story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

من كربلاء إلى دواهي عاشوراء

ص ص


أقسام الكلام ثلاث: اسم وفعل وحرف. هكذا وضعها الدؤلي معية الإمام علي رضي الله عنه، لما أرادا نهج قواعد للغة حفظا لها من الضياع والتحريف والفساد. وقال حينها الإمام للدؤلي، سائلا إياه: “وانحُ هذا النحو”، فسمّي النحو نحوا عن عبارته الشهيرة هذه. وما إن انحاز الفعل عن موضعه، ونأى الاسم عن مقامه، حتى اختل الكلام وفُقِد النحو، وصار نحوُنا معه مفقودا.
إن النحو في الكلام، هو قصد الصواب منه. وأي صواب يدرك، حين تسمع أن الفساد قد تمكن من العدالة. وحين ترى أن وزيرا تغيب عن جلسة أسئلة مبرمجة في البرلمان، تخص قضية وطن، وأية قضية. وحين يرفض عميد -أوتي به ضيفا- توشيح متفوقة طلاب، بسبب قضية أمة، وأية قضية.
لا نفتأ ابتلاع هُتر، حتى يصدح آخر، والأقداح، الأقداح، يثقبها الذهول. أترانا ننهض كل يوم، لنرجع ألف عام للوراء؟ والنهضة، أين نلقاها؟ وكل عاشوراء، يموت أبناؤنا في طقوس بربرية. فمفرقعات تحرق أعينهم، ونيران تنهش أبدانهم. وقصّر يتناقزون فوق اللظى، فمن أفلت منها فاز، ومن هوى فيها نال عاهة… وأيما عاهة.
جلد محروق، وندوب مشوهة، وطواقم طبية تبحث وسط جسم أكله اللهيب، عن جلد سليم حتى تقتلعه لتعيد زرعه مكان الحرق، وقائمة المآسي تتعدى وسع المدى. خلف مشهد أطفال تتراقص حول لهيب يتصاعد، تجد غالبا ثلة من “العقّال” تطبّل وأخرى تصور مخلدة الذكرى. فرحى بتسابق أبنائها نحو الهلاك. فهذا لعب وهذه فرحة “العواشر”.
متى التصقت هذه العادات الوحشية بنا؟ وإلى متى سنواصل جرها في أذيالنا؟ ومتى نستيقظ من ضلالنا هذا؟ تقول أم: كان ابني يلعب فحسب، مثله مثل باقي الأطفال، يرمي مثلهم “الدوليو” فوق النار، ويتسلون. حتى صار ما صار. لو تفقّدت التصريح من كل جهة، لما وجدت فيه، سوى البلاهة، والحماقة، والسفه. يبلغ الابن من العمر ثلاث سنين، وما تسمّيه الأم تسلية، كلف المسكين عينه اليسرى، ونصف وجهه الأيسر.
لا تعي الراعية، حتى فظاعة ما تقول. فالقدر من اعتدى على ابنها لا شيئا آخر. إن جهلنا فضيحة! يصادف الكرنفال الشعبي هذا، لهذا العام، فترة احتقان عاتية بقطاع الصحة، عقب لجوء قوات الأمن لاستعمال خراطيم مياه، لتفرقة محتجين من الكوادر الصحية، واعتقال بعضهم. إضرابات ممتدة، مراكز صحية مغلقة، مستشفيات شبه مشلولة، والطفل الصغير ستكون رحلته في العلاج، أوعر من مصابه الجلل.
حكومة الحمامة، في رحلتها لنشر السلم، والعدالة الاجتماعية، يبدو وكأنها نسيت محاربة الجهل، وتركت ذويه في الشقاوة منعمين. فالمدرسة العمومية هذه السنة، لم تفتح فصولها، سوى قاب قوسين أو أدنى من نصف موسم. ولا شيء أدنى، من أن تعجز عن النهوض بهذين القطاعين. فيصبح المواطن، فريسة لجهله وفقره، وقلة حيلته. نتخبط في تخلفنا، وندّعي التقدم. نغرد في المواقع الزرقاء، ونظائرها، ننفش الريش، ونستعرض انجازاتنا بتفاخر، نخلق البروباغندا. ثم يأتي العاشر من محرم ليكشف عنا الحجاب، ليعري عوراتنا، وليقلب حياة طفل، ويلزمه أن يعيش ما تبقى من عمره، بعين واحدة.