خريطة انتخابية ومؤسسات دستورية بدون انتخابات تشريعية بما هي آلية سياسية تفرز حسما بين مشاريع وعروض متنافسة. وبمنطق مفاوضات الكتلة الديمقراطية مع الملك الحسن الثاني حول ثلث مجلس النواب الذي كان يُنتخب بطريقة غير مباشرة، والذي تحوّل إلى غرفة ثانية بعد دستور 1996، أمام غرفتين كاملتين للبرلمان تنتخبان بطريقة غير مباشرة وعبر ناخبين “كبار” يقومون بإعادة تدوير كتلتهم الناخبة المنضبطة لقواعد الظاهرة القايدية كما يفسّرها الأستاذ محمد شقير، أي كبنية اجتماعية وإفراز سوسيولوجي انبثق عن المجتمع المغربي من خلال تطور بنياته.

وبهذا المعنى السوسيولوجي لا نصبح أمام برلمانيين وممثلين للأمة، بل نحن أمام “قيّاد” يجري انتقاؤهم وفقا لمعايير مخزنية قبل أن يتم إلحاقهم بغرفتي البرلمان.
بالتالي نحن أمام وضعية انسداد سياسي، بل واختناق تام لقنوات تصريف الديناميات والتفاعلات السياسية كما هي في المجتمع. وفي ظل هذا الوضع، المتسم بانسحاب تام للمواطن “المسيّس” في مقابل تجنيد السطلة لآليات الضبط والتوجيه التي تسمح بالتحكم الناعم في مخرجات الانتخابات، يمكننا أن نجري ما شئنا من الانتخابات العامة والجزئية، لكن النتائج ستظل هي نفسها، أي ما يقرره بشكل مسبق الماسكون بجهاز التحكم عن بعد.

لا يتعلّق الأمر ب”تزوير” أو تدخل مباشر، بل بمجرد هندسة انتخابية يمكن لأبسط مهندس أو تقني في البرمجة، أن يصوغ لنا خواريزمياتها لنعرف مخرجاتها بشكل مسبق.
أما حصيلة السيد عزيز أخنوش، فيمكننا أن نقول له، وقبل أن نسمع عرضه حولها، ما يقوله المغربي لمن يمتطي صهوة قصبة: مبروك العود!