خطوة رمزية أم رفع للعتب؟.. قراءات في البيان الختامي لقمة الدوحة

خلف البيان الختامي للقمة العربية والإسلامية الطارئة التي احتضنتها العاصمة القطرية الدوحة، يوم الإثنين 15 شتنبر 2025، ردود فعل متباينة، وذلك على خلفية الهجوم العسكري الذي شنه جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطر الأسبوع الماضي، لاستهداف الوفد المفاةض لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وتباينت القراءات حول البيان الختامي للقمة بين من اعتبره لا يرقى إلى حجم انتظارات الشارع العربي بالنظر لحجم الحدث الذي كان وراء الاجتماع الطارئ لهذه القمة، وبين من يرى فيه خطوة لها دلالة من الناحية الرمزية، تضع الدول المطبعة مع إسرائيل أمام خيار أخلاقي لقطع علاقاتها الديبلوماسية مع الاحتلال.
وفي هذا الصدد، قال عبد العالي حامي الدين، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “أهم ما يمكن التوقف عنده في البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية بقطر، هو دعوة جميع الدول المشاركة إلى اتخاذ كافة التدابير القانونية والفعّالة لمنع إسرائيل من مواصلة أعمالها ضد الشعب الفلسطيني، ومنها مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل”.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري أن “هذه الدعوة تُعدّ خطوة لها دلالة من الناحية الرمزية، لأنها تضع الدول التي لها علاقات تطبيعية أو مصالح مع إسرائيل أمام خيار أخلاقي وضغوط متجددة”.
وأكد أنه “بالرغم من أن البيان لا يفرض قرارات إلزامية، لكنه يفتح الباب أمام مساءلة أخلاقية للدول التي تحافظ على علاقات مع إسرائيل دون أن تعيد تقييم موقفها بعد هذه الاعتداءات”.
وأضاف الأستاذ الجامعي أنه “يعتقد بأن تطورات الأحداث، وتنامي غضب الشعوب العربية والإسلامية ستدفع الدول العربية التي لازالت تحتفظ بعلاقات مع دولة الاحتلال إلى قطع علاقاته السياسية والدبلوماسية والاقتصادية معها”.
وإلى جانب ذلك، سجل عبد العلي حامي الدين كذلك أن “البيان نجح في التشخيص الجيد للحالة الراهنة واعتمد لغة قوية تتمثل في الإدانة الصريحة للعدوان الإسرائيلي على قطر، كما أنه شدد على مفهوم السيادة والمسؤولية الدولية ومساندة الوساطة القطرية والمصرية وجهود وقف القتال في غزة والدعوة للمساءلة والعقوبات”.
وفي مقابل ذلك، اعتبر الصحافي مصطفى ابن الراضي أن “البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة لم يخرج عن المتوقع، إذ أكد حالة الضعف العربي أمام التغوّل الإسرائيلي الأمريكي”، معتبرا أنه “كان مجرد بيان تضامني مع قطر، أقرب إلى رفع العتب، حيث ندّد بالعدوان الإسرائيلي دون اتخاذ إجراءات عملية”.
وأضاف أن البيان “كان أقل من المأمول شعبياً، بالنظر إلى حجم الحدث الذي استدعى الاجتماع، وهو الهجوم على عاصمة عربية كالدوحة، والتي تُعتبر وسيطاً في مفاوضات غزة وخارج دائرة الحروب في “دول الطوق”، ما كان يستدعي موقفاً أقوى”.
وشدد على أن “البيان تحصيل حاصل، إذ لم يتجاوز التأكيد على اختلال موازين القوى في ظل الاندفاع الإسرائيلي المدعوم أمريكياً بكل الوسائل”، واعتبر أن “قبوله يعكس قبول النظام السياسي العربي باستمرار حرب الإبادة في غزة”.
وأشار إلى أن “إسرائيل، ما دامت تعمل في وضع إقليمي مترهل، يقبل تمرير ممارسات عدوانية تضرب في مفهوم السيادة الوطنية وحتى معنى استمرار المنظمات والكيانات الإقليمية، كجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، التي تتحدث عن دفاع مشترك يظهر أنه لا يصلح إلا للاستهلاك الكلامي، فيمكنها قصف أي مكان، وستجد مبررا للعدوان”.
وأوضح أن “اتساع رقعة الاستهداف الإسرائيلي يكشف أن المجال العربي أصبح مستباحاً”، وبيّن أن “إسرائيل تستثمر في هذا الوضع الإقليمي الهش لمراكمة المكاسب، بينما دول المنطقة لم تُقدّر بعد حجم المخاطر القائمة ولم تتخذ إجراءات متناسبة”.
وتوقف المتحدث عند النقطة التاسعة من البيان التي شددت على احترام مبادئ القانون الدولي، ميثاق الأمم المتحدة، علاقات حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، معتبرا أن “هذه اللغة تبقى مجرد تمنيات ومناشدات للفاعلين الحقيقيين، أي واشنطن وتل أبيب، دون أي أثر عملي”.
وركز على أن “الموقف لم يرقَ إلى شيء عملي، بل يكاد يلقي أعباء اتخاذ موقف على المستهدَف ذاته”، حين تؤكد النقطة الثالثة في البيان “الوقوف مع دولة قطر في كل ما تتخذه من خطوات وتدابير للرد على هذا العدوان الإسرائيلي الغادر”.
وخلص ابن الرضي إلى أنه “في اليوم التالي للبيان، تعلن إسرائيل عن بدء مرحلة جديدة لاحتلال مدينة غزة، مترافقاً مع تهديدات جديدة من الرئيس الأمريكي ترامب، الذي أوفدَ وزير خارجيته ماركو روبيو إلى إسرائيل بالتزامن مع قمة الدوحة، وظهوره إلى جانب نتياهو في حائط المبكى، والمؤتمر الصحافي المشترك بينهما، الذي أكّد على حقيقة واضحة صريحة وهي أن إسرائيل هي الحليف الأوثق ويكاد يكون الوحيد لواشنطن في المنطقة”.