كأس أمم أوربا
ابتداءً من يومه الجمعة، ولمدة شهر كامل، سنجلس أمام تلفزاتنا المسطحة ل”نُخضّر” عيوننا في مباريات كأس أوربا للأمم 2024 التي ستحتضنها المدن الألمانية وملاعبها الأنيقة، وسننتشي في الروبورتاجات المصورة بمشاهد الشوارع والأزقة والمرافق العامة الممتلئة بجماهير المنتخبات المشاركة وهم يحدثون رواجا سياحيا قبل وأثناء وبعد المباريات.
كأس أوربا للأمم هي أرقى تظاهرة كروية خاصة بالمنتخبات، وتتفوق حتى على كأس العالم في المستوى التقني وفي الحضور الجماهيري، وجودة المواجهات وفي حدوث المفاجآت الجميلة أيضا.. هي ببساطة بطولة “مصفية” تشارك فيها منتخبات البلدان الأوربية التي تراكم عقودا من تطور كرة القدم وتمتلك أنظمة احتراف حقيقية في بطولاتها القوية، وتستطيع صناعة أبرز نجوم العالم، ويذر تسويق منتوجها الكروي ملايير الأوروات على اقتصادات بلدانها.
فرغم أنها لم تنطلق إلا في سنة 1960، أي بعد ثلاثين سنة على تنظيم أول دورة لكأس العالم بالأورغواي، بفعل ما شهدته القارة العجوز في تلك الفترة من ويلات الحروب المدمرة والشلل التام في الحياة العامة خلالها، إلا أنها استطاعت أن تتدارك سنوات التأخر لتأخذ حيزها في المنافسات الكروية العالمية وتتفوق على الجميع في جلب اهتمام الجماهير من مختلف ربوع العالم.
الجميل في هذه الكأس الأوربية أنها تُنَظم كل أربع سنوات، على عكس جل القارات التي تنظم كأسَ أممها كل سنتين، رغم أن أوربا وإمكانياتها وتقدمها الحضاري والعمراني والتنموي بإمكانها أن تنظمه كل سنة وفي أي بلد شاءت، وقد تقرر منح التنظيم في آخر لحظة لتجد من يجيبها ب”حنا واجدين” من الغد إن شئتم.. لكن الأوربيين تركوها “حلوة” كل أربع سنين حتى يشتاق لها الجمهور ولا يشتكي من تكرارها اللاعبون والمدربون.
دورة ألمانيا 2024 ستكون هي السابعة عشر في تاريخ المسابقة المليء بالأحداث والوجوه والمباريات التاريخية، وأيضا المفاجآت غير المنتظرة التي لازالت على لسان من عاشوها رغم مرور السنين والعقود.. فهل يمكن أن ينسى العالم أن منتخب الدانمارك تم استدعاؤه في آخر لحظة لتعويض يوغوسلافيا في دورة السويد 1992، لكن الفايكينغ الذين كانوا قد قطعوا عطلتهم السنوية، استطاعوا أن يطيحوا بكل أقوياء أوربا ويفوزوا بالكأس.
وهل يمكن أن ينمحي من الذاكرة أن منتخبا مغمورا إسمه اليونان بمدرب ألماني متقاعد إسمه أوطو ريهاغل، طحن الأخضر واليابس في دورة 2004 بالبرتغال وفاز باللقب وسط ذهول جمهور البلد المنظم في مبارتي الإفتتاح والنهاية.
هي فسحة لعاشقي كرة القدم الحقيقية لكي يتابعوا بطولة راقية، كل شيء فيها يمشي بدقة واحترافية وسلاسة، ولا مكان فيها لمشاكل التنظيم ولا لنظريات الكولسة والجدل حول تعيينات الحكام، ولا تأثير الشخصيات النافذة في نتائج الفرق والمنتخبات.