تسعةُ رهطٍ يٌفسدون..
حاجيتكم ما جيتكم على 9 رهط معنوية، ربحوا لوحدهم خلال الشهور الثلاثة الثانية من السنة الحالية، مليارين و400 مليون درهم، أي 240 مليار سنتيم مما يعدّ “المزاليط”، مليار ينطح خوه، من بيع مادتين خفيفتين في الميزان ثقيلتين في الحسابات البنكية هما الغازوال والبنزين.
هؤلاء “الرهوط” أنفسهم كان مجلس المنافسة قد ضبطهم متلّبسين بجريمة التواطؤ والاتفاق على الأسعار وتحقيق أرباح غير مشروعة، وبدل أن يساءلوا ويحاسبوا ويدفعوا الثمن، تم تفجير مجلس المنافسة من الداخل والإطاحة برئيسه السابق، واستبدال العقوبة بغرامة “تصالحية”، وها هم الآن يربحون قرابة درهمين في اللتر الواحد من البنزين، ويستفيدون من انخفاض الأسعار العالمية دون أن يعكسوا هذا الانخفاض على سعر البيع، والذي يخبرنا بذلك ليس سوى مجلس المنافسة نفسه.
وا قولوا باز!
التقرير الأخير لمجلس المنافسة حول الربع الثاني من 2025 لا يحتاج إلى تعليق، يكفي أن نقرأه بصوت مرتفع ثم نسأل: من يحكم سوق المحروقات، الدولة أم نادي “التسعة الكبار”؟
الواردات من الغازوال والبنزين ارتفعت حجما بنحو 4,2% لتبلغ 1,72 مليون طن، بينما هوت قيمتها بأكثر من 22% لتستقر عند 10,93 مليارات درهم. أي أن كلفة التموين نزلت من السماء نزولا حقيقيا، لكن الأسعار في المضخة لم تجد سلّما تنزل به إلى جيوب المستهلكين.
الفاعلون التسعة أنفسهم هيمنوا على 81% من الحجم و80% من القيمة، وواصلوا الإمساك بـ81% من طاقة التخزين الوطنية تقريبا، لأن من يملك الخزّانات يملك الزمان والسعر معا.
الأرقام التي يسوقها المجلس تقطع الشك باليقين. تكلفة شراء الغازوال تراجعت بحوالي 0,98 درهم للتر، لكن سعر التفويت للمحطات لم ينخفض إلا بـ0,47 درهم.
وفي البنزين، نزلت التكلفة بـ0,61 درهم للتر، بينما لم تهبط أثمان البيع إلا بـ0,32 درهم. الفارق البسيط بين “ما نشتري به” و“ما نبيع به” يتضخّم ليصير “هوامش ربح خام” ثابتة على القلوب: 1,17 درهما للتر في الغازوال و1,83 درهما للتر في البنزين، بمستويات “مشابهة” لما كانت عليه سنة 2024، وكأن العالم لم يتغيّر والأسعار الدولية لم تتراجع والاقتصاد لم يتنفس.
أية واقعية تنافسية هذه التي تثبت فيها الهوامش حين تهتزّ كل المؤشرات الأخرى؟
ولأننا في سوق لا تعرف الصدفة، فقد رصد المستهلكون ـ قبل المجلس ـ “ذكاء القطيع” في تعديل الأسعار: زيادات جماعية بداية منتصف نونبر، بقرار غير مكتوب يُطبَّق في اليوم نفسه وبالفارق نفسه تقريبا.
الغازوال يزحف نحو 11 درهما في الرباط وما حولها، والبنزين الممتاز يقفز فوق 13,50 درهم. ثم يخرج التقرير ليقول إن “دينامية التعويض والاستدراك” تفسّر الفجوة بين تراجع التكلفة وتراجع البيع.
جميل. نسميها ما شئنا: استدراك، تسوية مخزون، عقود آجلة… لكن النتيجة واحدة: الربحية لا تمرض، والشفافية تتعرّض لزكام مزمن.
في المقابل، الشبكة تتمدد بلا خجل. 3.617 محطة خدمة عند نهاية يونيو، منها 2.562 تتبع مباشرة للشركات التسع. توسّعٌ يقطع الطريق على أي منافسة حقيقية، ويحوّل “تحرير السوق” إلى لافتة فوق واجهة مركزية موحّدة.
حتى الضرائب تعكس المفارقة. المداخيل المرتبطة بالاستيراد بلغت حوالي 7,17 مليارات درهم بتراجع طفيف، لأن القيمة الإجمالية للواردات انخفضت. الدولة تقبض أقل، والشركات تبيع أكثر، والمستهلك يدفع الثمن مرتين: مرة عند المضخة، ومرة في ميزانية عمومية تضيق مواردها مع كل دورة نزول عالمي للأسعار لا تصل كاملة إلى المضخة.
ثم نقرأ في الحاشية المنهجية للتقرير أن أسعار المضخة لا تُقاس بأسعار النفط الخام وإنما بأسعار المنتجات المكررة، وأن الأرقام “توضيحية” ولا تعكس بالضرورة التكلفة الحقيقية لكل فاعل بسبب اختلاف العقود والتخزين والنقل.
رائع. ما دامت كل هذه “الاستثناءات” تعمل دائما في اتجاه واحد، فلماذا لا نجد استثناء واحدا يعمل لصالح المستهلك؟ لماذا لا نرى دورة كاملة يهبط فيها السعر في المحطة بسرعة هبوطه في الأسواق المرجعية؟
الجواب في صمت السلطة التنظيمية حين تتحوّل تقاريرها إلى نشرة أحوال جوية: السماء ملبّدة بالغيوم، يُتوقع أن تمطر أرباحا.
المشكلة اليوم ليست في وجود هامش ربح، بل في طبيعته ومصدر قوته. حين تتطابق توقيتات رفع الأسعار، وحين تستقر الهوامش رغم تقلب التكلفة نزولا، وحين تتركز القدرة التخزينية واللوجستية بيد حفنة، يصبح الهامش نتيجة بنيوية لسيطرة السوق وليس مكافأة على كفاءة.
هنا يعود السؤال القديم: ماذا فعلنا بكل “المسطرة التصالحية”؟
لقد تصالحنا، نعم، لكن مع ماذا؟ مع فكرة أن الاحتكار يمكن أن يتزيّا بلباس التنافس، وأن “الصلح خير” حين يكون على حساب جيب المواطن.
لا نحتاج إلى بطولة بلاغية. نحتاج إلى قرارات تنظيمية تقطع مع لعبة “التفسير” نحو فضاء “الإلزام”. نحتاج إلى تعميم فوري لآلية تمرير الانخفاضات الدولية إلى أسعار المضخة ضمن آجال محددة ومراقَبة، ونشرٌ تفصيلي شهري لتركيبة السعر لدى كل فاعل، وفتحُ التخزين أمام الوافدين الجدد بعقود ولوج عادلة، وتفعيلٌ حقيقي لردع الزيادات المتزامنة التي لا يفسرها السوق بقدر ما تفضحها المنطق.
حينها فقط يمكن أن يصبح مجلس المنافسة “مجلسا” لا “مرصدا”، وسوق المحروقات “محررة” لا “مفرَغة” من روحها.
إلى أن يحدث ذلك، سيظل المستهلك المغربي يقرأ التقارير كما يقرأ رسائل الطقس. “انخفاض في السحب العالمية، واستقرارٌ مشمس في هوامش الربح المحلية”. وسيظل أصحاب المحطات يعلّقون اللافتة نفسها: “نعتذر، السعر ارتفع، وسينخفض لاحقا عند أول منعطف… بشرط ألا يضرّ بالهامش”.
أما نحن فنضيف جملة أخيرة، بصوت مرتفع كي يصل إلى حيث يجب أن يصل: إذا كان كل هذا “استدراكا”، فمتى سنستدرك حق المواطن في سوق تنافسية حقيقية؟
باز مرّة أخرى.