story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
تكنولوجيا |

“حرب كرة القدم”..قصة مباراة أشعلت حربا عسكرية بين دولتين

ص ص

خاض المنتخبان مباراة فاصلة بينهما يوم 26 يونيو من سنة 1969 على ملعب “أزتيكا” بالعاصمة المكسيكية، ففازت السلفادور بنتيجة 3-2 في الوقت الإضافي وتأهلت إلى الدور النهائي للتصفيات.
وعقب المباراة الفاصلة التي جرت بالمكسيك، تظاهر جمهور الهندوراس غاضبا في الشوارع، وقام بالاعتداء على المواطنين السلفادوريين المقيمين في بلدهم، ليضطر معظمهم للفرار إلى بلادهم تاركين ممتلكاتهم وبيوتهم.
وفي نفس اليوم، اتخذت السلفادور قرارا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع هندوراس بدعوى أن هذه الأخيرة “لم تتخذ أية إجراءات فعلية لمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم التي تعتبر إبادة، ولم تقدم تعويضات تأمينا أو تصلح الأضرار والخسائر التي تعرض لها السلفادوريون”.

عبر تاريخ الوجود البشري، نشبت العديد من الحروب العسكرية بين البلدان، اختلفت فيها الأسباب والنتائج والمسميات أيضا. فكل حرب سميت بحالتها أو بمنطقة وقوعها أو باسم الشرارة التي أشعلتها.
لكن أغرب حرب عسكرية بين دولتين خلال العصر الحديث، كانت قد نشبت سنة 1969 بين الجارتين هندوراس والسلفادور في منطقة أميركا الوسطى، وتعرف باسميْ “حرب الكرة” و”حرب المائة ساعة”، والتي نشبت بسبب مباراة في كرة القدم، جمعت بينهما ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم بالمكسيك عام 1970، وخلفت المعارك بين قوات البلدين مقتل ثلاثة آلاف شخص بينهم عدد كبير من المدنيين، وأكثر من 15 ألف جريح وآلاف المشردين، بالإضافة إلى تسببها في خسائر مالية قُدرت بنحو 8 مليارات دولار.

جذور سياسة للحرب
تصاعدت حدة الصراع خلال عدة أشهر بين البلدين عام 1969، حول قضايا سياسية مرتبطة بشؤون متعلقة بالهجرة، وكذلك قرار حكومة هندوراس بنزع ملكية أراض مملوكة لأكثر من ثلاثمئة ألف سلفادوري هاجروا واستقروا سابقا في هندوراس.
كان البلدان يخضعان آنذاك لنظاميْ حكم عسكرييْن دكتاتورييْن، ويعيشان أوضاعا سياسية واجتماعية صعبة، الأمر الذي جعل كل واحد منهما يبحث عن وسيلة لتصريف مشاكله الداخلية، فحاولا استغلال تنظيم مباراة لكرة القدم بين منتخبيْ البلدين في إطار تصفيات كأس العالم للتغطية على تلك المشاكل.
وكانت السالفادور تعرف سيطرة نافذة وقوية لمجموعة من الاقطاعيين على معظم الأراضي الصالحة للزراعة، مما تسبب في هجرة أكثر من 300 ألف من فلاحيها الفقراء إلى جارتها هندوراس، الفقيرة مثلها، ما زاد من نسبة البطالة في البلاد التي كان سكانها مليونين و233 ألف نسمة، لكن مساحتها تزيد على 70 ألف كلم مربع.
وباحتدام الأمور بين الدولتين قبل المباراة قررت حكومة هندوراس حظر امتلاك الأراضي على مواطني السلفادور، كما طرد سلفادوريين عاشوا فيها لأجيال، وعلى أثرها انقطعت من بعدها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، الى درجة أن الرئيس الأمريكي الراحل، ليندون جونسون، تدخل شخصياً لإعادتها بعد كد وتعب، لأن وسائل الاعلام في البلدين كانت تزيد الطين بلة، فلعبت دوراً مهماً في احتدام الأمور، وشجعت على الكراهية بين الهندوريين والسلفادوريين.

مباراة أشعلت الفتيل
جرت المباراة الأولى بين منتخبيْ الهندوراس والسلفادور يوم 8 يونيو 1969 في عاصمة هندوراس تيغوسيغالبا، وفاز المنتخب المضيف على السلفادور بنتيجة هدف لصفر وسط أجواء عدائية وأحداث شغب بين مشجعي المنتخبين.
وردت عليها السلفادور حين فازت بنتيجة ثلاثة لصفر، في مباراة الإياب يوم 15 يونيو من نفس العام على ملعب “فلور بانكال” بمدينة سان سالفادور، وسط أجواء متوترة أيضا، حيث نقل اللاعبون إلى الملعب في حافلات محصنة يحيط بها حراس مدجّجون بالسلاح، كما أحاط رجال الأمن بالملعب وهم يحملون البنادق والأسلحة الثقيلة.
وخاض المنتخبان مباراة فاصلة بينهما يوم 26 يونيو من سنة 1969 على ملعب “أزتيكا” بالعاصمة المكسيكية، ففازت السلفادور بنتيجة 3-2 في الوقت الإضافي وتأهلت إلى الدور النهائي للتصفيات.
وعقب المباراة الفاصلة التي جرت بالمكسيك، تظاهر جمهور الهندوراس غاضبا في الشوارع، وقام بالاعتداء على المواطنين السلفادوريين المقيمين في بلدهم، ليضطر معظمهم للفرار إلى بلادهم تاركين ممتلكاتهم وبيوتهم.
وفي نفس اليوم، اتخذت السلفادور قرارا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع هندوراس بدعوى أن هذه الأخيرة “لم تتخذ أية إجراءات فعلية لمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم التي تعتبر إبادة، ولم تقدم تعويضات تأمينا أو تصلح الأضرار والخسائر التي تعرض لها السلفادوريون”.
وجرت مناوشات على الحدود بين قوات البلدين قبل أن تبدأ الحرب في وقت باكر من صباح يوم 14 يوليوز 1969، عندما ضربت القوات الجوية السلفادورية أهدافاً في هندوراس. وجاء ذلك بالتزامن مع هجوم بري كبير تمركز على الطريق الرئيسي بين البلدين. وعلى الرغم من تصدي جيش هندوراس الأصغر قوة وعددا، تقدمت القوات السلفادورية واستولت على عاصمة المقاطعة نويفا أوكوتيبيك.
لكن في سلاح الجو، كان رد هندوراس أقوى حيث رد طياروها بقصف استراتيجي لمصافي النفط ومراكز القوة الرئيسية في السلفادور، ما تسبب بمشاكل لوجستية للقوات السلفادورية وأعاق تقدمها.

اتفاقية سلام
بعد أربعة أيام من المعارك الضارية بين جيشي البلدين برا وجوا، ومع نفاد الذخيرة من كلا الجانبين، تمكنت منظمة الدول الأمريكية (OAS) التي تفاوضت على وقف إطلاق النار ليلة 18 يوليوز، من تهدئة الأوضاع وتحقيق وقف كامل لإطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 20 يوليوز، أعقبه انسحاب القوات السلفادورية في أوائل غشت الموالي.
وبعد مرور 11 عاما على هذه الحرب التي راح ضحيتها الآلاف بين قتيل وجريح، وخلفت خسائر بالمليارات، وقّعت الدولتان معاهدة سلام في 30 أكتوبر من عام 1980 لاحتواء القضية التي كانت مدرجة تحت أنظار أمام محكمة العدل الدولية.
كما التقى منتخبا البلدين بعد ذلك في عدة مباريات رسمية دون وقوع أية مشاكل في المدرجات أو خارجها، ونجح الفريقان فيما بعد في التأهل معاً لكأس العالم بإسبانيا في عام 1982.