story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

البحث عن الزمن المفقود..

ص ص

هل يمكن استعادة الزمن المفقود؟ هل تمكن إعادة ضربة الجزاء التي ضاعت أمام جنوب إفريقيا؟ تبدو الإجابة بدهية إلى حد ما: لا. في التعليم، تتشكل قناعة بإمكانية إعادة ضربات الجزاء الضائعة أمام مرمى النظام الأساسي، بإمكانية القبض على الزمن وتعبئته في كرّاسات وتوزيعه كحصص معونة من الزيت والطحين بالفترات المسائية وعطل نهاية الأسبوع.
 في تصوّر معين للتعليم، الدرس لا يشبه تنفيذ ضربة جزاء في مباراة حاسمة. يمكن للدرس ألا “يحدث” ثم “يحدث لاحقا” وتبقى النتيجة نفسها: النجاح/ الفوز. طبّق هذه الفكرة على كرة القدم وستظهر لك المفارقة.
كرة القدم والتعليم وما تقرأه الآن وكل أحداث الحياة تحصل في الزمن وليس خارج الزمن. الزمن، الذي يعتبر في أبسط تعريفاته، متوالية من الأحداث التي تخترق الحاضر قادمة من الماضي باتجاه المستقبل. بمعنى أن الزمن لا يعود للخلف أبدا، ولا يؤمن بالقدرة على التدارك والتلافي والتصحيح، أو لنقل لا يفهم طبيعة الأحداث التي تتشكل في أحشائه، أهي أحداث تأسيسية كبداية العالم وصرخة الولادة أم أحداث مشتقة كرابع أسبوع من الإضراب وخامس حصة مؤجلة وعاشر خصام بين حبيبين..
وزارة التربية الوطنية تعي فداحة التورط في علاقة معقّدة مع “كائن” بهذه الطبيعة المندفعة وغير القابلة للتدارك، لكنها تجرؤ رغم ذلك على زعم “ترشيده” و”تدبيره” و”مراجعته” بل و”استدراكه”، حين تتحدث، في وثائقها، عن “ترشيد الحصص الزمنية المقررة” و”تدبير أمثل للزمن المدرسي وزمن التعلم المتاح” و”مراجعة الوعاء الزمني لبعض الوحدات الدراسية”، و”استدراك الزمن الدراسي المفقود”!
عمليا، كيف يمكن استعادة ما ضاع من زمن المتعلّمين؟ أو لنقل كيف تهزم وزارة التربية الزمن الذي هزمنا في سان بيدرو بالكوت ديفوار؟ جواب الوزارة هو المرونة ( التي غابت عن حكيمي وهو يحاول ثقب الشباك بضربة قاضية).
الوزارة تستخدم المرونة كنوع من المفهوم الجامع (umbrella term) لكل العمليات الجراحية التي بدأتها على عجل في جسد “الزمن التعليمي” أي في المناهج والدروس والوحدات والمجزوءات ومراحل الدعم والفروض.
لكن تحت المرونة تعتمل آليتين أساسيتين هما الحذف والتجميع.  الحذف يمس الفروض والدروس – بدرجات مختلفة – بالنسبة للفروض عبر “إنجاز فرض واحد في كل مادة  بجميع المستويات خلال ما تبقى من الأسدوس الأول” وبالنسبة للدروس عبر “الاكتفاء” بأجزاء ونماذج من دروس، أو “اللجوء للحذف في بعض الحالات”.
أما التجميع فقد يعني تجميع بعض الدروس “المتقاربة” في حصة واحدة، كما يعني تجميع بعض الوحدات (تتضمن عدة دروس) مع بعضها دون الفصل بينها بفرض أو حصص تقويم ودعم، أو حتى تقديم درسين في أسبوع واحد عوض تقسيم الدرس الواحد على أسبوعين أو أكثر.
لنعطي مثلا: في أسبوع واحد يجب تلقين التلميذ المغربي في مادة الرياضيات في السادس ابتدائي درس “الأعداد الكسرية” ودرس “تنظيم ومعالجة البيانات”، وفي مادة العربية (للتمليذ نفسه!) “الميزان الصرفي” و”الأسماء الخمسة” و”الإملاء” و”أنشطة للفهم” و”كتابة مقال” و”إعداد تحقيق عن مظاهر المواطنة”!
لنبقى مع التلميذ نفسه، الذي يدرس في السادس ابتدائي، يجب تدرسيه في الفرنسية في أسبوع واحد “التعبير عن موقف” (مادة التواصل) و”الجملة الاستفهامية” و”تصريف الفعل في زمن المستقبل البسيط” (le future simple)، و”إعراب أو تطابقات صيغة الماضي من الفعل” (l’accord du participe passé)، و”إنجاز حوار حجاجي بإعداد أسئلة أو أجوبة أو هما معا”.
وهذه الطريقة برمتها، تطبق في الإعدادي والثانوي أيضا، علما أن الدروس التي تُختصر وتُعصر عصرا كانت تقدم في العادة في أسابيع وحصص متفرقة. ورغم تقديمها في امتداد زمني أكبر، لم تكن تؤتي أكلها فهما واستيعابا وتملّكا من من طرف التلاميذ لأسباب مركبّة تضج بها تقارير وطنية ودولية عن وضعية التعليم في البلاد. 
 الموضوع الوحيد الذي لم تمس الوزارة بجدولته الزمنية هو القرآن الكريم في مادة التربية الإسلامية الذي “يُقدّم في حصتين أو أكثر حسب طول السور أو قصرها”. على الأقل، أمام القرآن توقف سحر الوزارة!