story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
أمن وعدالة |

انتقادات لقانوني المسطرة الجنائية والمدنية بعد المصادقة عليهما بـ”المستشارين”

ص ص

انتقد حقوقيون ونشطاء تمرير قانوني المسطرة الجنائية والمدنية بمجلس المستشارين، معتبرين أن المصادقة عليهما “تمت في غياب النقاش العمومي، مما يشكل تراجعًا خطيرًا عن المكتسبات الحقوقية والدستورية، ويُرسّخ تغوّل السلطات على حساب المواطن”، وذلك في وقت شرعت فيه جمعيات وهيئات حقوقية في تدارس خطوات نضالية وقانونية لإسقاط القانونين.

“تفويت فرصة حقيقية”

وتعليقا على الموضوع، عبّرت سعاد البراهمة، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عن قلقها إزاء الطريقة التي تم بها التصويت والمصادقة على مشروعي قانون المسطرة الجنائية والمدنية بمجلس المستشارين، مشيرة إلى أن العملية جرت “في سياق مطبوع بالانغلاق الحقوقي، وغياب إرادة حقيقية لإصلاح منظومة العدالة بشكل ديمقراطي وحقوقي”.

وأوضحت البراهمة، أن مراجعة النصوص القانونية أمر مطلوب وضروري، غير أن ما وقع “جرى دون نقاش عمومي كافٍ، وبتغييب لمختلف الفاعلين، من حقوقيين وسياسيين وأكاديميين”، معتبرة أن المقاربة التي طُبّقت كانت “أمنية ومالية محضة، لا تخدم إلا مصلحة واضعيها، في حين غُيّبت مصلحة فئات واسعة من الشعب المغربي، وتم تهميش المجتمع المدني، بل وحتى ملاحظات الهيئات الدستورية، وعلى رأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان”.

وأضافت البراهمة أن مشروع قانون المسطرة الجنائية، في صيغته المصادق عليها، “لم يستجب لانتظارات الحركة الحقوقية في ما يخص تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وعلى رأسها قرينة البراءة، ولم يقر ببطلان الإجراءات التي لا تتم وفق القانون، كما أنه لم يحد من الإفلات من العقاب”.

أما مشروع المسطرة المدنية، فقد اعتبرته “محافظًا”، إذ لم يتضمن حسب تعبيرها إدماجًا حقيقيًا لمقاربة ولوج متكافئ للمواطنات والمواطنين إلى العدالة، خاصة بالنسبة للفئات الهشة.

وأردفت رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأن “العجلة التي تمت بها المصادقة على هذين النصين الإجرائيين، اللذين لا يمكن الحديث عن عدالة بدون حسن تطبيقهما، تعني تفويت فرصة حقيقية لتعزيز دولة الحق والقانون”، مشددة على أن “أي إصلاح حقيقي للعدالة يجب أن يُبنى على الحوار، وإشراك الجميع، والمواءمة مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان، بما يعكس إرادة حقيقية لبناء قضاء مستقل، نزيه ومنصف وفعّال”.

“أقلية برلمانية”

من جهته، عبّر محمد النويني، المحامي بهيئة الدار البيضاء، رئيس الفضاء المغربي لحقوق الإنسان وعضو المبادرة المدنية من أجل الترافع ضد المادتين 3 و7 من قانون المسطرة الجنائية، عن أسفه لتمرير مشروعي قانوني المسطرتين الجنائية والمدنية، داخل الغرفة الثانية لمجلس المستشارين، من طرف “أقلية برلمانية”، حيث حاز مشروع قانون المسطرة الجنائية على تأييد 24 مستشارًا فقط، مقابل معارضة 4 وامتناع 2 عن التصويت.

وقال النويني في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، إن هذا التصويت “يفقد القانونين مشروعيتهما السياسية، ويعكس عدم الاكتراث الواضح بالتحفظات الجدية التي عبّرت عنها الإطارات الحقوقية والمجتمع المدني”، والتي طالبت مرارًا بعدم المساس بمبدأ المساواة أمام القانون والقضاء، خصوصًا في ما يتعلق بالمادتين 3 و7 من قانون المسطرة الجنائية، اللتين تحدّان من صلاحيات النيابة العامة والجمعيات ذات المنفعة العامة في تحريك الدعوى العمومية، والتبليغ عن الجرائم المالية المرتكبة من طرف ناهبي المال العام، سواء من المسؤولين الحكوميين أو ممثلي الجماعات الترابية.

وفي تفاصيل القانون، شدد النويني على خطورة ما تضمّنته المادة 502 من قانون المسطرة المدنية، التي تمنع الحجز على أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها، معتبراً أن هذا المقتضى “يشكل تعطيلاً صريحًا للفصل 126 من دستور 2011، الذي ينص على إلزامية تنفيذ الأحكام القضائية، ويمثّل تمييزًا تحكميًا لفائدة أشخاص القانون العام، كما يُقوّض مبدأ المساواة أمام القانون، ويضرب في العمق ثقة المستثمرين الوطنيين والأجانب في عدالة واستقرار مناخ الأعمال”.

ورأى رئيس الفضاء المغربي لحقوق الإنسان أن تمرير المشروعين يُكرّس “تغوّل الأجهزة الأمنية والمؤسسات العمومية والقضائية على حساب المواطن، الذي بات الحلقة الأضعف داخل منظومة العدالة”، مضيفاً أن ذلك “يُشكّل مسًّا بالحق في الولوج المستنير إلى العدالة، وخدشًا لضمانات المحاكمة العادلة التي كرّسها الدستور والمواثيق الدولية”.

ودعا النويني إلى “تحمّل كافة الفاعلين السياسيين، والحقوقيين، ورجال القانون، والمؤسسات الدستورية المعنية، مسؤولياتهم الكاملة في مناهضة هذا التردي الحقوقي”، محذرًا من “الارتداد الخطير عن مبدأ التشاركية في صناعة السياسات العامة، والإسهام في العملية التشريعية المنصوص عليها في الفصلين 10 و14 من دستور 2011”.

“انقلاب على الشرعية الدستورية”

من جانبه، قال البدالي صافي الدين، نائب رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، قال صافي الدين البدالي، نائب رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إن المكتب الوطني للجمعية سيعقد اجتماعًا قريبًا من أجل تدارس الخطوات النضالية الكفيلة بإسقاط مشروع قانون المسطرة الجنائية.

وأضاف البدالي في تصريح لـ”صوت المغرب”، أن هذا الاجتماع المرتقب للمكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية المال العام سيتم بعد صدور قرار المحكمة الدستورية، حيث أحال رئيس مجلس النواب، الثلاثاء، مشروع قانون المسطرة الجنائية عليها قصد البت في مدى مطابقته لأحكام الدستور.

ولفت إلى إن المصادقة على مشروع قانون المسطرة الجنائية تمثل “انقلابًا على الشرعية الدستورية”، معتبراً أن هذا القانون يشكل “استثناءً غير دستوري ومحاولة صريحة لمحاصرة المجتمع المدني، والحدّ من أدواره التي كفلها به دستور 2011″، حسب تعبيره.

وأوضح البدالي أن المادتين الثالثة والسابعة من القانون، اللتين تمت المصادقة عليهما بعد استكمال المسار التشريعي، تسهمان في تقويض استقلالية النيابة العامة، وتمنعان الجمعيات المناهضة للفساد من الترافع أو تقديم شكايات ضد المتورطين في قضايا المال العام، كما تمنع المادة الثالثة، بحسب المتحدث، المبلغين عن الجرائم المالية من ممارسة دورهم، وهو ما يتنافى مع مبادئ الشفافية والمساءلة.

واعتبر نائب رئيس الجمعية أن هذه التعديلات تُجسد توجهًا حكوميًا يهدف إلى “التضييق على الحريات وشرعنة الإفلات من العقاب”، قائلاً إن “سياسة حكومة أخنوش تؤكد بالملموس تراجعًا خطيرًا عن المكتسبات الحقوقية والديمقراطية”، على حد وصفه.

وأضاف أن هذا القانون يتعارض مع الفصل 12 من الدستور المغربي لسنة 2011، والذي نص على دعم أدوار جمعيات المجتمع المدني في الحياة العامة، وعلى مشاركتها في صياغة وتقييم السياسات العمومية في إطار الديمقراطية التشاركية.

وأكد المتحدث ذاته، على أن ما وقع يمثل “انحرافًا تشريعيًا خطيرًا”، يفتح الباب أمام “تفشي الفساد والإثراء غير المشروع، ويشكك في جدية الدولة في بناء نموذج ديمقراطي حقيقي”.

وكان مجلس المستشارين، في جلسة تشريعية عقدها الثلاثاء 8 يوليوز 2025، قد صادق بالأغلبية، على مشروع القانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، وذلك بحضور وزير العدل عبد اللطيف وهبي.

وحظي مشروع القانون بتأييد 24 مستشارا برلمانيا، فيما عارضه أربعة مستشارين، وامتنع اثنان آخران عن التصويت.

فيما صادق مجلس المستشارين، بنفس اليوم على مشروع قانون المسطرة المدنية، معلنًا بذلك عن استكمال المسار التشريعي لهذا النص القانوني الهام.