إعفاءات وزارة التعليم تثير الجدل.. نقابيون يشككون وخبراء ينتقدون

أثار قرار وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بإعفاء 16 مديرًا إقليميًا ونقل 7 آخرين موجة من الجدل داخل الأوساط التعليمية والنقابية في المغرب. ففي الوقت الذي بررت فيه الوزارة هذه الخطوة بكونها تهدف إلى “تعزيز القدرات التربوية والتدبيرية والحكامة” على مستوى المديريات الإقليمية، خلَّف هذا القرار تساؤلات حول “خلفياته الحقيقية” ومدى استناده إلى معايير موضوعية في التقييم والمحاسبة.
وفي هذا السياق، اعتبر الكاتب الوطني العام للجامعة المغربية للتعليم، عبد الله اغميمط، أن حجم هذه الإعفاءات يستوجب التوقف عنده بجدية، متسائلًا عن “مدى كفاية ثلاثة أشهر فقط، وهي الفترة التي قضاها الوزير الحالي في منصبه، لتقييم أداء المسؤولين الإقليميين”.
وأشار اغميمط في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” إلى ما وصفه “بتناقض مواقف الوزارة”، حيث بررت الإعفاءات باختلالات في تنزيل مشاريع “مدارس الريادة”، رغم أن الوزير سبق وأشاد بهذه التجربة وقرر تعميمها على السلكين الابتدائي والإعدادي، مما يزيد من “الغموض حول دوافع القرار”.
ولم يخفِ المسؤول النقابي خوفه من أن تكون هذه الحملة من الإعفاءات محاولة لـ”توطين عناصر موالية لخدمة أجندات انتخابية وسياسية، خاصة وأن بعض المديرين المحسوبين على حزب الوزير لم تشملهم قرارات الإعفاء رغم مسؤوليتهم عن اختلالات تدبيرية”.
وفي السياق ذاته، دعا اغميمط إلى “توجيه مسار المحاسبة نحو المسؤولين الحقيقيين عن الاختلالات المالية والإدارية، بدل الاكتفاء بإعفاء المديرين الإقليميين”، مشدداً على ضرورة اتخاذ إجراءات ضد بعض “الديناصورات” داخل الإدارة المركزية ومديري الأكاديميات الذين يضعفون المنظومة التربوية.
واعتبر أن تدوير نفس الأسماء وإعادة تزكيتها في مناصب القرار يعكس استمرار سياسة “خيرنا ما يديه غيرنا”، والتي “تكرّس الفساد وتضعف جودة الإصلاح داخل القطاع”.
من جانبه، اعتبر الخبير التربوي ورئيس الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم، عبد الناصر الناجي، أن من حق وزير التربية الوطنية اتخاذ قرارات الإعفاء في حق أي مسؤول إذا ثبت إخلاله بمهامه، وذلك في إطار مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي ينص عليه الدستور.
واستدرك الناجي بالقول “لكن من الضروري أن يخضع ذلك للضوابط والمعايير الموضوعية التي تحكم مثل هذه القرارات، نظرًا لتأثيرها الكبير على سيرورة الإصلاح التربوي”.
وأشار المتحدث إلى أن تقييم المسؤولين يجب أن يستند إلى معايير مضبوطة تحدد المسؤوليات بدقة، متسائلًا عما “إذا كان هذا التقييم قد تم وفق أسس واضحة، وهل سبقته مرحلة تقييم تكويني تهدف إلى تصحيح الاختلالات بطريقة بيداغوجية تضمن مواكبة هؤلاء المسؤولين وتعزيز قدراتهم التدبيرية بدل اللجوء مباشرة إلى الإعفاءات”.
وأثار الناجي إشكالية تحميل المسؤولية للمسؤولين الإقليميين عن تعثر مشروع “مؤسسات الريادة”، في حين أن تدبير هذا المشروع يتم على المستوى المركزي، وهو ما يطرح تساؤلات، حسب الخبير، حول مدى مسؤولية الإدارات المركزية والجهوية في نجاح أو فشل تنزيل المشروع على المستوى الإقليمي، وكذا مدى توفر هؤلاء المسؤولين الإقليميين على الإمكانات والموارد اللازمة لأداء مهامهم بالشكل المطلوب.
وأضاف الخبير التربوي أن توقيت هذه الإعفاءات، الذي جاء في الربع الأخير من السنة الدراسية، “قد يتسبب في ارتباك إداري داخل المديريات المعنية، خاصة وأنه يتزامن مع مرحلة حاسمة من عملية تعميم المشروع، مما قد يؤثر على انخراط الفاعلين في إنجاحه”.
وحذَّر من أن هذا القرار قد يؤدي إلى “تراجع الحماس لدى الأطر التربوية المنخرطة في المشروع، خاصة إذا كان الإعفاء أو التوقيف يهدد الاستفادة من المنح المرتبطة بهذه البرامج الإصلاحية”.
وكان قرار الوزراة الذي صدر في 12 مارس 2025، قد أوضح أن هذه العملية تأتي في إطار “مواصلة تنزيل ورش إصلاح منظومة التربية والتكوين، وسعيا إلى التفعيل الأمثل لأحكام القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، ولبرامج ومشاريع خارطة الطريق 2022-2026، وبلوغ أهدافها الاستراتيجية، وتعزيزا لحكامة المديريات الإقليمية والرفع من قدراتها التربوية والتدبيرية”.
وتابع البلاغ أن الوزارة أن هذه العملية تأتي أيضا تفعيلا لنتائج عملية تقييم الأداء التربوي والتدبيري للمديرات والمديرين الإقليميين، وقدرتهم على المساهمة في تنزيل برامج الإصلاح وتحقيق أهدافه، تقول الوزارة.
كما أبرز أن هذه العملية “التي تمت في إطار من الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، وبتنسيق مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تروم مواصلة تعزيز وتطوير أداء المديريات الإقليمية، ودعمها بالأطر المؤهلة من أجل تنزيل برامج الإصلاح، وبلوغ النتائج التربوية المنتظرة”.