story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

الترشيح المستقل.. وصفة جديدة لأزمة عميقة في النظام التمثيلي المغربي

ص ص

أثار الإعلان عن بعض عناصر التعديل التي ستطال القانون التنظيمي لمجلس النواب نقاشا بين عدد من الباحثين والمهتمين خاصة المقتضيات الرامية إلى تشجيع مشاركة الشباب في الانتخابات القادمة من بوابة المستقلين وهي التي تم التعبير عنها حسب البلاغ الصادر عن المجلس الوزاري ب”مراجعة شروط ترشح الشباب وتبسيطها، سواء في إطار التزكية الحزبية أو بدونها”. وقبل مناقشة مدى فعالية هذا الإجراء لتحقيق هدف توسيع مشاركة الشباب في الانتخابات، أحاول في هذه المقالة مناقشة إشكالية ترشح المستقلين في التاريخ الانتخابي المغربي من الناحية القانونية والسياسية، انطلاقا من الفرضية التالية:

إن فهم تعامل السلطة مع ظاهرة ترشح المستقلين يمر عبر فهم سياقها السياسي وتطورها القانوني.

أولا، ترشيح المستقلين في التاريخ الانتخابي المغربي من التشجيع إلى التقييد

لقد عرفت قضية ترشيح المستقلين أو اللامنتمين في الانتخابات التشريعية المغربية بعض المد والجزر حسب الظرفية السياسية، فخلال الانتخابات التشريعية ل1963 و1970 و1977 شجع النظام السياسي المغربي ترشح المستقلين، إلى درجة تمكينهم من الحصول على الأغلبية المطلقة من المقاعد في انتخابات 1977، وهو ما سمح بتشكيل النواة الأولى لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي تم الإعلان عن تأسيسه خلال نفس الولاية البرلمانية في أكتوبر 1978، برئاسة صهر الملك الحسن الثاني آنذاك السيد أحمد عصمان.

لكن هذا التوجه سيتم الانزياح عنه بمناسبة الانتخابات التشريعية ل1984، حيث أعلن الملك الراحل الحسن الثاني في خطابه لـ 20 غشت 1984، على أن” كل من يرغب في الترشيح للانتخابات التشريعية فعليه أن يحصل على التزكية الحزبية”، وهكذا تعاملت السلطات مع مضمون الخطاب الملكي باعتباره شرطا من شروط الترشيح و بدونه لا يقبل التصريح بالترشيح، رغم انعدام أي مقتضى تشريعي في القوانين الانتخابية يقضي بمنع الترشح على اللامنتمين، وهو ما يعني أن الملك تدخل كمشرع ليس بواسطة ظهير كما كان يسمح بذلك الدستور آنذاك، ولكن عن طريق خطاب !!

ومع الانتخابات التشريعية ل1993، وفي غياب أي مستجد تشريعي يقضي بمنع ترشح المستقلين، فإن سلوك السلطات المحلية سيتأرجح بين قبول ورفض ترشح اللامنتمين من عمالة إلى أخرى ومن إقليم إلى آخر، حيث تم قبول ترشيحهم في بعض العمالات وتم رفضه في عمالات وأقاليم أخرى دون تعليل قانوني، حيث استصحب بعض المسؤولين ما وقع في انتخابات 1984 باعتباره سابقة وجب الاعتداد بها، وهو ما أثار نقاشا حادا داخل اجتماعات اللجنة الوطنية للسهر على العمليات الانتخابية آنذاك، حيث طالبت أحزاب “الكتلة الديمقراطية” بمنع اللامنتمين من الترشح على غرار ما تم به العمل في انتخابات 1984، وهو ما رد عليه إدريس البصري وزير الداخلية آنذاك في ندوة صحافية، بأن “لكل متضرر من جراء ترشيح اللامنتمين حق التعرض على هذا الترشيح أمام المحاكم”، وبعد أخذ ورد، اقترح وزير الداخلية، طلب التحكيم الملكي بهذا الخصوص، وهو ما قبلت به أحزاب المعارضة، فقام رئيس اللجنة الوطنية “محمد ميكو” برفع الموضوع للملك، وكان جواب الملك الذي أخبر به محمد ميكو أعضاء اللجنة “أن الترشيح حر، لكن بعد فوز المرشح عليه أن ينتمي إلى حزب سياسي” وبهذه الطريقة تم الحسم في هذا الموضوع في تلك المرحلة .

غير أن الممارسة العملية، وفي غياب نص قانوني واضح، سوف تسجل منع العديد من المرشحين اللامنتمين من الترشيح في بعض المناطق حسب قرار السلطات المحلية وهو ما يدل على نوع من الغموض والارتباك وعدم الوضوح، وذلك بسبب غياب الإطار القانوني المنظم لمسألة ترشيح اللامنتمين.

ولم يتم حسم الإطار القانوني لترشح اللامنتمين إلا قبيل الانتخابات التشريعية ل1997، حيث صدر القانون التنظيمي رقم 31.97 المتعلق بمجلس النواب الذي نص في الفقرة الأخيرة من المادة 25 منه على ما يلي: “تحدد الألوان المخصصة لمرشحي الهيئات السياسية بقرار لوزير الداخلية، ويحدد عامل العمالة أو الإقليم اللون المخصص للمرشحين المستقلين”.
ومع تعديل نمط الاقتراع إلى اللائحي خلال الانتخابات التشريعية ل 2002، سيصبح بإمكان المترشحين المستقلين التقدم للانتخابات في إطار لوائح مستقلة.

وبالفعل، خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2002 ترشحت 4 لوائح للمستقلين فقط، وهو العدد الذي ارتفع قليلا في انتخابات 2007 إلى 13 لائحة مستقلة محلية مقابل 1857 لائحة ذات انتماء سياسي، وقد انتزع 5 لامنتمون فقط مقاعد لهم في مجلس النواب، وهو ما يمثل نسبة 1.69 في المائة من مجموع الناجحين. في حين ترشحت في الانتخابات التشريعية ل7 أكتوبر 2016 لائحتين فقط بنسبة 2.2 في المائة من مجموع الترشيحات دون أن يسفر الأمر عن فوز أي لائحة.

ومع الانتخابات التشريعية ل2021، ستتجه السياسة الانتخابية نحو المزيد من تقييد حق الترشح في إطار لوائح مستقلة وفريدة، وذلك تحت مبرر ضمان حد أدنى من الشرعية التمثيلية للمنتخبين، حسب تعبير وزير الداخلية أثناء عرضه لمشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب أمام لجنة الداخلية سنة 2021، وهكذا سيتم تعديل المادة 84 التي اشترطت للإعلان عن انتخاب مترشحي اللائحة الفريدة أو المترشح الفريد حصوله على خمس أصوات الناخبين المقيدين بالدائرة الانتخابية المعنية على الأقل.

انطلاقا من هذا الاستعراض التاريخي لإشكالية التأطير القانوني لترشح اللامنتمين، ومع فحص المقتضيات القانونية والشروط المطلوبة، يمكن أن نلاحظ أن المشرع المغربي تجاوز الفراغ القانوني والغموض الذي طبع الممارسة فيما يتعلق بترشح المستقلين، غير أنه ومن خلال شروط إيداع الترشيحات عمل على التضييق على مشاركة المستقلين، وهو ما انعكس على نسبة الترشيحات.

لكن يبدو أن السياق السياسي والاجتماعي الحالي المطبوع باحتجاجات جيل Z دفعت السلطات إلى البحث عن جواب من داخل المنظومة الانتخابية بحثا عن منافذ جديدة كفيلة بامتصاص هذه الدينامية الاحتجاجية وإدماجها داخل المؤسسات، وهو ما يطرح سؤال الفعالية ومدى صوابية هذا الاختيار التشريعي وقدرته على تحقيق الهدف من اعتماده.

ثانيا: التشخيص الدقيق لإشكالية الثقة مدخل ضروري لمعالجة علاقة الشباب بالمؤسسات..

يقضي مشروع التعديل المقترح على القانون التنظيمي لمجلس النواب ب”تحفيز الشباب الذين لا تفوق أعمارهم 35 سنة على ولوج الحقل السياسي” وذلك عبر “مراجعة شروط ترشحهم وتبسيطها، سواء في إطار التزكية الحزبية أو بدونها، وإقرار تحفيزات مالية مهمة لمساعدتهم على تحمل مصاريف الحملة الانتخابية، من خلال منحهم دعما ماليا يغطي 75% من مصاريف حملاتهم الانتخابية”.

هذا المقترح يندرج -بدون شك- في سياق التفاعل مع الدينامية الاحتجاجية لجيل z، وهو يستبطن تشخيصا معينا للجواب على مشكلة عدم الثقة في المؤسسات ومن بينها الأحزاب السياسية.

والحقيقة، أن هذا فهم تبسيطي للظاهرة الاحتجاجية في علاقتها بالنظام الديموقراطي من جهة، وفهم مغلوط للأسباب العميقة لتراجع الثقة في العمل الحزبي ومحدودية أدواره.

إن الاحتجاج في السياق المغربي كان دائما إحدى آليات العمل السياسي المباشر الذي قد يلجأ إليه عدد من المواطنين، للتعبير عن مطالب اجتماعية أو سياسية معينة، عجزت الأطر المؤسساتية التقليدية عن استيعابه.

فالاحتجاج ماهو إلا مجرد وسيلة سياسية أخرى لتعبئة الرأي العام والتأثير على صناع السياسة، فهو نوع من أنواع الفعل السياسي الذي يقوم به المواطن، حينما تعجز الوسائل الأخرى عن تنبيه المسؤولين ودفعهم لمراجعة اختياراتهم.

فبالتأمل في طبيعة المطالب التي يرفعها جيل z، نلاحظ أنها نفس المطالب التي سبق أن نبهت لها بعض أحزاب المعارضة وترافعت عنها بقوة داخل المؤسسات، أو من خلال ندوات صحافية موجهة للرأي العام، ولكنها لم تلق التجاوب المطلوب من طرف الحكومة، وهو ما فسح المجال أمام الاحتجاج في الشارع الذي انطلق من بعض المناطق مثل (آيت بوكماز، أزيلال، العرائش، تاونات وغيرها)، وانتهى إلى نزول جيل z إلى الشارع ابتداء من يوم 27 شتنبر المنصرم، ولازالت هذه الدينامية متواصلة.

إن الاحتجاج، في نظرنا، هو أحد أشكال المشاركة السياسية، وبالتالي فهو ليس سلوكا معاديا للديمقراطية أو للمؤسسات، بل هو محاولة للضغط على صانع القرار السياسي لكي يكون أكثر ديمقراطية في الاستجابة للمطالب.

والخلاصة، أن استعادة الثقة في مصداقية الاختيار الديموقراطي وفي مصداقية المؤسسات ومنها مصداقية الأحزاب السياسية، لا يمكن اختصاره في تبسيط شروط الترشيح للشباب خارج التغطية الحزبية، مع التأكيد على أهمية إقرار تحفيزات مالية لتغطية مصاريف الحملات الانتخابية للشباب خاصة إذا كانت في إطار لوائح حزبية.

إن من شأن اختصار إشكالية الثقة في تبسيط مساطر الترشيح للشباب في إطار لوائح مستقلة أن يخلق تناقضا وهميا بين الشباب و الأحزاب السياسية، و أن يعمق أزمة النظام التمثيلي في البلاد ويساهم في المزيد من بلقنة المشهد السياسي وإضعاف الأحزاب السياسية، التي بدون شك مطالبة بدورها بتغيير طرق عملها والانفتاح أكثر على فئة الشباب ودعم ترشيحهم، بما يعزز قدرتها على التأطير والتكوين والتجاوب مع انتظارات المواطنين، انسجاما مع المكانة التي كرسها الدستور للأحزاب السياسية وعلى رأسها التعيين الملكي لرئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها طبقا لمقتضيات الفصل 47 من الدستور.