story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

وفاء لوصاياه وبوحه الأخير..سيرة النويضي الرجل “المتفرد في الحياة كما في الرحيل”

ص ص

كأنه كان يحمل هم العالم كله فوق أكتافه، أو هكذا فعلا كان، هذا هو المحامي والحقوقي الراحل عبد العزيز النويضي الذي أسلم روحه إلى بارئها بعد أن أفرغ ما بقلبه دفعة واحدة أمام عدسة الكاميرا، كمن يسلم بعناية وصاياه الأخيرة قبل الرحيل، لتظل بعده حية إلى الأبد.

عبد العزيز النويضي المحامي والحقوقي والأستاذ الجامعي الذي ترجل عن صهوة الحياة على حين غرة، رحل مثقلا بهم البلاد وهم العالم، واختار بعناية توقيت مقابلته الأخيرة التي شاءت الأقدار أن تكون هنا بمقر صحيفة “صوت المغرب”.

هو ابن اليسار الذي  أخذ على عاتقه منذ زمن بعيد، هم الدفاع عن كل من يراه مظلوما، فكان دائم الحضور في المحاكمات الكبرى التي عرفتها محاكم المغرب. ولم يتوان في تسجيل نيابته في ملفات القضايا المتعلقة بحرية الرأي والاحتجاج والتعبير.

عن حياة الراحل

وعاش الراحل عبد العزيز النويضي محطات نضالية كبرى خلدت اسمه في سجل الوطنيين الكبار، تبنى عددا من الملفات الحقوقية ودافع عن عدد من القضايا الإنسانية، عبر مسار مهني طويل بدأه أستاذا جامعيا وأنهاه محاميا مسكونا بالدفاع عن القضايا العادلة.

وبرحيله تكون الساحة السياسية والحقوقية بالمغرب قد فقدت أحد أبنائها البررة الذين نذروا حياتهم للدفاع عن الحقوق والحريات وناضلوا من أجل تعزيز الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان.

ويعد الراحل عبد العزيز النويضي أحد أبرز الوجوه التي وسمت المجال الحقوقي على مدى عقود طويلة، دافع وناضل ورافع من أجل الحق والدفاع عن المظلومين ونصرة القضايا العادلة، حتى لقي ربه وهو على ذلك.

وبدأ الراحل مساره المهني أستاذا جامعيا في القانون، قبل أن ينتقل إلى ممارسة مهنة المحاماة التي ظل من خلالها حاضرا في ردهات محاكم المملكة، منتصبا للدفاع عن حقوق صحافيين، وسياسيين ومدافعين عن حقوق الإنسان.

سياسيا انخرط الراحل في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومارس العمل النقابي بعد التحاقه بنقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وشغل بها منصب المستشار القانوني لزعيمها الراحل محمد نوبير الأموي.

منصب المستشار القانوني رافق الراحل وهو ينتقل من الساحة النقابية والحقوقية إلى الساحة الحكومية حينما شغل ذات المنصب مع الوزير الأول آنذاك الراحل عبد الرحمن اليوسفي خلال حكومة التناوب، ما بين 1997 و2002.

وبعد انتهاء مهمته الحكومية مكلفا بملف حقوق الإنسان والعلاقات مع المنظمات الحقوقية الدولية أسس الراحل جمعية “عدالة” التي اتخذت الحق في محاكمة عادلة نبراسا أضاء به الراحل مساره الطويل في الدفاع عن حقوق المتهمين.

فضلا عن ذلك شغل النويضي عضوية “الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح القضاء”، ورفض إلى جانب آخرين تلقي أي تعويض مادي عن مهمته، كما شغل كذلك منصب الكاتب العام لمنظمة “ترانسبرنسي المغرب”.

القضية الفلسطينية هي الأخرى لم تغب يوما عن فكر ووجدان الراحل، ظلت فلسطين حاضرة بثقلها التاريخي والحقوقي والسياسي في سكنات وتحركات عبد العزيز النويضي الذي لم ينزح يوما عن موقفه الثابت من نصرة الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، ويكفي القول إن الراحل رفض تسلم وسام الشرف الفرنسي عام 2014، احتجاجا منه عن الموقف الفرنسي الداعم لإسرائيل في حربها على غزة سنة 2014.

البوح الأخير..

 مسيرة الراحل التي انطلقت من رحم القانون، زاوج فيها بين التنظير الجامعي والممارسة المهنية، وما بين الجامعة وردهات المحاكم انسل عمر الفقيد وانسلت منه المواقف التي لا تنسى، والتي لا يعترف فيها بالحدود الجغرافية، ظل يؤمن بالقضايا العادلة حتى الرمق الأخير.

وظل يتحدث بحرقة حتى آخر نفس له خلال مقابلته الأخيرة التي شاء القدر أن تكون مع صحيفة “صوت المغرب” عن المغرب الذي يريده، والنور الذي ينشده، وعن الخلف الذي ينبغي للسابقين أمثاله أن يغرسوه في وجدان اللاحقين حتى لا تخبو جذوة الدفاع باستماتة عن حقوق المظلومين في هذه الأرض.

بعد عمر حافل وطويل من النضال، اختار الراحل عبد العزيز النويضي، من حيث لا يدري، أن يرحل إلى حيث عدالة السماء بعد أن  قال دفعة واحدة كل ما يضج في قلبه. نفث الألم والأمل والحكايات القديمة والحديثة، قال كل شيء ومضى بهدوء يليق بالحياة التي عاشها، مضى متخففا من هم الحكي وثقل البوح.

مضى الراحل إلى مثواه الأخير شامخا وهادئا، مضى تاركا وصاياه الأخيرة فوق طاولة الحوار وأمام عدسات الكاميرات لتقول بعده كل ما أراد أن يقوله خلال كل سنوات حياته، هذه الوصايا التي ستظل حية إلى الأبد، كما سيظل اسمه محفورا في سجلات الذاكرة، هكذا على هذا النحو : “عبد العزيز النويضي المناضل والمحامي الحقوقي”.