story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

الغولة

ص ص

المغرب الذي يقبع بكل أريحية في الرتبة 120 عالميا حسب مؤسر التنمية البشرية الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هو نفسه المغرب الذي أنتج زيادة في عدد المليونيرات (أصحاب المليون دولار وما فوق) بنسبة 35 في المئة في العقد الأخير، وبات يصنّف ضمن الخمسة الأوائل في إفريقيا من حيث عدد الأثرياء، وهو واحد من أكثر الدول سرعة في إنتاج الأغنياء جدا. كل هذا في وقت ما زالت الدولة لم تقدّم بعد الجواب الذي طرحه عليها الملك قبل عشر سنوات تحديدا، أي أين هي الثروة؟
الجواب الوحيد المتوفّر حتى الآن بعد مرور عشر سنوات علي هذا التساؤل الذي أدرجه أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، أحمد بوز، في مروره الأخير ضمن برنامج “ضفاف الفنجان” أواخر شهر رمضان، ضمن الخطب الملكية المعارضة، هو الذي قدّمه تقرير “الثروة الإفريقية” لسنة 2024 الصادر عن شركة الاستشارات العالمية “هينلي أند بارتنرز” والذي يفيد بأن المغرب يضم 6800 مليونيرا و4 مليارديرات (الحديث هنا بالدولار)، فيما بلغ عدد الأثرياء الذي تفوق ثروتهم ال100 مليون دولار (أي 100 مليار بحساب الفقراء) 32 شخصا، وهو ما يجعل المغرب الأول مغاربيا من حيث عدد الأثرياء.
هذه المعطيات المرتبطة بإنتاج الأثرياء لا يمكن أن تُقرأ بمعزل عن دينامية إنتاج الفقراء الذي يتحولون دون أدنى شك إلي حطب في نار الانتخابات ومن ثم إنتاج الخرائط السياسية والمؤسسات التي يفترض فيها منح الشرعية لممارسة السلطة. وهو ما يتيحه التقرير الأخير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول مؤشر التنمية البشرية، والذي يوضّح كيف أن الواحد في المئة الأكثر غنى من بين المغاربة يحصل على أكثر من 15 في المئة من الناتج الداخلي، مقابل حصول 40 في المائة من المغاربة الفقراء، على 17.4 في المائة، أي أن كل مغربي غني جدا يحصل تقريبا على دخل يساوي دخل 40 مغربيا فقيرا… اللهم زد وبارك!
هناك عيب واضح واختلال مخيف في توزيع ثمار ما تنتجه هذه البلاد من خيرات، والخطب الملكية أكدت ذلك بصريح العبارة عندما كانت تمهّد لدينامية تحضير مشروع تنموي جديد. والمعطيات الحديثة التي قدمتها المندوبية السامية للتخطيط تفيد أننا نغوص أكثر في وحل هذه الفوارق الظالمة، بما أن معدل البطالة بلغ 13 في المئة، وبالتالي سنكون أمام مزيد من الفقراء في المستقبل القريب في مقابل تأكيد جميع المؤشرات الدولية والإقليمية أن مسار إنتاج الأغنياء والمليونيرات مستمر، والمدن والحواضر الكبرى مثل الدار البيضاء ومراكش ماضية نحو مواصلة هذا السبيل.
لا داعي للاجتهاد كثيرا أو البحث عن تفسيرات معقدة في النظريات أو الدراسات، لأن الظاهرة تعني بوضوح وجود نمو اقتصادي فعلي، لكنه ينتهي في حسابات بنكية وجيوب قليلة، كما يعني استمرار قسم كبير من النشاط الاقتصادي المنتج للقيمة المضافة خارج المنظومة الاقتصادية المهيكلة، وهو ما تؤكده الأرقام الأخيرة لبنك المغرب عن الحجم المهول للسيولة المالية التي يخبئها ويصرّفها المغاربة بعيدا عن المنظومة البنكية، وكم كانت تعليقات جمهورنا دالة على هذه المعطيات، حين عبّرت بصراحة عن غياب الثقة في هذه المنظومة.
هو الاحتكار وغياب الشفافية والتوجّه المتزايد نحو تركيز الثروة الاقتصادية في يد أقلية قليلة من المحظوظين والمقرّبين والمحميين الجدد، في سياق يهيمن فيه هؤلاء على السلطة السياسية بما في ذلك الواجهة الديمقراطية الشاحبة، من برلمان وحكومة ومجالس جهات وجماعات ترابية كبرى… أي أننا نغوص أكثر فأكثر في وضعية يتعمّق معها الفرق بين الأغنياء والفقراء، ويتأجج الشعور بالحرمان والإقصاء و”زيادة الشحمة” في ظهر البعض في مقابل سحب الدعم الاجتماعي تدريجيا وتعويضه بمنظومة دعم جديدة تقصي قسما كبيرا من الفئات الهشة والمتوسطة بعلة “المؤشر الاجتماعي” وتلقي لمن يعتبرون مستحقين لهذا الدعم بفتات لا يسمن ولا يغني من فقر.
العبارة التي تسعف في تسمية ما يجري حاليا، بكل نهم وسباق ضد الزمن وعدم الخوف من آليات المساءلة والمحاسبة، رغم ما تلوّح به السلطة من عصا المتابعات والمحاكمات، هي التي أطلقها فاعل فلاحي خرج علينا قبل أيام في فيديو ظهر فيه بلباس الإحرام وهو في الديار السعودية لإجراء مناسك العمرة، حيث لم يتمالك غضبه وهو يطالع لائحة المقبولين لاستيراد أغنام عيد الأضحى، حيث وجد نفسه خارجها في مقابل استفادة عدد ممن اعتبرهم محظوظين بامتياز استيراد عشرات الآلاف من رؤوس الأغنام، والحصول بذلك على 500 درهم عن كل خروف مستورد.
أي أن كل محظوظ سيستورد عشرة آلاف خروف فقط، وهناك من يستورد أكثر من ذلك بكثير، سيحصل من الدولة على خمسة ملايين درهم، أي 500 مليون، “باردة” و”ما هزّ ماحط”، دون أن تخبرنا الدولة التي توزع أموال ضرائبنا على هؤلاء المحظوظين، أين هو دورها وكيف تتدخل لتضمن وصول هذا الدعم إلى المواطن المقبل على شراء الأضحية؟ ولا لماذا تتركه حينها وجها لوجه مع “قانون السوق” الذي لا يعني في الحقيقة سوى قانون الغاب، بما أن هذا السوق قائم على تشريعات ونصوص تنظيمية ومال عام، ولم ينشأ بطريقة تلقائية حتى نقول “دعه يمرّ دعه يعمل”.
إنها “الغولة” يصرخ مواطننا المعتمر من الديار السعودية، موضحا أنها المرادف الدارج لكلمة “الاحتكار” بلغة الاقتصاد. هذه الغولة هي التي تلتهم ثمار ما ينتجه عموم المغاربة من نمو اقتصادي عبر اشتغالهم وكدّهم وتعبهم ودفعهم للضرائب المباشرة وغير المباشرة، وتَبيضه في المقابل في حِجر القلة القليلة المحظوظة والمحمية بتحالفها مع السلطة وفرضها لقانون خاص بها في السوق يجعلها محتكرة ومراكمة للامتيازات… فحذار من أن تلتهمنا جميعا.