كرة “التبوحيط” !
كلاسيكو القارة العجوز بين إيطاليا وفرنسا الذي احتضنه أمس ملعب سان سيرو بميلانو في إطار دوري الأمم الأوربية لكرة القدم والذي انتهى بفوز كبير للفرنسيين بثلاثة أهداف لواحد، عرف مستوى تقنيا كبيرا بين المنتخبين العريقين، ودار في إيقاع ناري وسط تبادل الهجمات هنا وهناك وعرف حدة في اللعب والتحامات مستمرة بين اللاعبين كانت تصل إلى حد سقوطهم المستمر فوق أرضية الميدان.
المثير وسط كل تلك الحدة في اللعب والتدخلات القوية بين اللاعبين، هو أن الحكم الرئيسي للمباراة لم يضطر في أية لحظة لإيقاف المباراة، والمناداة على الطاقم الطبي لأحد المنتخبين لإسعاف المصابين.. بل كل ما كان يحدث هو أن اللاعب “المنشور” أرضا لا يكمل سوى ثواني معدودة يلتقط فيها أنفاسه و”يكمد” آلامه ثم ينهض واقفا لإكمال المباراة، وكأنه يخجل من أن تتسبب مدة إسعافه في إفساد متعة الجمهور.
هي عقلية الإحتراف الحقيقي في المستوى العالي لكرة القدم، الذي يجعل اللاعبين يركزون على الفوز بالمباريات عن طريق اللعب والمجهود البدني والقوة الذهنية و”الغرينتا”، لا عن طريق إضاعة الوقت بالتظاهر المستمر بالإصابة، والتحايل على الحكام بسقوط مضحك في مربع العمليات والمطالبة بضربات جزاء “بزز”.
مباراة إيطاليا وفرنسا إذا وضعناها أمام إحدى مباريات بطولتنا الوطنية، التي نشاهد فيها أسبوعيا كيف أن أطباء الفرق يَجْرون أثناء المباريات مسافة أكبر من بعض اللاعبين، بسبب النداء عليهم في كل مرة وحين من طرف الحكام، للدخول إلى أرضية الملعب من أجل تقديم العلاجات الضرورية لأحد “البوحاطيين” الذي يريد إضاعة وقت التنافس، وقتل إيقاع المباراة والسير إلى صافرة النهاية بأقل مجهود.
المقارنة هنا قد تبدو للبعض سوريالية، وقد يردد البعض الآخر “آش جاب شي لشي؟!”.. ولكن تَذَكُّر الطريقة المقرفة التي يقتل بها لاعبو بطولتنا الوطنية المباريات “المقتولة” أصلا من هزالة المستوى التقني، وأنت تشاهد متعة الفرنسيس والطاليان وهم يحترمون مشاهدي المباراة بعدم الكذب والتحايل و”التبوحيط”، تدرك حجم فوارق السماء والأرض بين العقليتين، رغم أن بطولتنا الوطنية يسمونها ب”الإحترافية”، وتشتت فيها الملايير على رواتب سمينة للاعبين ومدربين ذوي عقليات هاوية، يقدمون منتوجا كرويا يقترب مستواه من دوريات الأحياء.
ظاهرة التظاهر بالإصابة وإضاعة الوقت والتحايل على الحكام، استفحلت في بطولتنا الوطنية حتى أصبحت مشهدا مألوفا، وأصبحنا ونحن نشاهد إحدى مبارياتها، ننتظر دون وعي في لحظات ارتفاع الإيقاع قليلا، أن يسقط الحارس أو أحد اللاعبين أرضا بعدما تَضربه “قوى خفية” ليطلب الحكم دخول الطبيب ومساعده لبضع دقائق قبل استئناف اللعب، وهكذا حتى يفوز الفريق الأكثر “تبوحيطا” وتظاهرا بالإصابات الكاذبة.
الإحتراف الرياضي ليس كلمة نكتبها كعنوان في الملفات والمستندات ونلعب تحت شعارها المباريات وننظم البطولات، بل هو عقلية تحترم المشاهدين في الملعب والجمهور، وتلعب “نيشان” وتترك المجال للتنافس الرياضي الصادق دون “مسرحيات” تزيد من نفور الناس من كرة القدم وما يأتي منها.