story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

اعتذار للحوز المنسي

ص ص

كم كان خجلي كبيرا حين تلقيت رسائل من شابة تتولى مهمة تنسيق تحالف يضم ضحايا زلزال الحوز الذي ضرب الأطلس الكبير، تطلب مني فيها إسماع صوتها وأصوات من خلفها من الضحايا، بعدما خلّفت لديهم تصريحات وزيرة الإسكان، فاطمة الزهراء المنصوري، أمام البرلمان، شعورا بالغبن والغضب.
علينا أن نشعر جميعا بالخجل من أنفسنا لأن “سبع أيام الباكور” انتهت بسرعة، وألقينا جميعا بقصة الزلزال المدمّر الذي ضرب قسما مهمّشا من مواطنينا، خلف ظهورنا، وعدنا إلى إيقاع حياتنا الاعتيادي، بأولوياته وانشغالاته وهمومه وأفراحه. ولأننا تركنا أهلنا، هناك في جبال الأطلس الكبير، يواجهون حر الشمس وبرودة الثلج والمطر تحت العراء، وفوق كل ذلك بيروقراطية واستعلاء إدارتنا وسلطاننا الحكومية.
صرخات أهلنا في الأطلس الكبير التي ترتفع تدريجيا هذه الأيام، تحتّم علينا إعادة فتح ملف التدبير الرسمي لكارثة الزلزال، والتساؤل حول أسباب وخلفيات ومبررات بعض الاختيارات، بما أن الشهور العشرة التي مرت لم تفرز ما يشفع للدولة أو يثبت صواب اختياراتها.
السؤال الأكبر الذي يعود إلى الواجهة اليوم، هو ما مصير القانون الذي كنا بالكاد قد استكملنا مساطر اعتماده ليصبح هناك تعويض خاص عن الوقائع الكارثية لصالح جميع المغاربة مع تأمين دولي يدعمه عند وقوع الكوارث؟
ماذا حصل للقانون رقم 110.14 المتعلق بإحداث نظام لتغطية عواقب الوقائع الكارثية، والذي يجمع بين نظام التأمين لفائدة الأشخاص الذي اكتتبوا عقد التأمين، ونظام الإعانات لفائدة الأشخاص الذين لا يتوفرون على أية تغطية؟
لماذا لم نفعّل هذا النص القانوني النافذ وفقا لما ينص عليه من آجال وإجراءات، ولجأنا إلى وصفة بديلة بالكاد مكّنت جزءا من الضحايا من “جوج فرنك” كتسبيق لإعادة بناء أو ترميم بيوتهم؟
ماذا تعني القوانين إذا لم تكن التزامات نافذة وجزءا من تعاقد اجتماعي كبير؟
نعم هناك جهد معيّن بذلته الدولة في مجالات التجهيز والماء والفلاحة والسكن والتعليم والصحة… لكنه جهد بسيط جدا مقارنة بهول ما حصل. وعلينا أن نعترف، جميعا، أننا تعاملنا بأنانية مع إخوتنا المغاربة الذين ضربهم الزلزال. أ
لقد قمنا حفلة تضامنية عابرة، نفّسنا فيها صدماتنا الخاصة، وأعفينا ضمائرنا من عناء التأنيب، والتقطنا الصور ووثّقنا مشاهد القوافل الإنسانية، ثم عدنا إلى مدننا وإلى بيوتنا وإلي انشغالاتنا المهنية والتجارية، وتركنا كل ذلك الخراب الذي جاء الزلزال ليضيفه إلى الخراب السابق، خلف ظهورنا.
التدبير الرسمي أبدى بعض مؤشرات الطمأنة في البدايات، لكنه اليوم وبعد مرور أكثر من عشرة أشهر على الفاجعة، يفصح عن خلاصة واحدة: تدخّل استعجالي لاحتواء الوضع إنسانيا وأخلاقيات ودوليا، ثم وضع برامج ومخططات على الورق، ثم بعد ذلك لا شيء.
أن يكون هناك اليوم مغاربة ينامون في الخيام كأي لاجئين في إحدى بؤر التوتر والحروب، يعني أن الحصيلة النهاية “لا شيء”، وأن مبدأ المحاسبة الذي ينص عليه الدستور في ارتباط بالمسؤولية ينبغي أن يفعّل، لأننا عدنا جميعا، مسؤولين ومجتمعا، إلى استئناف مساراتنا السابقة عن الزلزال، وتركنا الضحايا تحت رحمة إيقاع بيروقراطي ومبررات واهية كما نفعل مع عموم المغاربة حين لا تكون هناك طوارئ أو اهتمام دولي بما يحصل عندنا.
لقد علّقنا كل شيء على مشجب ميزانيات مؤجلة، وقسمها الأكبر مرتبط بمنح ومساعدات وقروض خارجية، قد تأتي أو لا تأتي. وجنّبنا ميزانيتنا العامة تبعات الجهد المالي الذي يفترض أن نبذله جميعا، دولة ومجتمعا، لإعادة إيواء وإدماج ضحايا الزلزال.
لقد اخترنا أن يعيش النسر بدل أن نساعد الفراخ الصغيرة.
تمنّ الحكومة اليوم على ضحايا الزلزال بأقل من مليارين ونصف مليار درهم صرفت لهم كمساعدات، بينما الوعد الذي انتهت إليه بلاغات الديوان الملكي عقب الكارثة، يتحدث عن 120 مليار درهم خلال خمس سنوات.
البرنامج المندمج ومتعدد القطاعات الذي أعلنه بلاغ للديوان الملكي وتولّت الحكومة تطبيقه، ينص على أربعة مكونات أساسية هي:

  1. إعادة إيواء السكان المتضررين، وإعادة بناء المساكن وإعادة تأهيل البنيات التحتية؛
  2. فك العزلة وتأهيل المجالات الترابية؛
  3. تسريع امتصاص العجز الاجتماعي، خاصة في المناطق الجبلية المتأثرة بالزلزال؛
  4. تشجيع الأنشطة الاقتصادية والشغل، وكذا تثمين المبادرات المحلية.

    أين هي إعادة الإيواء اليوم وإخوتنا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء؟ وأين فك العزلة وتأهيل المجالات الترابية؟ وأين تسريع امتصاص العجز الاجتماعي وتشجيع الأنشطة الاقتصادية والشغل؟
    كل ما قدّمناه حتى الآن هو 56 آلف أسرة بالكاد توصلت بالدفعة الأولى من الدعم المفترض أنه مخصص لإعادة بناء البيوت، وأقل من 7 آلاف أسرة توصلت بالدفعة الثانية بما مجموعه 122 مليون درهم، أي ما معدله 15500 درهم لكل أسرة، وأقل من 900 أسرة توصلت بالدفعة الثالثة بما مجموعه 11 مليون درهم، أي ما معدله 12 ألف درهم لكل أسرة. أي أن “المخيّر” حصل على أقل من 60 ألف درهم على ثلاث دفعات.
    بالله عليكم يا مسؤولي الرباط، من منكم يستطيع بناء “بيت في السطاح” بمجموع الدفعات الثلاث المقدمة لضحايا الزلزال؟ وهل يعقل أن قرابة 50 آلف أسرة بالكاد تسلّمت مبلغ 20 ألف درهم كي تجد لها سقفا جديدا بعدما انهار بيتها وفقدت ممتلكاتها وأثاثها ومواشيها؟
    الوزيرة المنصوري، وهي للإنصاف والموضوعية لا يمكن أن تصبح المسؤول الوحيد عن تدبير مخلفات الزلزال، استفزت الضحايا بشكل كبير حين طالبتهم باستئجار بيوت عبر الدعم الشهري المقدّر ب2500 درهم، والذي يِمنح لق رابة ستين ألف أسرة.
    بالله عليكم يا “ناس الرباط”، هل تستطيعون الخروج من بيوتكم وترك كل ما كسبتم خلال حياتكم خلف ظهوركم، والعيش بأمان وكرامة في بيت مستأجر ليوم واحد، مقابل 2500 درهم؟
    أين هي هذه البيوت التي سيستأجرها المشردون في جبال الأطلس الكبير؟ هل ترك لهم الزلزال بيوتا أصلا؟ أم هي دعوة مبطنة إلي الهجرة وترك الأرض والانتشار في بلاد الله الواسعة؟ ألم تدركوا أن معيل أو معيلة ما تبقى من الأسر المنكوبة، اضطر لشراء دراجة نارية، بالتقسيط، كي يتمكن من الانتقال كل يوم إلى أقرب مدينة ويعمل مقابل أجرة يومية أو أسبوعية، ثم يعود لذويه في الخيمة بالماء والغذاء؟
    أخطر ما في القصة أن أصوات ضحايا الزلزال ترتفع اليوم مطالبة بحقوق ثقافية وإنسانية حساسة، مثل احترام التعلق الكبير لدى ساكنة المنطقة بأرضها، وخصوصياتها الثقافية في مجال التعمير والبناء.
    الموضوع في طريقه نحو التحوّل إلى جرح جديد في جسم المغرب، لأن البعد الثقافي الذي بدأ يطل علينا برأسه يدل على أن السكين بلغت العظم، وسخط الساكنة من غياب الحوار والإنصات إليها، يعني أننا نصنع ملف اختلال مجالي جديد مع هذه المنطقة…
    وفي انتظار التجاوب الذي قد يأتي أو لا يأتي، لا نملك إلا أن نعتذر لضحايا الزلزال.