story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

الزلزال.. صرخة الأرض المدمرة

ص ص

هي صرخة لها صوت وموجات تنطلق في اتجاهات عشوائية، حين تتثاقل الأرض فتخرج أثقالها و تكسر قشرتها وتُحدث دمارا مخربا على سطحها.

لم تسلم منطقة الحوز من زلزال مدمر خلال شهر شتنبر من العام 2023، الذي اعتبر الأشد فتكا وقوة في تاريخ المغرب الحديث، وراح ضحيته أزيد من 300 ألف شخص، منهم من قضى ومنهم من تشرد ومنهم من أصابته أضرار جسيمة جراء انهيار المباني.

وتعتبر منطقة الحوز بفعل انتمائها إلى المنطقة الجيولوجية الجبلية المعروفة بالأطلس، باحتمال وجود أنشطة زلزالية على طول السلسلة الجبلية مع استحالة التقدير الزمني للتنبؤ باحتمالية حدوث الزلزال. فالتقدير يتم اعتمادا على التجربة التكرارية لتردد حالة طبيعية كما هو الشأن بالنسبة للفيضانات والتساقطات المطرية القصوى، لكن بخصوص الزلازل فقد تعرف منطقة حدوث زلزالين عنيفين في مدة قصيرة وقد تعرف نفس المنطقة خمولا خلال مدة طويلة، بالتالي لا مناص للعلماء والمهندسين ومدبري الشأن العام من تحديد المواقع المعروفة بالنشاط الزلزالي واعتماد معايير وقوانين عمرانية مقاومة للزلازل أو على الأقل مساهمة في الإقلال من النتائج الوخيمة الممكن حدوثها عقب الكارثة.

اعتمد المغرب منذ سنة 2002 على الأقل، لضابط بناء مقاوم للزلازل يسمى RPS 2000 تمت المصادقة عليه من خلال المرسوم رقم 2.02.177 الصادر بتاريخ 22 فبراير 2002. وفي ما يلي أهم القوانين المُدرجة في الضابط، والتي يعتمدها المهندسون خلال التصاميم والدراسة الهندسية للإقلال من مخاطر الزلازل والهزات الأرضية.

  1. خصائص مواد البناء:
    أ‌. الخرسانة: تعتبر الخرسانة القابلة للتسليح عبر الحديد، أهم مواد البناء. وهي بدورها مزيج من رمل وأحجار مكسرة وإسمنت وماء، بكميات معينة يحددها خبير تقني مختص، وينبغي أن يكون السلوك الميكانيكي للخرسانة ثابتا تحت كل التشوهات المُنتَجة بفعل التحركات الأرضية، كما ينبغي أن تكون قيمة مقاومة الضغط الخاصة أكبر من 22 Mpa، والتي تعني أن المادة الخرسانية قادرة على تحمل قوة ضغط أكبر من هذه القيمة بعد انقضاء مدة 28 يوم من تاريخ الصب.
    ب‌. حديد التسليح: هي قضبان حديدية مندمجة بالخرسانة، من خصائصها أيضا أن تكون عالية الالتصاق (Haute Adhérence) وذات مرونة قصوى تصل إلى 500 Mpa، إضافة إلى معامل سلامة بقيمة 1,15 يتم اعتماده حسابيا لتقدير المساحات الحديدية، ثم أخيرا اعتماد مخطط (تشوه – إجهاد) هو المعمول به في نظام الخرسانة المسلحة.
  2. اختيار الموقع:
    اختيار الموقع، هو شرط حاسم في التقليل من أضرار الزلزال، وله تبعات تقنية دقيقة لن نخوض في تفاصيلها، لكن نُجمل أهم عناصرها في ضرورة إنجاز دراسة جيولوجية للتربة، والابتعاد ما أمكن عن الكسور الجيولوجية المحتملة، ثم تقدير عمق الفرشة المائية لاحتمال التسربات المائية بعد حدوث الزلزال.
  3. نظام الأساسات:
    تعتبر الأساسات حامل المنشئة وهي العنصر الناقل لكل حمولات المبنى نحو الأرض الرافعة الأساسية لكل ما يُشيد فوق قشرتها. وللأساسات شروط ينبغي توافرها للحد من مخاطر الزلزال كضرورة انسجام وصلابة عناصرها، وكذلك انغراسها في الطبقة الصخرية بعمق يحدده المختبر المختص، ثم إضافة إلى هذا يجب تشبيك الأساسات عبر عناصر خرسانية طولية تسمى Longrines. وعلى المهندسين حساب الأساسات بفرضية أن فشل المبنى يصيب الأجزاء العلوية وليس الأساسات السفلية خلال حدوث اهتزاز.
  4. هيكل المبنى:
    هيكل المبنى بمثابة العظم المكسو باللحم في الجسم، وله مجموعة من الشروط الواجب احترامها للحد من مخاطر الزلزال، كاعتماد شكل هندسي بسيط قدر الإمكان مع إعمال فوارق (Joints) في حال تصاميم هندسية معقدة الشكل، ينبغي أيضا اعتماد هذه الفوارق في حال وجود مبنيين متراصين مع اختلاف في العلو وملء الفوارق بمادة مرنة مانعة لانتقال القوى الأفقية بين المبنيين لترك حرية تحرك المبنى بشكل مستقل ومن دون حدوث أي ترابط حركي بين المباني المتراصة.
  5. حسابات و ترتيبات تقنية:
    بالإضافة إلى كل ما تم ذكره، وللمزاوجة بين المرونة والصلابة، وبعد إجراء العديد من الأبحاث والدراسات التجريبية، تم التوافق على ضرورة احترام مجموعة من القيم الحسابية ومعاملات السلامة، وكذا مقادير هندسية خاصة بالسمك الأدنى لعناصر هيكل المبنى ومواد البناء، التي يجب قطعا العمل بها من دون أي تهاون أو تقليل.
    وللحد من مخاطر الأضرار الناجمة عن حدوث الزلزال، هناك قيم وأرقام وتصاميم يُحددها المهندس المدني الذي يُعتبر الجهة التقنية الوحيدة المخول لها البث وضبط الدراسة المفضية إلى إنجاز بناء مقاوم للزلازل.
    تُعتبر خطوة ترسيم القانون المتعلق بضابط البناء المقاوم للزلازل خطوة مهمة على درب تشييد مباني ذات جودة عالية بالمغرب. وقد ظهرت نتائج اعتماد هذا القانون من خلال معاينة بعض المباني في منطقة الحوز بعد الزلزال، والتي لم تعرف تضررا كبيرا بفعل احترام تصاميمها لمقتضيات الضابط.
    ورغم أن خطوة الترسيم ضرورية، إلا أنها غير كافية، بل ينبغي ان يُواكبها انخراط كل الجهات المعنية لتأكيد إعمال هذا القانون من خلال التصاميم والدراسات، وكذلك جَزر ومعاقبة كل من يُخل بتنزيل مقتضياته.
    بالإضافة إلى كل هذا، لابد من إطلاق ورش تشكيل هيئة وطنية مهنية خاصة بالمنهدس والهندسة المدنية، كعربون انخراط السلطات والجهات الحكومية، وكذا المهنيين في تطبيق أحكام الضابط السابق ذكره للتقليل من الأضرار الجسيمة الناجمة عن حدوث الزلازل.