story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
اقتصاد |

إفلاس المقاولات يتحوّل إلى قنبلة موقوتة في وجه الحكومة

ص ص

منذُ مدة والجدل يتواصلُ حول وضعيّة إفلاسِ المقاولاتِ بالمغرب، فخلال السنواتِ القليلةِ الماضية، وحسب الأرقام الرسميّة، ارتفع عددُ المقاولات المُفلسة من حوالي 10 آلاف و500 مقاولة سنة 2021، إلى حوالي 14 ألفا سنة 2023، ثم 16 ألفا سنة 2024. فيما تتحدّثُ أرقامٌ أخرى غير رسمية عن نسب أكبر، في حدود 33 ألف مقاولةٍ مفلسةٍ سنة 2024، وهو الرقم الذي تتوقّعُ أن يرتفع خلال 2025 إلى ما يزيد عن 40 ألف مقاولةٍ.

وفي الوقت الذي تُقدّمُ فيه الحكومة تبريراتها أمام نواب البرلمان، وفي خرجاتها الإعلاميّة، حول هذا الوضع المُقلق، يرى مهنيّون أنها تبريراتٌ غير دقيقة ولا تسلط الضوء على عُمق المشكل.

في هذا التقرير سنُحاول معرفة الواقع الذي تعيش فيه مجموعةٌ كبيرة من أصحاب المقاولات التي لم تستطع الصمود أمام ماكينة السُّوق الطاحنة. واقعٌ يتّسمُ بالخوف، والقلقِ والتّرقُّب. وسننفَتحُ على وجه من وجوه إحدى أكبر تمثيلات المقاولات الصغيرة والمتوسطة بالمغرب، ليقرّبنا من التغيرات التي تواجه المقاولة المغربية منذ انتشار جائحة كورونا وإلى اليوم، وكذا مِمَّا يُعتبر غيابا للإرادة السياسية للحكومة لدعم هذه الفئة بإجراءاتٍ بعضُها صدر ولم يجد طريقه للتطبيق يوماً. وسنرى مع خبير اقتصاديّ كيف يُمكن الخروج من هذا الوضع، صوب واقع تخلق فيه المقاولات الثّروة وفرص الشغل.

الخطُّ التصاعديُّ للأزمةِ
تتوقع مُجمل التقارير والدراسات الرسمية، كمجلس المنافسة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمندوبية السامية للتخطيط، وشبه الرسمية كمكتب “أنفوريسك”، مواصلة حالات إفلاس المقاولات بالمغرب مسارها التصاعدي، بزيادة نسبتها 13 في المائة خلال سنة 2024، مقارنة مع 2023، لتقفز من 14.200 مقاولة إلى 16.100، بعدما سجلت هذه الحالات ارتفاعا قياسيا في 2021، لتصل إلى 10.552 مقاولة، بزائد 59 في المائة عن 2020.

وحسب أرقام مكتب “أنفوريسك” الذي يوفر البيانات المالية حول المقاولات المغربية، تتصدر المقاولات الصغرى قائمة الشركات المفلسة خلال النصف الأول من 2024، وذلك بنسبة قياسية بلغت 99.3 في المائة من مجموع المقاولات المفلسة.

ويرى بعض المهنيين، ومن بينهم عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، أن واقع إفلاس المقاولات الوطنية أكثر حدة من ذلك التي ترسمه الحكومة من خلال الأرقام الرسمية.

إذ يقول في حديث مع صحيفة “صوت المغرب” : هناك تضارب في الأرقام، فالهيئة المكلفة بإعداد الإحصائيات “أنفوريسك” هي مجرد مكتب غير رسمي يبني أرقامه على موضوع التأخر في الأداء (أداء الفواتير بالنسبة للشركات) وهو ما لا يعطي صورة حقيقية عن وضع إفلاس الشركات بسبب إغفال جوانب أخرى.

ويزيد موضّحاً: “أنفوريسك” يحصي المقاولات ذات الطابع المعنوي فحسب، وليست لديه الإمكانيات لإحصاء المقاولات ذات الطابع الذاتي. ونتحدث هنا عن آلاف المقاولات الصغيرة جدا (كمحلات البقالة والمقاهي والدروڭري ومحلات المأكولات السريعة وغيرها) والتي تتوفر على السجل التجاري أو الضريبة المهنية (باتُونْتْ) فحسب. كما أن هذا المكتب لا يشير إلى أن الأرقام التي يصدرها تتعلق بالمقاولات ذات الطابع المعنوي فحسب، وتستثني المقاولات الأخرى ذات الطابع الشخصي، وهو ما يجعل من هذه الأرقام غير معبرة عن حقيقة الوضع كاملا، خاصة إذا ما علمنا أن المقاولات ذات الطابع الشخصي تمثل أزيد من 60 في المائة من مجموع المقاولات بالمملكة.

ويشرح المحلل الاقتصادي، محمد جدري، بأن أزيد من 97 في المائة من النسيج المقاولاتي المغربي مشكل أساسا من مقاولات صغيرة جدا وصغيرة ومتوسطة، ويضيف أن “الوضعية التي يمر من خلالها الاقتصاد المغربي في السنوات الأخيرة صعبة جدا، إذ أنها تأثرت بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج جراء ارتفاع التكلفة الطاقية على المستوى العالمي، إلى جانب ارتفاع أثمنة المواد الأولية، ووصولها لمستويات قياسية خلال السنوات الثلاثة الماضية”.

ويُردف في الحديث الذي خصّ به “صوت المغرب”: نتحدث هنا عن الحديد والنحاس والزجاج والخشب والألمنيوم وغيرها؛ فضلا عن ارتفاع تكلفة اللوجستيك، ودون أن ننسى أن القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين التي تأثرت بشكل كبير نتيجة هذه الموجة التضخُّميّة، وبالتالي فمجموعة من السلع والخدمات لا تجد زبناء لها، وهو ما دفع بعدد من المقاولات إلى إعلان إفلاسها وتعليق خدماتها وتسريح عمالها، لكونها غير قادرة على البقاء على قيد الحياة داخل السوق.

تبريراتٌ حكوميّةٌ “غير دقيقةٍ
تقدم الحكومة تبريراتها، سواء ردا على أسئلة نواب الأمة، أو من خلال تصريحات الناطق الرسمي باسمها، خلال الندوة الصحافية التي تتلو اجتماع الحكومة.

يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، الذي وجد نفسه مطوقا بأسئلة نواب البرلمان، خلال مارس من السنة الماضية، حول تزايد أعداد المقاولات المفلسة وتأثير ذلك على وضعية البطالة المتدهورة هي الأخرى، عاد في نهاية شهر أكتوبر الماضي، في مجلس النواب، للإقرار بحقيقة إفلاس 30 ألف شركة، معلنا وجود صعوبات تواجه المقاولات الناشئة. وأبرز أن هناك ملاحظة تتمثل في أن استدامة المقاولة تكون إيجابية حينما يفوق عدد مستخدميها 5 أشخاص، بحيث تصل إلى 80 في المائة، بينما، حينما يتراوح عدد المستخدمين فيها من 1 إلى 4 لا تتجاوز نسبة الاستدامة 67 في المائة.

بينما أرجع الناطق الرسمي باسم الحكومة، في ندوة صحفية عقب انعقاد المجلس الحكومي ليوم الخميس 26 يونيو 2024، ارتفاع أرقام المقاولات المفلسة لوجود “العديد من المقاولات غير النشيطة والتي تراكمت منذ سنوات بسبب إنشائها لسبب من الأسباب، موضحاً أن هذه المقاولات لم تتمكن من الخروج من السجل الضريبي بسبب غياب إمكانات قانونية تسمح بذلك”. وأوضح أن الحكومة جاءت بتعديلات مالية في إطار الإصلاح الضريبي سمحت لهذه المقاولات غير النشيطة بـ”الخروج” من السجل الضريبي، وهو ما لا يجب تفسيره، حسب الناطق الرسمي باسم الحكومة، على أنه إفلاس، كما لا يجب إدراجه ضمن الأرقام الخاصة بعدد المقاولات المفلسة.

يرد عبد الله الفركي على ذلك، بالقول: “هذه التبريرات التي تقدمها الحكومة غير صحيحة، فهذا الإجراء الحكومي الذي نتحدث عنه لا يمكن أن يكون قد مس كل هذه الشركات التي تعلن إفلاسها، بل تأثيره محدود جدا، ويتعلق بالمقاولات النائمة. بينما نحن نتحدث اليوم عن إفلاس عشرات الآلاف من المقاولات، من المستحيل أن يكونوا جميعا مقاولات نائمة، بل هي مقاولات اشتغلت لمدة، وأدت الضرائب المفروضة عليها، ثم وجدت نفسها، بعد فترة، عاجزة عن تسديد مستحقات أُجرائها وعن إيجاد تمويلات لكي تستمر في الوجود”.

ويزيد رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة : “ثم على الحكومة أن تفسر لنا سبب ارتفاع إفلاس المقاولات (حوالي 25 ألف) قبل 2023، أي حتى قبل وجود هذا الإجراء الحكومي الذي يسمح للمقاولات غير النشطة الخروج من السجل الضريبي. كما أن التوقعات تشير إلى أن رقم المقاولات المفلسة سيفوق 40 ألفا خلال سنة 2025، أي حتى بعد تسوية وضعية المقاولات “النائمة”.

بين الظّروف الدوليّة والسياساتِ الحكوميّةِ.. أيُّ أسبابٍ ساهمت في استفحالِ الوضعِ؟
ترى بعض التقديرات، كالصادرة عن “أليانز ترايد”، الرائد الدولي في مجال التأمين الائتماني، بأن مجموعة من العوامل والمؤثرات ساهمت في تفاقم حالات إفلاس المقاولات، ومنها تداعيات جائحة كوفيد 19، والتقلبات المناخية والتضخم وارتفاع آجال الأداء، وضعف المداخيل، ونقص السيولة المالية الكافية للتدبير اليومي للمقاولة، خصوصا خلال الفترة الأخيرة التي اتسمت بارتفاع الأسعار وتطور منحى التضخم، وتنامي مخاطر صعوبة الأداء لدى المقاولات.

أما على المستوى الداخلي، فيرى كل من المحلل الاقتصادي محمد جدري، وممثل أرباب المقاولات الصغيرة والمتوسطة، أن هناك عوامل أخرى، لعل أبرزها غياب إرادة حقيقة لدعم المقاولات الصغيرة والناشئة، وعوامل مرتبطة بمناخ الأعمال ككل، الذي يتسم باستمرار وجود بعض الممارسات المنافية لمبادئ المنافسة.

بالنسبة للفركي، فإذا كانت السنوات الأخيرة التي تلت جائحة كورونا، والظروف الدولية المرافقة لها، هي السبب في إفلاس المقاولات المغربية، وتضاعف ذلك ثلاث مرات بين 2019 و2023، “فكيف يتم تفسير أن شركات مغربية كبرى، حققت، خلال نفس الفترة، أرباحا خيالية. فهذه كلها شركات تعمل في مناخ اقتصادي واحد”.

يرى جدري أن مناخ الأعمال يلعب دورا مهما في هذه المعادلة. ويضيف: “اليوم لدينا ممارسات ريعية وأخرى تقوض مبدأ المنافسة”.
فعلى مستوى الولوج إلى الطلبيات العمومية، هناك حاليا، حسب المتحدث، مجموعة من الممارسات الفاسدة التي تحرم مجموعة من المقاولات الظفر بصفقات عمومية خاصة بقطاعات حكومية أو جماعات ترابية أو حتى مؤسسات ومقاولات عمومية.

ينص مرسوم الصفقات العمومية، الذي ما زال ينتظر صدور نصوصه التطبيقية حتى الآن، على تخصيص 20 في المائة من الصفقات العمومية لفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا، بهدف تعزيز قدرتها التنافسية، بينما يوضح الفركي أن المهنيين مازالوا في انتظار صدور النصوص التطبيقية منذ 2016. ويزيد حول هذه النقطة : “وعدتنا الحكومة، في شخص وزيرة المالية، في 2022، بإصدار هذه النصوص التطبيقية حتى يصبح القانون جاري المفعول، إلا أنها لم تفِ بهذا الوعد حتى اللحظة. وبالتالي، يمكننا القول إن الحكومة لا تتوفر على نية تفعيل هذا القانون. وكل هذا حتى تظل الشركات الكبرى المحظوظة هي المستفيدة من ميزانية سنوية تقدر بأزيد من 300 مليار درهم حجم الاستثمارات العمومية للدولة، إذ ليست هناك أي نية لتخصيص 20 في المائة منها للمقاولات الصغرى حسب نص مرسوم الصفقات العمومية. وهو ما يضيع على هذه الفئة ما يناهز 60 مليار درهم سنويا”.

وهناك احتكار واضح من قبل الشركات الكبرى لهذه الصفقات العمومية، حسب ممثل أرباب المقاولات الصغرى والمتوسطة، ويتم ذلك باستغلال القوانين الحالية، فمثلا “يتم اشتراط ترتيب المقاولة من أجل التنافس على الصفقات العمومية. فعندما تعلن مؤسسة عمومية على صفقة معينة في مجال البناء، تشترط مثلا أن يكون التنافس بين المقاولات ذات التصنيف 3، وهو التصنيف الذي تتوفر عليه الشركات الكبيرة والمتوسطة فحسب. وهكذا من البداية، تم استبعاد المقاولات الصغيرة كليا”.

وقد تم إحداث هذا التصنيف الذي يتحدث عنه الفركي من قبل الحكومة سنة 1999 من أجل تقييم قدرات المقاولات المادية ومواردها البشرية والمالية. ففي المرتبة 5 نجد الشركات الأقل من حيث هذه القدرات، وفي المرتبة 1 نجد المقاولات الكبرى التي تتوفر على إمكانيات هائلة.

ولكي تستفيد المقاولات الصغرى من النسبة القانونية الممثلة في 20 في المائة من الصفقات العمومية، يرى الفركي أن الحل يكمن في إصدار النصوص التطبيقية أولا، ثم تقسيم المشاريع المقرر إحداثها وعدم الاعتماد على صفقات كبرى فحسب ومنحها لشركة كبيرة أو بضعة شركات كبرى. وهو حل قد يساهم حسبه، أيضا، في تجاوز العقبات التي تفرضها وضعية المناولة، أي تكليف المقاولات الكبرى الفائزة بالصفقات بجزء من المشاريع لمقاولات أخرى صغيرة.

فوضع المناولة الحالي يخلق بدوره مشاكل كبرى بالنسبة للمقاولات الصغيرة والمتوسطة، يورد الفركي، على رأسها عدم سداد المستحقات، والتي تصل حاليا إلى 400 مليار درهم (مستحقات غير مسددة من قبل الشركات الكبرى لفائدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على خدمات المناولة).

ويرى الخبير الاقتصادي، محمد جدري، أن من أسباب هذا الوضع، هناك أيضا مسألة الولوج إلى التمويلات البنكية. فالقطاع البنكي، حسبه، لا يلعب حاليا دوره كاملا في قضية تمويل الاقتصاد الوطني والمقاولات الصغيرة جدا والصغيرة، إذ يميل هذا القطاع إلى تمويل المؤسسات التي تتوفر على ضمانات فحسب، وهو أمر مجانب للصواب.

ومن جهته، يوضّح الفركي أن المقاولات الصغيرة جدا والصغرى تجد صعوبة في الولوج للتمويل البنكي، على اعتبار أن الأبناك لا تتعامل إلا مع المقاولات المتوسطة والكبرى لأنها تتوفر على الضمانات، بينما تطلب الأبناك من المقاولات الصغيرة جدا والصغرى ضمانات عينية (ملكية منزل أو أرض) وليس ضمانة المشروع في حد ذاته. كما أن المقاول الصغير، يورد المتحدث، يجد صعوبة في تمويل مشاريعه في ظل غياب برامج حكومية خاصة، هي التي تسهل علاقته مع الأبناك، من قبيل برنامجي “انطلاقة” و”فرصة” على سبيل المثال. والحال أن الحكومة الحالية أوقفت هذين البرنامجين في الوقت الراهن دون إحداث أي بديل.

ويزيد أن المصاريف ترتفع سنة بعد أخرى بالنسبة للمقاولات، من ارتفاع في الحد الأدنى للأجور إلى تضاعف الضريبة من 10 إلى 20 في المائة، إلى ارتفاع سومة الكراء بشكل صاروخي، ثم تضاعف أثمنة المواد الأولية.

ومن الملاحظ أن برامج مثل “انطلاقة” و”فرصة”، التي كان الهدف منها دعم المقاولات، وخاصة الصغرى، خلال فترة الجائحة وما تلاها من صعوبات اقتصادية دولية ووطنية، لم تنجح في تقليص عدد المقاولات المفلسة خلال السنوات الأخيرة، ولم يكن لها أي تأثير يذكر في الحد من هذا النزيف.

هذا الأمر يفسره الفركي، قائلا: “هذا أمر طبيعي، فهذه البرامج الحكومية استهدفت حوالي 10 آلاف مقاولة في السنة، بينما هناك 7 ملايين مقاولة في المغرب. أي أن النسبة التي استهدفتها هذه البرامج تبقى هامشية أمام حجم المقاولات الموجودة. بينما الطبيعي أن يتم رفع حجم هذه التمويلات لكي تستهدف مئات الآلاف من المقاولات حتى يمكننا أن نتحدث عن تأثير. وهناك مسألة أخرى مهمة، فهذه البرامج الحكومية المذكورة، تستثني المقاولات الموجودة في السوق لأزيد من 5 سنوات، ولا تمنح إمكانية التمويل إلا للمقاولات النشطة لمدة أقل من المدة المشار لها، أو للمشاريع قيد التحضير والتي لم تبدأ العمل بعد”.

أيُّ ضوءٍ في نهايةِ النّفقِ؟
وينعكس وضع إفلاس المقاولات بشكل مباشر على قطاع التشغيل وارتفاع مؤشر البطالة.

يقول رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، إن انعكاس مؤشر إفلاس الشركات على مؤشر البطالة واضح للعيان، إذ وصل هذا الأخير بالمغرب إلى 13.1 في المائة، وهو رقم مهول. كما أن الأرقام الأخيرة للمندوبية السامية للتخطيط تتحدث عن نسبة تفوق 20 في المائة. ويُضيف : “فعندما تفلس 33 ألف شركة سنة 2023، قد نحصل مباشرة على حوالي 33 ألف عاطل، إذ كل صاحب شركة (خاصة الصغرى والمتوسطة) مرشح ليكون عاطلا إذا لم يكن يتوفر على مصدر دخل إضافي. بالإضافة إلى ذلك، ينضاف إلى هؤلاء الآلاف من العاطلين كل الأجراء داخل هذه الشركات المفلسة”.

ولابد من وجود حلول للخروج من هذا النفق المظلم التي تجد المقاولة الفتية نفسها فيه خلال السنوات الأخيرة. بالنسبة للمحلل الاقتصادي، محمد جدري، لا يخرج ذلك عن بضعة إجراءات هامة، تنضاف إلى التي سبق ذكرها.

“إذا أردنا حل معضلة التشغيل لا بد من تشجيع المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة، وهو الإجراء الذي يحتاج إلى مجموعة من الأمور: أولا، إرادة سياسية حقيقية من أجل تشجيع هذه المقاولات، وذلك بإجراءات وبرامج تذهب إلى أبعد مدى. فعلى سبيل المثال، هناك إشكال تبسيط المساطر الإدارية، بحيث لا يمكن أن تظل مجموعة من المقاولات الصغيرة تضيع وقتها في مساطر وإجراءات تستنزف ماليتها ووقتها. ولا بد كذلك من تقليص القطاع غير المهيكل، كونه يضر بتنافسية المقاولات التي تؤدي ضرائبها وتحملاتها الاجتماعية. ثم من الأساسي مواكبة المقاولين الشباب والصغار، على الأقل خلال الثلاث سنوات الأولى”.

ويشدّد جدري على أن إشكالية الماء والطاقة من الجوهري إيجاد حل لهما في القريب العاجل، إذ هما عصب الاقتصاد، حسبهُ، وهما ما يجعلان قطاعات الفلاحة والصناعة والخدمات مكتفية بذاتها، وبل ومزدهرة. ويختم حديثه بالقول : “أعتقد أنه إذا وجدنا حلولا للنقاط التي ذكرنا، فبإمكان المقاولات المغربية أن تقف على قدميها خلال السنوات القليلة القادمة وأن تساهم في خلق الثروة ومناصب الشغل، خاصة أننا نعوّل عليها في مجال الاستثمار الخاص”.