story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

فلسطين تعلّمنا

ص ص

أفضل الدروس على الإطلاق هي تلك التي تقدّمها لنا الحياة، لا تلك التي تلقّنها لنا المدارس.
وأكثر الدروس فائدة في المقرر الدراسي لحياتنا المعاصرة، هو ما الذي تجود به فلسطين على البشرية.
كل القيم والمبادئ والأخلاق التي قام عليها تحضّر الانسان وتمدّنه منذ وطأت قدم سيدنا آدم هذه الأرض، تحييها فلسطين.
حتى عندما كان الانسان “العاقل” حقا في طريقه إلى الأفول والزوال تحت وقع التطوّرات التقنية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، مفسحة المجال أمام مخلوق مفترس متجبّر يفسد في الأرض ويسفك الدماء، نهضت فلسطين من تحت أقدام الجميع وقلبت المعادلة يوم 07 أكتوبر المجيد.
قد تعجز بعض العقول الصغيرة عن إدراك أن كل ما يحصل اليوم في العالم، تقريبا، هو من تبعات ذلك الخروج البطولي لجنود المقاومة وما تبقى من كرامة فوق هذه الأرض، ليقولوا نحن هنا، نقرّر مصيرنا ونختار موقعنا في المعركة ولن نقبل أن نكون جسرا يمرّ فوقه الجبناء والطمّاعون.
كل ما نراه اليوم من مخاض عسير يعتصر رحم الحضارة الغربية من أقصاها إلى أقصاها، وما تسفر عنه تكتونية الصفائح الجيوسياسية من الأطلسي إلى الهادي، وقرارات الاعتراف الجديدة بفلسطين من دول ترسم بجغرافيتها مثلث القارة الأوربية، وملتمسات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وما تعيشه جل الدول الديمقراطية من تحوّل في المواقف والاختيارات الرسمية تحت ضغط الشارع المنتصر لإنسانيته… كل هذا من بركات سابع أكتوبر المجيد.
نعم، صحيح أن هناك الكثير من الخسائر والآلام والجراح خلف هذا الذي يجري أمامنا، والمئات، بل الآلاف من الأجساد والأشلاء دفنت تحت الأنقاض وأطنان المتفجرات والمواد الكيماوية التي تفوق في حجمها ما ألقي على ناكازاكي اليابانية من حمم نووية لإنهاء الحرب العالمية الثانية…
وهناك أيضا هذا الوجه المنافق الجبان الذي كشفت عنه الشرعية الدولية ومحاكمها وهيئاتها، بما في ذلك جعل الجلاد والضحية في السلة نفسها، والمطالبة بتوقيف قادة المقاومة من طرف المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية…
لكن هذا كله لا يقارن بما كانت الأوضاع تمضي نحوه من تصفية بئيسة للقضية الفلسطينية بمباركة وتواطؤ الإخوة والأعداء.
أول ما تعلّمنا إياه فلسطين في معركتها المجيدة التي تخوضها وحيدة في مواجهة، هو أن المقاومة ليست حُمقا أو جنونا أو طيشا غير محسوب العواقب.
المقاومة مبدأ واختيار وعقيدة يحيا بها الإنسان حتى وهو يموت جسديا.
ألم نشهد إحياء قضية اعتقدها الكثير من الجبناء من بني جلدتنا ماتت وراحوا يرقصون فوق ما اعتقدوه جثتها؟
وجديد الدروس التي نحضرها حاليا هو هذا الاعتراف الثمين الذي حصلت عليه دولة فلسطين من ثلاث دول أوربية، في وقت يعتقد فيه بعض الجبناء بيننا أن إسرائيل بسطت حكمها على العالم، شرقه قبل غربه، وألا مجال ولا إمكانية لمعاكستها أو حتي مطالبتها، بالأفعال إلى جانب الأقوال، بالكف عن جرائمها وطغيانها.
اعتراف النرويج وايرلندا وإسبانيا يعلّمنا أن العقل لم يغادر جسد السياسة، وأن الشارع لم يفقد قدرته على التأثير في القرارات وصناعتها، وأن هذا الغرب الذي أفزعنا بنفاق قادته وساديتهم ووحشيتهم، ليس الى قلب رجل واحد، وأن قيمه التي بنيت عليها الحضارة القائدة لعالم اليوم لم تمت ولم يحصل ما يجملنا على الكفر بها.
اعتراف الدول الأوربية الثلاث لم يأت لدعم الفلسطينيين ولا معاكسة إسرائيل، بل جاء استجابة لضغط شارع لم يهدأ ولم يمل من الاحتجاج والتظاهر والمطالبة بكف المجزرة. هذه ديمقراطيات تعلّمنا أن صوت املواطت ما زال له وزن وأن المعرمة ليست شأن الجيوش والاستخبارات والحكومات، بل معركة وعي أيضا.
الفرق بين المواطن النرويجي والإسباني والإيرلندي، والمواطن العربي، هو أن الأول إنسان حرّ، تربى ونشأ على الحرية والإنسانية والكرامة، عكس المواطن العربي الذي صدق المفكر حسن أوريد حين وصمه في كتابه الأخير بالاستعباد الطوعي.
إذا أردنا تحقيق ما يظفر به هذا الانسان الأوربي، فعلينا أن نعمل أولا على بناء هذا الانسان الحر.
أما طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، فهو وإن كان يساوي بينم الضحية والجلاد، لكنه على الأقل أقدم على توجيه أصبع الاتهام نحو من يصوّرهم البعض عندنا بصناع الشمس والمطر. الطلب يعني، في حال قبوله من طرف المحكمة، أن أكثر قادة الصهيونية وحشية وسفكا للدماء منذ التسعينيات. بنيامين نتانياهو، سيصبح طريدا ومحاصرا وعاجزا عن التحرك بحرية في العالم، أي وبكل اختصار نهاية لمسار ه السياسي الذي أمعن في تقتيل أطفال غزة أملا في إنقاذه.
فلسطين التي ستحتفل قريبا برفع علمها في ثلاث عواصم أوربية كبرى، تعلّمنا أنها هي التي تقود العرب وتدعمهم وتحرّر رقابهم، وأن قممهم الباهتة وبلاغاتهم التافهة لا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به، وأن للعدالة ربا يحميها…
فلنراجع دروسنا!